
الاعلام ومكافحة الفساد.. حين تتوقد شمعة النزاهة!!

مازن صاحب الشمري
10/7/2025، 9:53:53 ص
في حلقة نقاش تدريبية مع طلاب الدراسات العليا في احد كليات جامعة بغداد ، سألت عن مصادر اخبار مكافحة الفساد عراقيا، أجمعت الإجابات على ان وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الأساس بل والكلي، فيما لم يؤشر أي منهم الى الموقع الرسمي لهيئة النزاهة الاتحادية...
وجدت سوق هذه المقدمة ضروريا عند الحديث عن تلك البيانات الشهرية التي تصدرها هذه الهيئة لحصر نشاطات دوائرها، ومنها دائرة التحقيقات، التي تكون عادة مصدر اهتمام الصحافة المتخصصة بمكافحة الفساد، بسبب توفر عناصر إثارة الإهتمام عند القبض على متهمين بجرائم مكافحة الفساد ، مثال ذلك ما صدر في بداية شهر تموز الجاري عن نشاطات شهر حزيران الماضي بتنفيذ 156عملية ضبط ، انتهت الى القاء القبض على 76 متهما ، فيما عدد عمليات ضبط الأوليات وصلت الى 127 عملية ، وكان اجمالي نشاطات شهر أيار قد اشار الى تنفيذ 112 عملية ضبط منها 56 عملية بالجرم المشهود منها 19 قضية امر استقدام وقبض بحق موظفين في الدرجات الخاصة ،صدور 29 قرار ادانة قضائية، وحصرت استمارات المشمولين بالكشف عن الذمة المالية بواقع 4552 وتمت 80 زيارة لمراقبة الأداء في مؤسسات الدولة.
ولا تبدو هذه الأرقام مثار اهتمام للكثير من المشتغلين في وسائل الاعلام او متلقي المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك ربما يعتمد اعلام الهيئة شرح بعض النشاطات بالتفاصيل، ووفق هذا السياق شرح بيان اخر، عملية ضبط "خمسة موظفين بينهم مسؤول يعملون في شركتين تابعتين لوزارة النفط في نينوى؛ وذلك لقيامهم باستحصال مبالغ ماليَـة من المواطنين خلافا للقانون، وترويج معاملات من دون وجود وكالات رسمية، وقيامهم بسرقة مشتقات نفطية في نينوى". وأضاف البيان "نفذت العمليَة بموجب مذكرات قضائية، صادرة عن قاضي محكمةِ التحقيق المختصة بقضايا النزاهة في المحافظة، أفصحت عن تمكن فريق عمل من مديرية تحقيق نينوى من ضبط (3) متهمين في الشركة العامّة لتوزيعِ المنتجات النفطية في المحافظة، وذلك على خلفيَّة قيامهم باستحصال مبالغ مالية من المواطنين من دون وصولات رسمية أو موافقات أصولية؛ بحجة التسجيل على البطاقات التي تصدر عن الشركة المتعاقدة مع وزارة النفط، وتفعيل البطاقات بعد إصدارها". وتابعت الهيئة إن الفريق تمكن أيضا، في عملية منفصلة، من ضبط مسؤول شعبة التشغيل التابعة للمستودع في شركة خطوط الأنابيب النفطية - مستودع نفط نينوى؛ وذلك على خلفية قيامه بسرقة مادَتي النفط والبنزين الناتجة عن عمليات صيانة الأنابيب والمضخات وتخزين المنتوجات وبيعها؛ بغية تهريبها. ويمكن استعراض عشرات البيانات التي تؤشر نماذج متعددة لهذه النشاطات التي تجعل “شمعة النزاهة" تتوقد في واقع اعلامي معزز في تناول أكثر وضوحا لما يورد في الموقع الرسمي، ليس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي!!. لا تبدو وقائع مكافحة "متحور الفساد" عراقيا تتناسب مع مديات التغطية الإعلامية في طورها المتحور ايضا، لعل ابرز ما يغفله المشتغلون في انشاء المحتوى لوسائل الاعلام او التواصل الاجتماعي، عدم ادراك ان محققي هذه الهيئة يتعاملون مع أوامر قضائية يصدرها قضاة تحقيق النزاهة في المحاكم الجزائية، تبعية ذلك ان لا الاعلام القضائي ولا الاعلام الرسمي لهيئة النزاهة مخولين بالإفصاح عن "تفاصيل جرائم الفساد" ، تحت قاعدة ان "المتهم بريء حتى تثبت ادانه"، فضلا عن مدخلات قانونية أخرى تتعلق بالتزامات العراق وفق المعاهدات الدولية سواء عن حقوق الانسان او تلك المتعلقة باسترداد الأموال والمتهمين، يضاف الى ذلك عدم الاطلاع الكافي على الجوانب القانونية والصلاحيات الإجرائية في استراتيجية مكافحة الفساد الوطنية وتطبيقاتها على عموم الجهاز التنفيذي الحكومي، وربما لا يعرفون ان عدة قضايا رفعت الى محكمة النشر فقط لان هناك إشارة لهذا او ذاك من مرتكبي هذه الجرائم لكن القانون كفل لهم حق التقاضي امام المحاكم المختصة. انضم العراق الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد رسميا في 2007 بعد ان أصدر مجلس النواب العراقي قانونه رقم 35 لسنة 2007، وباتت هذه الهيئة تمثل العراق في اجتماعات الدول الأطراف التي تعقد سنويا، وتعمل على نقل تجارب الدول من خلال التعاون المعرفي وأيضا في مجال استرداد الأموال والأشخاص، وكلا الحالتين فيها تفاصيل دقيقة تتطلب من أي اعلامي يهتم بمتابعة اخبار مكافحة الفساد مغادرة الفلاشات الساخنة وتحليلها وفق هذا المنظور القانوني الدولي. فالوقائع التي تنشر مثل البيانات المشار اليها أعلاه، تعني اعلانا رسميا امام محفل الدول الأطراف لهذه الاتفاقية عن تلك النشاطات التي تقوم بها وفق منطوق الالتزامات الدولية التي ترجمت بقانون الانضمام وأيضا بقانون هيئة النزاهة وتعديلاته. وفي التحليل التقني لهذه الاتفاقية، تحدد أمثلة على دور المجتمع المدني والإعلام في مكافحة الفساد من خلال المراقبة والتقييم، حيث تقوم منظمات المجتمع المدني بمراقبة أداء المؤسسات الحكومية، وتقييم مدى فعاليتها في مكافحة الفساد، ونشر تقارير حول هذا الأداء. وتعمل على تنظم حملات توعية للجمهور حول أضرار الفساد، وكيفية الإبلاغ عن حالات الفساد، وحقوقهم في الوصول إلى المعلومات، حتى يتوفر الدعم القانوني والمناصرة في القضايا المتعلقة بالفساد في المحاكم، وتعمل على تعديل القوانين والتشريعات لمكافحة الفساد، فضلا عن تلك التحقيقات الصحفية في قضايا الفساد، ونشر التقارير الاستقصائية حولها، مما يسلط الضوء على هذه القضايا ويثير الرأي العام، وكل ذلك لا يكون الا من خلال المشاركة في وضع السياسات العامة لمكافحة الفساد، وتقديم مقترحات لتطوير القوانين والتشريعات. يعد نموذج نظام "النزاهة الوطني" بأعمدته المعرفة عن تلاحم الجهود المشتركة للقائمين بأفعال مكافحة الفساد والمشاركين فيها والداعمين لها في الجهاز الحكومي والتشريعي والقضائي والقطاع الخاص والمجتمع المدني ووسائل الاعلام والمنابر الدينية، ومن خلال تلك المشاركة في المناصرة والتحشيد لردم فجوة التعريف بتطبيقات النزاهة، لاسيما وان القانون قد منح هيئة النزاهة صلاحيات واسعة تتمثل في التحقيق في قضايا الفساد ومتابعتها، وأيضا تنمية ثقافة النزاهة تقدر الاستقامة والنزاهة الشخصية، واحترام أخلاقيات الخدمة العامة، واعتماد الشفافية والخضوع للمساءلة والاستجواب، عبر برامج التوعية والتثقيف. كما منحها القانون إعداد مشروعات القوانين التي تساهم في منع الفساد أو مكافحته، ورفعها إلى السلطة التشريعية المختصة، والكشف عن الذمم المالية لضمان عدم وجود تضارب في المصالح للموظفين العموميين، سواء كانت تتعلق بهم أو بأزواجهم أو أولادهم أو أقاربهم والتحقيق في قضايا الكسب غير المشروع عن مصادر الأموال غير المشروعة. وفق هذا المنظور، يمكن ملاحظة ان الهدف الاستراتيجي من تشكيل هيئة النزاهة الاتحادية، يمضي إلى ترسيخ منظومة النزاهة الوطنية وإنفاذ القانون والوقاية من الفساد والحد من آثاره، والمساهمة في بناء بيئة وطنية مناهضة للفساد، فالقضية الأهم ان تمنع وتردع جرائم الفساد لا ان يتم القبض على متهمين. واذا كان ثمة مقترح ممكن طرحه، ينطلق من هذه الاسس في بناء نظام "النزاهة الوطني" كاستراتيجية مستدامة في مكافحة العراق للفساد خلال السنوات الخمس المقبلة، عندها فقط تكون مصادر الاعلام لمكافحة الفساد من ذات شمعة "هيئة النزاهة " لعلها تبقى متوقدة في المضي نحو حوكمة الجهاز الحكومي وتقليص الفجوة في اطلاع الراي العام على نشاطات متعددة الجوانب في مكافحة الفساد، فقدت فيها هذه الهيئة كواكب من الشهداء طيلة مسيرتها، من يدري ربما عندها يفهم من يقود وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي تلك الحقائق القانونية المحلية والدولية لأحكام التعامل مع قضايا الفساد كما تورد في بيانات هيئة النزاهة.








