التحولات الإقتصادية وأثرها في مجتمعات دول المنطقة
د. إيمان معروف
13/11/2024، 8:16:44 م
إنّ التحولات الاقتصادية السريعة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة تعدّ محركًا مهماً للتغيير على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. فقد أدت التحولات في أنماط الاقتصاد، مثل الاعتماد على النفط والغاز، والاستثمار في البنية التحتية، والتحول نحو اقتصاد الخدمات، إلى تحسين مستويات المعيشة بالنسبة للبعض، بيدَ أنها خلقت في الوقت ذاته تحديات اجتماعية واسعة النطاق.
▪︎ ارتفاع معدلات البطالة
تعد البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط من أخطر التحديات الاجتماعية الناتجة عن التحولات الاقتصادية السريعة لأنها تؤثر على نحو مباشر على الاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة. فبحسب الإحصائيات الدولية، تمتلك المنطقة بعضًا من أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم. ويمثل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا نسبة كبيرة من سكان الدول العربية، مما يجعلهم الشريحة الأكثر تأثرًا بانعدام فرص العمل. ولعلّ من الأسباب الرئيسية للبطالة بين الشباب نقص التنوع الاقتصادي والاعتماد على القطاعات التقليدية، إذ على الرغم من التحولات الاقتصادية السريعة، لا تزال اقتصادات العديد من الدول تعتمد أساساً على موارد طبيعية، مثل النفط والغاز، دون التوسع الكافي في قطاعات أخرى كالزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا. هذا الاعتماد أدى إلى تركز الوظائف في مجالات محدودة، مثل قطاع النفط في دول الخليج، بينما ظلت القطاعات الأخرى تفتقر إلى فرص العمل الكافية لاستيعاب أعداد الشباب المتزايدة. إضافة إلى التحديات السياسية والاقتصادية حيث تشهد بعض دول الشرق الأوسط اضطرابات سياسية تؤثر على الاقتصاد وسوق العمل، كما في سوريا واليمن والعراق. هذه الاضطرابات تؤدي تداعيات على رأسها الإحباط وفقدان الأمل الذي قد يتطور إلى مظاهر من الاستياء والغضب تجاه الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى الميل إلى الهجرة والبحث عن فرص أفضل خارج الوطن لا سيما إلى دول أوربا وكندا ووالولايات المتحدة كما يحدث في دول مثل لبنان ومصر وتونس. كما تسهم البطالة في زيادة معدلات الفقر، وبالتالي تراجع الاستهلاك المحلي وزيادة الأعباء الاجتماعية، مما ينعكس سلبًا على الاستقرار الاقتصادي.
▪︎ مواجهة البطالة
أدركت بعض الدول العربية خطورة البطالة بين الشباب وبدأت في اتخاذ خطوات للتعامل مع هذا التحدي مثل اطلاق برامج التدريب والتأهيل المهني التي تقام في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بهدف تعزيز مهارات الشباب وتوجيههم نحو التخصصات المطلوبة في سوق العمل. كما أطلقت المملكة العربية السعودية برامج مثل "تمهير" لتوفير التدريب العملي للشباب الجامعيين، ليتمكنوا من اكتساب الخبرات اللازمة. وثمة توجه ملحوظ نحو دعم الشباب لبدء مشاريعهم الخاصة، كجزء من الحلول للتخفيف من حدة البطالة. في المغرب أطلقت الحكومة برنامج "مقاولتي" لدعم ريادة الأعمال وتقديم قروض ميسرة للمشروعات الصغيرة. هذه المبادرات تهدف إلى تمكين الشباب من إنشاء أعمالهم، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة. كما تعمل بعض الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية لخلق وظائف جديدة للشباب، مثل ما تقوم به السعودية من خلال رؤيتها 2030، والعراق الذي بدأ مؤخرا في جذب الاستثمارات الأجنبية بعد تعافيه النسبي من سلسلة الحروب والتوترات الداخلية، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وزيادة فرص العمل في القطاعات الجديدة كالسياحة والترفيه والصناعة.
▪︎ التركيبة الديموغرافية
مع تسارع التحولات الاقتصادية في العديد من دول الشرق الأوسط، ازداد الاعتماد على العمالة الوافدة كثيراً، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت. وفرت العمالة الوافدة عمالة منخفضة التكلفة وذات مهارات متنوعة في قطاعات حيوية كالبناء، والضيافة، والخدمات، لكن، في المقابل، تسبب هذا الاعتماد المتزايد في إحداث تغييرات كبيرة في التركيبة الديموغرافية، فأصبحت العمالة الوافدة تشكل جزءًا كبيرًا من إجمالي سكان بعض الدول الخليجية، لدرجة أن نسبة المواطنين المحليين أصبحت أقلية مقارنة بالوافدين. ففي الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يشكل الوافدون حوالي 85% من السكان. كما يخلق وجود العمالة الوافدة تباينًا كبيرًا في مستويات المعيشة، حيث يتمتع المواطنون في الغالب بامتيازات اقتصادية واجتماعية أعلى من الوافدين الذين يعملون في ظروف اقتصادية صعبة وبأجور منخفضة نسبيًا مما يؤدي إلى بروز فجوات اجتماعية وشعور بعض الفئات الوافدة بعدم الأمان والاستقرار، مما قد يؤدي إلى نشوب توترات اجتماعية بين المواطنين والعمالة الوافدة، كما قد يزيد من إحساس العمالة الوافدة بالتهميش. ولا ننسى أن ارتفاع أعداد العمالة الوافدة يسبب تغيراً في النسيج الثقافي للمجتمع، حيث يأتي الوافدون من خلفيات ثقافية ودينية واجتماعية متنوعة وبالتالي ستنشأ تحديات تعيق الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية. إن وجود عدد كبير من الوافدين يؤدي إلى ضغط كبير على البنية التحتية المحلية، مثل الطرق، والنقل، والمستشفيات، والمدارس. ولتلبية احتياجات العدد الكبير من الوافدين، يجب تخصيص موارد إضافية لتوسيع وتحسين هذه الخدمات، مما يثقل كاهل الميزانيات الحكومية في بعض الأحيان. من جانبٍ آخر وبسبب ارتفاع عدد العمالة الوافدة التي تتقاضى أجورًا منخفضة، يواجه المواطنون صعوبة في التنافس في بعض القطاعات، وهذا يقلل من فرص التوطين لا سيما في الوظائف التي تتطلب مهارات معينة أو أجور منخفضة. تسعى دول مثل السعودية إلى تعزيز برامج "السعودة" لتوظيف المواطنين في وظائف تعتمد تاريخيًا على الوافدين، إلا أن النتائج لا تزال متباينة وتتطلب مزيدًا من الدعم والسياسات.
بدأت بعض الدول بتنفيذ سياسات تهدف إلى تأهيل المواطنين للعمل في القطاعات التي يهيمن عليها الوافدون، من خلال برامج تدريبية وتعليمية متخصصة. على سبيل المثال، أطلقت السعودية والإمارات برامج تدريبية لتطوير مهارات الشباب في قطاعي البناء والتقنية، ليصبحوا قادرين على منافسة الوافدين في سوق العمل.
▪︎ التفاوت الاقتصادي
يعد التفاوت الاقتصادي وازدياد الفجوات الطبقية من أبرز التحديات الاجتماعية التي برزت نتيجة التحولات الاقتصادية السريعة في الشرق الأوسط. ففي حين أن بعض فئات المجتمع استفادت كثيراَ من النمو الاقتصادي، لا سيما في الدول التي تعتمد على عائدات النفط والاستثمارات العقارية، بقيت فئات أخرى تعاني من التهميش والفقر، مما أوجد فجوة عميقة بين الطبقات الاجتماعية. ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة بوضوح في الدول ذات الاقتصادات المزدوجة التي تجمع بين مستويات معيشة متباينة داخل المجتمع الواحد. في بعض الدول، يتركز النمو الاقتصادي في قطاعات معينة تستفيد منها فئات محددة، مثل قطاعات النفط والعقارات والبنوك، في حين تظل فئات أخرى محرومة من الاستفادة. على سبيل المثال، في دول الخليج، يُعتبر قطاع النفط المصدر الرئيس للثروة، لكن عائداته لا تتوزع على نحو متساوٍ بين جميع المواطنين. يؤدي هذا التفاوت إلى تراكم الثروة في يد فئات محددة، بينما تظل الفئات الأخرى بعيدة عن الاستفادة من ثمار النمو الاقتصادي. اجتذبت دول مثل الإمارات وقطر استثمارات أجنبية كبيرة، لا سيما في مجالات العقارات والسياحة والخدمات المالية. لكن هذه الاستثمارات غالبًا ما تكون موجهة نحو مشروعات تعزز من قوة رأس المال العالمي ولا توفر فرصًا واسعة للفئات ذات الدخل المنخفض، مما يحد من الفوائد التي تعود على السكان المحليين ذوي الدخل المحدود ويؤدي إلى تزايد التفاوت الاقتصادي. وفي بعض الدول، تفتقر الحكومات إلى سياسات اجتماعية فعالة لتقليل الفجوات بين الطبقات الاقتصادية المختلفة. إذ لا يوجّه الإنفاق العام في كثير من الأحيان نحو الفئات المهمشة أو ذات الدخل المحدود، مما يخلق حالة من التباين الكبير في المستوى المعيشي. يؤدي هذا إلى زيادة الشعور بالظلم الاجتماعي، لا سيما في البلدان التي لا تتوفر فيها شبكات حماية اجتماعية قوية. ومن تداعيات الفجوات الطبقية على المجتمع تفشي الفقر في المجتمعات وتهديد الطبقة الوسطى، التي تعدّ عاملًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. فكلما زاد التباين بين الطبقات، تراجعت قدرة الطبقة الوسطى على المشاركة في الاقتصاد، مما يؤدي إلى ضعف الاستهلاك المحلي وتباطؤ النمو. كما تسهم الفجوات الطبقية الكبيرة في تغذية مشاعر الغضب والاستياء الاجتماعي، مما يؤدي إلى انتشار الاحتجاجات والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية. في لبنان، على سبيل المثال، أدت الأزمة الاقتصادية وتزايد التفاوت الطبقي إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة بالعدالة الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية، حيث يشعر العديد من المواطنين بأن السياسات الاقتصادية الحالية لا تخدم سوى النخبة. للحد من الفجوات الطبقية تتجه بعض الدول إلى تعزيز الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية لدعم الفئات ذات الدخل المنخفض وتقليل الفجوات الطبقية. في السعودية، بدأت الحكومة في تنفيذ برامج مثل "حساب المواطن" لتوفير الدعم المالي للأسر المحتاجة، بهدف تخفيف الآثار الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية وتقليل العبء المعيشي عن المواطنين. كما يمكن لفرض ضرائب تصاعدية على الفئات ذات الدخل المرتفع وتقليل التهرب الضريبي أن يسهم في إعادة توزيع الثروات داخل المجتمع. حيث تتجه بعض الدول إلى فرض ضرائب على الشركات الكبرى والمستثمرين لتحقيق توازن اقتصادي أفضل. في الأردن بدأت الحكومة بمراجعة نظام الضرائب ليشمل فرض ضرائب تصاعدية لتحقيق عدالة اجتماعية أكبر.
▪︎ التحول الثقافي
تشهد المجتمعات في الشرق الأوسط تحولات ثقافية سريعة نتيجة للانفتاح المتزايد على العالم بفعل العولمة والتقدم التكنولوجي. وتساهم العولمة، إلى جانب انتشار وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، في إدخال أنماط جديدة من القيم والسلوكيات، مما يؤدي إلى تغيرات عميقة في الهوية الثقافية للمجتمعات. ومع انتشار الأفكار والقيم العالمية، يجد بعض الأفراد، لا سيما الشباب، أنفسهم في مواجهة قيم وأساليب حياة جديدة تختلف عن القيم التقليدية المحلية، مما يؤدي إلى بروز تحديات ثقافية واجتماعية معقدة. تؤثر العولمة على الهوية الثقافية عبر تغيير أنماط الحياة اليومية والسلوكيات الاجتماعية، فقد أصبحت أساليب الحياة الغربية، من حيث الملبس، والذوق الموسيقي، وأسلوب العمل، أكثر انتشارًا في مجتمعات الشرق الأوسط، ما خلق نوعًا من التصادم أحيانًا مع العادات والتقاليد المحلية. كما تعد وسائل الإعلام العالمية، والمحتوى الموجه عبر منصات مثل "نتفليكس" و"تيك توك" على وجه الخصوص، من القوى المحركة للتغيرات الثقافية. فالتعرض المتكرر للمحتوى العالمي يجعل الشباب أكثر تقبلًا للأفكار التي تتناقض أحيانًا مع القيم المحلية. وعلى الرغم من محاولات الحكومات في بعض الدول تقنين المحتوى الإعلامي، فإن تأثيره يظل قويًا، ويؤثر على العادات اليومية والنظرة العامة للحياة لدى الشباب، فيصبحون أكثر انفتاحًا على التجديد وأقل ارتباطًا بالعادات التقليدية. هذا التباين بين القيم التقليدية التي نشأ عليها الآباء وبين القيم الحديثة التي يتبناها الشباب يؤدي إلى توتر داخلي داخل الأسر والمجتمعات، حيث يشعر الجيل الأكبر بالقلق من تراجع تأثير القيم التقليدية وفقدان الهوية الوطنية. كما أدت العولمة إلى تغييرات مهمة في دور المرأة في مجتمعات الشرق الأوسط، حيث أصبح للمرأة دور أكبر في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. وعلى صعيد آخر تزايدت الرغبة في الاستهلاك والتوجه نحو العلامات التجارية العالمية كنتيجة مباشرة للعولمة. فقد أصبح الاهتمام بالماركات العالمية والمنتجات المستوردة شائعًا بين فئات المجتمع، مما يعزز ثقافة الاستهلاك ويؤثر على العادات الاقتصادية للمجتمعات المحلية. كما أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى تراجع المنتجات المحلية وإهمال الصناعات الوطنية.
▪︎ الأمن الاجتماعي
في ظلّ التفاوت الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، شهدت بعض دول الشرق الأوسط تزايدًا في معدلات الجريمة والاضطرابات الاجتماعية. على سبيل المثال، في مصر، يُعتقد أن الظروف الاقتصادية الضاغطة قد ساهمت في زيادة حالات السرقة والعنف بين فئات معينة. هذه الاضطرابات الاجتماعية تعكس تأثير التحولات الاقتصادية غير المتوازنة وتضع عبئًا إضافيًا على أجهزة الأمن في هذه الدول، مما يخلق تحديًا آخر للسلطات في مواجهة الجرائم وحفظ الأمن.
▪︎ الهجرة الداخلية
تعد الهجرة الداخلية والنزوح من القضايا الرئيسة التي أفرزتها التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط. إذ تدفع الظروف الاقتصادية المتغيرة، والصراعات السياسية، وانعدام الفرص المتكافئة في المناطق الريفية والهامشية، العديد من الأفراد إلى الانتقال نحو المدن الكبرى، بحثًا عن فرص أفضل وحياة مستقرة. وقد أسهمت هذه الهجرة الداخلية، بالإضافة إلى النزوح الناتج عن الصراعات، في خلق تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة في المناطق المستقبِلة، حيث تزداد الضغوط على البنية التحتية والموارد المحلية. مع تركز النشاط الاقتصادي والاستثمارات الكبرى في المدن الكبرى، أصبحت المناطق الريفية والنائية تفتقر إلى الفرص الاقتصادية الملائمة، مما دفع العديد من الشباب والأسر إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن فرص عمل أفضل. فالتفاوت الاقتصادي بين المناطق الريفية والحضرية أدى إلى هجرة واسعة من المناطق النائية إلى مدن كبرى مثل القاهرة وعمّان والرياض وبغداد ودمشق، حيث توفر هذه المدن فرصًا اقتصادية أكبر، سواء في القطاع الصناعي أو التجاري. وفي بعض الدول، مثل سوريا والعراق واليمن، أدت الحروب والصراعات إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان من مناطقهم الأصلية إلى مناطق أكثر أمانًا.
وقد أدى ذلك إلى تغيير ديموغرافي كبير في العديد من المناطق، وتسبب في ضغوط كبيرة على المدن المستقبِلة التي تواجه صعوبات في توفير الخدمات الضرورية لهذه الأعداد الكبيرة من النازحين. ولعلّ أهم الآثار الاجتماعية والاقتصادية للهجرة الداخلية والنزوح زيادة الضغط على البنية التحتية في المدن المستقبِلة، مثل الإسكان، والنقل، والتعليم، والخدمات الصحية. فمع تزايد أعداد السكان غير المتوقع، تعاني هذه المدن من نقص حاد في المرافق الأساسية، وتواجه تحديات في تلبية احتياجات القادمين الجدد، مما يخلق حالة من الاكتظاظ ويؤثر على نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين الأصليين. وعلى الرغم من أن المدن الكبرى تقدم فرصًا اقتصادية أوسع، فإن قدرة سوق العمل على استيعاب جميع القادمين تظل محدودة. وفي بعض الأحيان، يصبح المهاجرون الداخليون عرضة للاستغلال في وظائف منخفضة الأجر وذات ظروف عمل صعبة، مما يزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها هذه الفئات. كما تؤدي حركة الهجرة الداخلية والنزوح إلى تغير التركيبة السكانية للمناطق المستقبِلة، ويعرب بعض السكان الأصليين عن مخاوفهم من تآكل الهوية المحلية والثقافية لمجتمعاتهم، لا سيما في حال استقر الوافدون بصورة دائمة. لذلك بدأت بعض الحكومات بتوجيه الاستثمارات نحو المناطق الريفية والنائية، بهدف توفير فرص اقتصادية وخدمات تعليمية وصحية فيها، وبالتالي الحد من تدفق الهجرة نحو المدن. على سبيل المثال، تعمل السعودية على تحسين المرافق الصحية والتعليمية في المناطق النائية وتقديم حوافز للمستثمرين لإنشاء مشروعات صغيرة فيها، بهدف توفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة. وفي البلدان التي تعاني من النزوح الداخلي، مثل سوريا واليمن، تقيم الحكومات والمنظمات الإنسانية مخيمات لإيواء النازحين وتقديم الخدمات الأساسية لهم بهدف تخفيف الضغط على المناطق الحضرية، إلى جانب توفير الحماية والأمان في ظروف النزوح الصعبة. كما تسعى بعض الدول إلى توفير برامج تدريبية للمهاجرين والنازحين لتعزيز قدراتهم المهنية ومساعدتهم في الحصول على وظائف ملائمة. في الأردن على سبيل المثال، تنفّذ برامج تدريبية تستهدف النازحين السوريين، وتساعدهم على دخول سوق العمل المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تقليل الاعتماد على المساعدات الحكومية.
بالنتيجة تشكل الهجرة الداخلية والنزوح تحديات اجتماعية واقتصادية معقدة، تتطلب سياسات شاملة لمعالجة أسبابها والتخفيف من آثارها. ومع استمرار تأثير الأوضاع السياسية والاقتصادية والمناخية، ستبقى الهجرة والنزوح جزءًا من الواقع الاجتماعي، مما يستوجب وضع استراتيجيات مستدامة قادرة على توفير بيئة معيشية متكاملة للجميع
بناء على ماتقدم يبدو أن التحولات الاقتصادية السريعة في الشرق الأوسط، على الرغم مما قد تجلبه من فرص للنمو والتقدم، تفرض تحديات اجتماعية كبيرة تستدعي انتباه واضعي السياسات وأصحاب القرار. فالعمل على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة لا يعتمد فقط على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، بل أيضًا على تلبية احتياجات السكان، وتخفيف التفاوت الطبقي، ومعالجة قضايا البطالة. كما تحتاج الحكومات إلى وضع خطط متكاملة تضمن توزيعًا عادلًا للثروات وتلبية احتياجات الشباب، وضمان الأمن الاجتماعي، مع الحفاظ على الهوية الثقافية.