
فرضيات .. "العراق أولا"... تحالفات انتخابية ام سياسات دولة؟؟

مازن صاحب الشمري
21/7/2025، 11:21:40 ص
تحمل وقائع اللقاء الإعلامي، لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مع صحيفة الشرق الأوسط رياح تحالفه الانتخابي أكثر من تلك الإمكانات المتوفرة لتطبيقات "العراق أولا" في برنامجه الحكومي الذي لم يتم تقييم نتائجه بشكل منهجي من قبل مجلس النواب حتى الان، فيما حملت تصريحات رئيس مجلس النواب محمود المشهداني عن استشراف المستقبل المنظور للعملية السياسية ذات رياح التحالفات الانتخابية.
مقارنة كل ذلك مع ما حملته تحليلات استشرافية لمراكز الأبحاث البريطانية والأمريكية عن عراق الغد القريب وفق تطبيقات المخطط الابراهيمي لامتدادات النفوذ الصهيوني في شرق أوسط يراد له ان يكون جديدا، لعل أبرزها ما يذكره "سي. أنتوني بفاف" في تحليله المنشور على موقع المجلس الاطلسي الامريكي في 30 حزيران 2025 بعنوان " التوازنات ونقاط الانهيار: معضلة العراق بين الولايات المتحدة وإيران" مؤكدا على ان المظاهر قد تكون خادعة" ويدلل على صحة قوله انه "في نيسان 2024، ومع اشتداد الحرب على غزة، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الولايات المتحدة لتشجيع تحسين التعاون الأمني والاقتصادي، بل سافر إلى هيوستن بولاية تكساس، حيث وقّع اتفاقيات مع كبرى شركات النفط الأمريكية، وعدها فيها بمعاملة تفضيلية، لا سيما على الشركات الصينية التي تسعى لاستغلال موارد العراق النفطية، وبالإضافة إلى تأكيد التزامه بالتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، وقع أيضا اتفاقيات مع شركات دفاع أمريكية لتوفير التدريب والمعدات، ولعل الأهم من ذلك أنه أطلق بالفعل برنامجا شاملا لإصلاح قطاع الأمن يجمع جميع الأطراف المعنية بقطاع الأمن العراقي، ويلعب فيه المستشارون الأمريكيون دورا بارزا ". من جانب اخر، يجد "ريناد منصور" زميل أبحاث أول، تشتام هاوس في تحليله المنشور على موقع المعهد في 30 حزيران 2025، ان السيناريو ربما الأكثر زعزعة للاستقرار، يتمثل في حدوث أزمة خلافة في إيران تؤدي إلى تفكك النظام، مثل هذا الانهيار قد يُحدث تصدعا في شبكة محور المقاومة، ويدفع بموجات من اللاجئين إلى عبور الحدود العراقية، ويخلف فراغا أمنيا خطيرا. بالنسبة للعراق، قد يكون هذا السيناريو محفوفا بالمخاطر لكنه يحمل في طياته إمكانات تحوّل جذري. فمن جهة، قد تتدخل الفصائل العراقية المرتبطة بإيران داخل إيران أو في الإقليم، سعيا للحفاظ على النظام القائم. ويؤشر منصور في تحليله السيناريو النووي الايراني بقوله "هناك احتمال التصعيد النووي، في حال أعلنت إيران نيتها تطوير سلاح نووي، وفي حال نجحت طهران في إعادة فرض سيطرتها واستقرار الأوضاع داخليا، فمن المرجح أن يستمر العراق في المسار الذي يسلكه حاليا، وهذا يعني إدارة العلاقات بحذر، مع التركيز على التعافي الداخلي، مع الاستمرار في مواجهة صعوبات تتعلق بالحفاظ على السيادة. لكن في هذا السيناريو، سيظل شبح الانتشار النووي الإقليمي ماثلا بقوة." ويضيف "قد تميل القيادة العراقية إلى تجنب المواجهات والتركيز على التنمية الاقتصادية، لكن التطورات الإقليمية تتجاوز قدرتها على التحكم بها، فاستمرار عدم الاستقرار قد يعطّل سلاسل إمداد الطاقة والتجارة، ويقوّض التعافي الاقتصادي. كما قد يهدد النفوذ السياسي الذي بدأت النخبة الحاكمة في ترسيخه خلال السنوات الأخيرة". وفق ما تقدم اعلاه، يبدو من الممكن تقدير الموقف الاولي خلال الفترة المحصورة ما بين نهاية شهر تموز الجاري وبداية الحملات الانتخابية في الاتي:
اولا : ليس هناك مؤشرات موضوعية لما اشار اليه المشهداني عن حكومة طوارئ واحتمالات تأجيل الانتخابات، فالعكس هو الصحيح ان اغلبية الطيف السياسي المتحالف في العملية السياسية تحت اطار الدولة ومنه الاطار التنسيقي وان اختلف في الكثير من القضايا الجوهرية، الا انه متفق تماما على المضي بالعملية الانتخابية باعتبارها كلما تبقى من سمات نظام الحكم ومثالب العملية السياسية التي تتهم بشتى الاتهامات واعتبار ان توظيف الدورة الانتخابية تحمل فرضيات واقعية لمرحلة اخرى تتهم ما سبقها بأقسى انواع النعوت لتسويق ديمومة العملية السياسية بعنوان عريض في التداول السلمي للسلطة.
ثانيا: ما بين نموذج التحشيد الطائفي ونموذج "العراق اولا" ثمة مسافة واضحة، تبدأ في حيثيات ضبط النفس للفصائل الحزبية المسلحة ضمن محور المقاومة على الاراضي العراقية، ظهر ذلك جليا خلال حرب ال12 يوما ما بين اسرائيل وإيران وكانت مسيرات وصواريخ الطرفين تمر من فوق الاراضي العراقية، لكن العراق احتج امام مجلس الامن الدولي على الجانب الاسرائيلي فقط في اشارة واقعية عن الموقف الرسمي في استخدام شعار "العراق اولا". لذلك لا يبتعد تحالف الاعمار بقيادة السوداني كثيرا عن الموقف الايراني بل ويعامل معه كواقع حال اكثر مما تحتمل تحليلات مراكز الابحاث الامريكية والبريطانية بان هذا التحالف من الممكن ان يقف مستقبلا ضد النفوذ الايراني في العراق ويتعامل بانسجام اكبر مع السياسات الامريكية لاسيما تلك التي ينتهجها الرئيس ترامب بنموذجها للتطبيع الإبراهيمي المعروف، وهذا يجعل واشنطن وطهران امام (فرضية الانتظار) في الساحة العراقية، الا اذا حدثت تطورات مثل سيناريو تفجير القنبلة النووية الإيرانية، او بداية الصفحة الجديدة من الحرب بين اسرائيل وايران بدعم امريكي يمكن ان تخرج فيه الفصائل الحزبية المسلحة في العراق عن حالة "ضبط النفس" واشعال الاراضي العراقية بذات نيران الحرب المتوقعة، عندها تصح سيناريوهات المشهداني في تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ.
ثالثا: على الرغم من تدخل هيئة النزاهة لأول مرة في التعامل مع حيثيات العملية الانتخابية، الا ان هذا التدخل ما زال غير واضح ولا يمتلك الشفافية المطلوبة في حوكمة الانتخابات، التي تبدأ في برامج انتخابية مطابقة للدستور والقوانين النفاذة، وكشف الذمة المالية عن تمويل الاحزاب والشخصيات المرشحة للانتخابات من خلال كشف سجلات تمويلها امام هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، فيما تتناول بعض وسائل الاعلام تقديرات بأرقام فلكية عن تمويل الحملات الانتخابية المقبلة ربما تصل الى 4 تريلون دينار عراقي من دون ان تبدأ هيئة النزاهة بتوجيه السؤال - الازلي الغائب - وفق قانونها في تعديله الاخير"من اين لك هذا؟؟"هذا السؤال المطلوب ان يراقب مصروفات الحملات الانتخابية وابعاد أي مخالف، فهل يمكن تطبيق مثل هذا النموذج من الحوكمة ؟؟ الاجابة.. كلا، فيما تتواصل وقائع الكشف عن تشكيلات اقتصاديات الاحزاب التي تتعامل مع افلات ايران من العقوبات الامريكية عبر منظومة التبادل النقدي العراقي، منهم جهات معروفة لها ارتباطات واضحة بتحالفات انتخابية، تسريع هذا الكشف وامكانية اتخاذ السلطات النقدية ممثلة في البنك المركزي عقوبات ضد هذه الهيئات الاقتصادية، من الممكن ان يؤثر على مسارات تمويل الانتخابات المقبلة، وربما يجعل الفصائل الحزبية المسلحة تخرج من حالة الصمت الى الافعال، وما يجري خلال هذه الايام من ضربات بالمسيرات على مواقع نفطية في كردستان العراق، نموذجا يمكن ان يتطور لتشهده مواقع نفطية اخرى في جنوب العراق وغيرها من المناطق التي تسعى هذه الفصائل الحزبية المسلحة فرض سلطتها "الانتخابية" على نتائج ما زالت قيد التفكير بالاقتراع في خطوات استباقية واضحة. مع ذلك، تبقى مجرد قراءات واستشراف لوقائع ومسارات العملية الانتخابية في عراق الغد المنظور، ما بين نموذج "العراق اولا" وفرضيات نجاحاته، وبين بقية السيناريوهات وفرضيات حصولها.








