السيستاني يحذر من جعل العراق ساحة حرب
مراصد
6/11/2024، 1:23:26 م
حملت رسالة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني على خلفية لقائه رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، سبع وصايا مهمة للعراقيين والحكومة والسياسيين، الذين يديرون دفة الحكم ما بعد عام 2003، أكد فيها، وجوب "منع التدخلات الخارجية وحصر السلاح بيد الدولة"، من أجل تحقيق مستقبل أفضل للعراق.
وذكر مكتب المرجع الأعلى في بيان، "ان سماحة السيد السيستاني استقبل محمد الحسان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) والوفد المرافق معه". وأضاف البيان فيما يتعلق بالحسان، "قدّم لسماحته شرحاً موجزاً حول مهام البعثة الدولية والدور الذي تروم القيام به في الفترة القادمة، وفي المقابل رحّب السيد بحضور الأمم المتحدة في العراق وتمنى لبعثتها التوفيق في القيام بمهامها. وأشار السيد السيستاني، بحسب البيان، إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد، وقال إنه ينبغي على العراقيين، ولا سيما النخب الواعية، أن يأخذوا العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز اخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم كي ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار، مؤكداً على أن ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات، مستدركاً " ولكن يبدو أن أمام العراقيين مسار طويل الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك، أعانهم الله عليه". وفيما يخص الأوضاع الملتهبة في منطقتنا عبّر السيد السيستاني عن "عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزّة وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقافها او في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي"، بحسب البيان.
▪︎ ردود الأفعال
الى ذلك عقد الإطار التنسيقي اجتماعا، مساء اليوم نفسه، حيث قالت الدائرة الاعلامية للاطار التنسيقي في بيان، إن " الاطار التنسيقي عقد اجتماعه الدوري في مكتب حيدر العبادي لمناقشة آخر المستجدات على الساحتين الوطنية والاقليمية".
واضافت "جدد الاطار التنسيقي تأييده لبيان مكتب المرجع الاعلى واعتبره خارطة طريق للتنمية والاستقرار في العراق". ودعا الإطار التنسيقي، بحسب البيان الذي اوردته وكالة الانباء العراقية "واع" ، مجلس النواب إلى تمديد فصله التشريعي وتقليص عطلته بما ينسجم مع انجاز التشريعات الهامة ويواكب تطورات المنطقة.
وفي سياق متصل .. قال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان، إن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استقبل الثلاثاء 5 نوفمبر تشرين الثاني، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، حيث أشاد السوداني، بحسب البيان، بـ" ما طرحه السيد السيستاني خلال استقباله الحسان، من تشخيص لاحتياجات العراق والرؤى الواقعية لتطلعات الشعب العراقي، التي أوجزتها الحكومة في أولويات برنامجها العام والجاري تنفيذه".
من جهته بيّن الخبير الأمني، أحمد الشريفي، إن “بيان السيستاني جاء بعد سلسلة لقاءات أجراها المرجع مع نخب وشخصيات عامة وانتقد البيان بشكل واضح المسار السياسي في البلاد، بعدم تفعيل القانون وعدم مكافحة الفساد والنقطة الأهم هي مسألة حصر السلاح بيد الدولة”. وأوضح الشريفي، “حيث إن تدفق السلاح من دول الجوار وتحديداً من إيران، عزز مكانة الفصائل وجعلها تحتكر خيار الحرب. ورأى، أن “المرجعية شخصت بدقة هذه الفعاليات، ولذلك أصدرت البيان في هذا التوقيت الحساس، ما يدل على وجود تسريبات إعلامية على تدفق السلاح.
▪︎ مواقف حاسمة
يشار الى ان المرجعية العليا في النجف الأشرف سجلت مواقف مشهودة وحاسمة في كبح جماح سلسلة التداعيات لأزمات عصفت بالبلاد على مدى العقدين الماضيين، والتي تمثلت بما يلي :
- معارك النجف الأشرف 2004
تأكد نفوذ آية الله السيد علي السيستاني، في أغسطس/آب 2004 عندما عمل على إنهاء المواجهات الدامية التي دامت ثلاثة أسابيع بين جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر، والقوات الأمريكية والعراقية ضمن محيط ضريح الإمام علي بن أبي طالب في قلب النجف الأشرف، أحد أقدس الأماكن لدى الشيعة، حيث أوقف تدخل السيستاني المواجهات المسلحة بعد فشل جهود رئيس الوزراء حينها، إياد علاوي، والحكومة العراقية المؤقتة والمؤتمر الوطني العراقي. حيث علق كينيث كاتزمان، كبير محللي الشرق الأوسط في خدمة أبحاث الكونجرس، آنذاك بالقول: “لولا السيستاني لما كان لديهم حل لأزمة النجف، الحكومة العراقية مدينة بالكامل للسيستاني لإبقاء الأمور تحت السيطرة”.
- الحرب الطائفية 2006
لعب السيد علي السيستاني دورا مهما في تهدئة الأجواء،حينما ناشد العراقيين فور إندلاع الحرب الطائفية عام 2006, على خلفية تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء،بعدم الإنتقام.
وفي عام 2007 قال إن الخلافات بين السنة والشيعة موجودة منذ قرون، ولكن لا ينبغي أن تكون سببًا لإراقة الدماء، وأشار حينها إلى “حاجة ماسة للوحدة ونبذ الانقسامات” و”تجنب التعصب الطائفي”. وفي هذا الصدد، يقول منتدى “بوستون ريفيو” عن السيستاني “بناء على أفعاله وتصريحاته منذ عام 2003 حاول السيستاني “الحفاظ على قشرة القومية العراقية” وقد ظلت مهمة شاقة.
- الجهاد الكفائي 2014
في عام 2014 أصدر السيد السيستاني فتواه الشهيرة “الجهاد الكفائي” لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي بعد سيطرته على مدينة الموصل، كما دعا جميع العراقيين لحمل السلاح لمواجهة التنظيم، واستجاب له مئات الآلاف وفي مقدمتهم الشيعة.
ودعم في البداية فصائل الحشد الشعبي ولكن على مدى السنوات التالية تراجع عن هذا الدعم بعد ما شعر أن بعض الفصائل المسلحة تعمل تحت مظلة النفوذ الإيراني، بحسب ما تشير الية وكالة “دويتشه فيله“. وفي عام 2020 دفع أربع فصائل كبرى للإنسحاب من قوات الحشد الشعبي، وهو ما وصفه تحليل لـ”المونيتور” بأنه “رسالة واضحة مفادها أن السيستاني غير راضٍ عن المؤسسة الموالية لإيران”، بحسب "المونيتور".
- تظاهرات تشرين 2019
في عام 2019 انحاز المرجع الأعلى إلى الاحتجاجات الشعبية التي إجتاحت البلاد وبدا أن صبره نفد تجاه الطبقة السياسية، إذ كرر السيستاني مطالبه ودعا إلى قانون انتخابي جديد “لا يعطي ميزة غير عادلة للأحزاب السياسية الحاكمة، بل يعطي فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلاد”. وعبر عن موقفه بمقولة "على الحكومة تدارك الأمور قبل فوات الأوان"، وهو موقف أصدرته المرجعية في النجف بعد أربعة أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات التي قتل فيها أكثر من 800 شخصا وأصيب نحو 15 ألفا آخرين. إلا أن متظاهرين في حينه أعتبروا هذا الموقف لم يكن بمستوى الحدث ولا يلبي طموحاتهم بإجراء تغييرات شاملة على المنظومة السياسية التي حكمت العراق لنحو 16 عاما. ولكن شيئا فشيئا ومع احتدام المواجهة بين المحتجين وقوات الأمن العراقية، تصاعدت نبرة المرجعية العليا وبلغت ذروتها في خطبة الجمعة عندما قال ممثلها إن العراق "لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها". كما حملت المرجعية آنذاك الحكومة والأجهزة الأمنية مسؤولية مقتل المتظاهرين وعدم حمايتهم.
▪︎ لقاء تأريخي
وفي سعيه لتقارب الأديان، التقى السيد السيستاني في السادس من آذار 2021، بالحبر الاعظم البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان ورأس الكنيسة الكاثوليكية
ودار الحديث خلال اللقاء حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر ودور الايمان بالله تعالى وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها. وتحدث السيد السيستاني عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوصا ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
▪︎ تدارك الإنزلاق
تجلى التأثير الذي يتمتع به آية الله العظمى السيد علي السيستاني، في نهاية أغسطس/آب 2022 حين منع العراق من الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة.
وكما تقول وكالة “رويترز“، فإنه عندمااقترب العراق ثانية من شفا حرب أهلية، لم يكن يملك القدرة على منع ذلك سوى رجل واحد فقط”، في إشارة إلى السيد السيستاني الذي “أثبت مرة أخرى أنه أقوى رجل في بلده”، بحسب وكالة رويترز. مسؤولون حكوميون ومصادر شيعية مطلعة قالت لـ”رويترز” إن موقف السيستاني من وراء الكواليس هو وحده الذي نزع فتيل الكارثة. وفي الاضطرابات التي اندلعت في شوارع العراق اقتحم متظاهرون غاصبون مبنى البرلمان، وبحلول الليل كانوا يتجولون في أنحاء بغداد في شاحنات صغيرة ملوحين بالرشاشات وقاذفات الصواريخ ولكن وفي غضون 24 ساعة، انتهى الأمر فجأة كما بدأ، وظهر مقتدى الصدر في التلفزيون داعيا إلى الهدوء. مما دفع أنصاره الى إخلاء الشوارع على الفور. وعاد الهدوء الى أرجاء العاصمة بغداد.
▪︎ مقاطعة الطبقة السياسية
منذ العام 2010 لم يستقبل السيد السيستاني أي مسؤول أو سياسي عراقي، وسط حديث عن امتعاض واسع منه لما آلت إليه الأمور في البلاد، خصوصاً بعد اجتياح تنظيم "داعش" العراق، وتصاعد آفة الفساد، وتراجع الخدمات، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية.
واستثنت هذه المقاطعة، رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي حين نُصّب رئيساً للحكومة عام 2014، وبعد 4 سنوات على الزيارة، وفي ما اعتبر توضيحاً متأخراً، قال رئيس الحكومة الاسبق في مقابلة صحافية، إنّ "المرجع السيستاني طلب عام 2014 في رسالة موقعة باسمه وختمه آنذاك، تغيير رئيس الوزراء (نوري المالكي)، وتكليفي بهذا المنصب".
وأعاد استقبال السيستاني للرئيس الإيراني حسن روحاني أخيراً، وقبله للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جانين هنيس بلاسخارت، الحديث مجدداً في العراق عن سبب استمرار مقاطعة السيستاني للطبقة السياسية في البلاد، رغم طلبات عديدة قدمت منهم للاجتماع به. وكان السيستاني قد رفض منح أي تأييد للكتل السياسية خلال انتخابات البرلمان، في مقابل تأييده ضمناً للتظاهرات الشعبية التي انطلقت في ذي قار ومدن عدة جنوب البلاد، تطالب بالخدمات وفرص العمل والقضاء على الفساد.