شركات الحماية الخاصة... ملف يكتنفه الغموض وتلفه الشبهات
مراصد
14/11/2024، 9:47:13 ص
احتفظت ذاكرة العراقيين بانطباعات سيئة عن الشركات الأمنية الخاصة العاملة في البلاد لارتكابها جرائم ضد المدنيين وطبيعة سلوكها، فضلا على استفزاز عناصرها لمشاعر المدنيين بإشهارهم الأسلحة وهم يستقلون عجلات مصفحة ومظللة وهي تجوب شوارع المدن ، فيما اكدت وزارة الداخلية ان الشركات الأمنية تخضع لاشرافها ومراقبتها المباشرة.
▪︎ سمعة سيئة
يذكر تقرير اعده فريق صحافي استقصائي، "اكتسبت الشركات الأمنية سمعة سيئة بين العراقيين بسبب تورط الكثير منها بحوادث دموية ذهب ضحيتها عشرات المدنيين، مثل شركتي "بلاك ووتر" و"هاليبرتون" الأميركيتين، فضلا عن تورط شركات أخرى بقضايا فساد ونهب للمال العام،"
ويضيف التقرير "تعد الشركات الأمنية الخاصة العاملة في العراق ملف جدلي بشأن جدوى تواجدها في ظل تواجد أعداد مليونية من القوات الأمنية المحلية في العراق،" وبحسب التقرير المنشور في موقع درج الالكتروني الخاص بالصحافة الاستقصائية "تنتشر عشرات الشركات الأمنية الخاصة في العراق، ويتمركز مناطق تواجدها في العاصمة بغداد ومحافظتي البصرة أقصى جنوب البلاد، وأربيل عاصمة إقليم كوردستان، ويتركز عملها في حماية بعض كبار الشخصيات فضلا عن البعثات الدبلوماسية والشركات النفطية". ويتابع التقرير "بعد مغادرة آخر شركة أمنية أمريكية للعراق، نهاية عام 2009، وهي بلاك ووتر عادت عشرات الشركات الخاصة للظهور مجدداً بحججٍ كثيرة ومهمات مختلفة، أبرزها تأمين تجارة العراق مع دول الجوار، ونقل البضائع النفيسة بين المحافظات، وحماية المصارف والمؤسسات الحسّاسة".
▪︎ أرباح خيالية
وفي دراسة أعدتها مفوضية حقوق الانسان في العراق ذكرت إن "شركات الحماية الأمنية الخاصة قدمت مع الجيش الأمريكي لحماية المصالح الامريكية والبريطانية بعد عام 2003 ومنها شركة بلاك ووتر، وكذلك هناك شركات عراقية تأسست آنذاك لبعض الأحزاب والقوى السياسية، وهذه الشركات أخذت صيغة أو غطاءً أمريكياً لحمل السلاح، وتم فيما بعد تأسيس نواة الاجنحة العسكرية لبعض الأحزاب السياسية التي شكلت بموجبها المكاتب الأمنية لمحاسبة المعارضين لها وجرت عبرها عمليات خطف ومساومة" ويضيف التقرير أن "جنسيات هذه الشركة أغلبها أمريكية وبريطانية وكذلك شركة فاغنر الروسية عملت في العراق، وشركات عراقية أخرى أيضاً." ويلفت التقرير " على الرغم من تأسيس مديرية حماية المنشآت والشخصيات في وزارة الداخلية عام 2006-2007 والشخصيات والوزراء والمنشآت والفضائيات تحمى من قبل هذه المديرية، لكن بقيت هذه الشركات تعمل وتجني أرباحاً خيالية، وربما يصل الأمر الى ابتزازها جهات حكومية والقيام بأدوار مشبوهة في بعض الأحيان من أجل تحقيق مصالحها". ويكشف التقرير "وجود مكتب في كل شركة أمريكية وبريطانية خاصة يدعى (العمليات) تديره عناصر من المخابرات يتولى إدارة العمل فيها"، مبيناً أن "إدارة الشركة التي كانت تتولى إدارة مطار بغداد امنياً سابقاً جميعهم من عناصر مخابراتية، اما الموظفون في هذه الشركات وغيرها من شركات الحماية الأمنية الخاصة فيها فهم عراقيون برواتب لا تتجاوز 500 دولار كحد أعلى". ويوصي تقرير المفوضية بالاستغناء عن خدمات الشركات الأمنية "لا حاجة لهذه الشركات في ظل وجود الأجهزة الأمنية الحالية والمديرية المعنية بذلك، بل ان وزارة الداخلية يمكن لها ان تقوم بمهام هذه الشركات عبر استثمار الموارد البشرية للوزارة، لكن هذا الموضوع قوبل بالرفض نتيجة وجود شركات أمنية تؤمن الحماية لبعض الجهات السياسية حالياً التي تمتلك اجنحة مسلحة، وهذا خطر جدا لإمكانية القيام بعمليات خطف ومساومات تحت مظلة الشركات الأمنية الخاصة، وهو ما يتنافى مع حصر السلاح بيد الدولة".
▪︎ تخطي المهام
في مقال نشرته الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين يبيّن أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة لديها رغبة قوية في التواجد النشط لهذه الشركات في العراق، إذ تشمل شركات الأمن أشخاصاً يقدمون خدمات احترافية، أي أنهم يدربون الجنود حيث يصبحون أشخاصا عسكريين معروفين فيما بعد في العالم. وتقدم هذه الشركات مجموعة واسعة من الخدمات، بما في ذلك الدعم الدبلوماسي، والعمليات التجارية، والأنشطة العسكرية والاستخباراتية، والمرافق الأمنية، وتقديم المشورة لقوات الأمن، وما شابه ذلك، كما تولت الشركات الأمنية الأمریكية مسؤولية حماية ومرافقة كبار الضباط العسكريين الأمریكيين بعد سقوط نظام صدام حسین ونفذت العديد من المهام على مختلف المستويات في العراق. وبسبب مشارکتها مع الجيش الأمريكي في العديد من العمليات، أطلق البعض اسم "الجیش الآخر" لأميرکا علی هذه الشرکات. ويُمكن تلخيص اهتمام حكومة الولايات المتحدة باستخدام شركات الأمن في أربع قضايا مهمة:
- أولاً. تأسيسها لا يتطلب أخذ موافقة الكونجرس. - ثانيًا. ترتبط هذه الشركات بعلاقات قوية مع الجهاز السياسي.
- ثالثًا. قد يكون استخدام الجيش الخاص، لا سيما في المهمات الإنسانية، الخيار الأفضل لإرسال العسکريین الرسمیین،
- رابعا. الأعتماد على هذه الشركات في حماية الحقول النفطية.
من بين الغموض الذي يكتتف طبيعة عمل الشركات الأمنية ان اعدادها غير معروفة وليست هناك بيانات رسمية حول نوعية سلاحها. باستثناء تقرير نشرته مجموعة فريق (ICoCA) وهي مجموعة شركات أمنية خاصة تعمل في جنوب العراق المقر الرئيس حيث تتركز الحقول النفطية. وفي بغداد، يثبت أن حتى شهر آذار 2024، فإن نحو 80 شركة امنية خاصة مرخصة تعمل في العراق بينها 24 شركة أمنية خاصة عراقية تابعة لشركة ICoCA، إلى جانب ما لا يقل عن 5 شركات أمنية خاصة دولية.
ويضيف التقرير أن "من بين 24 شركة عراقية خاصة انضمت حتى الآن إلى ICoCA، فأن العديد منها لديها أيضاً عمليات مهمة في المنطقة"، مبينا أنه "لا يزال هناك عدد قليل فقط من الشركات العالمية الخاصة التي تقدم خدماتها في البلاد في ظل سوق تنافسية متزايدة مع تنافس المزيد من الشركات المحلية على الأعمال التجارية الدولية". وتحمي الشركات الأمنية التابعة لـ(ICoCA)، بحسب التقرير، حقل الرميلة النفطي على بعد حوالي 50 كيلومتراً غرب البصرة في جنوب العراق، ويمتد على مساحة شاسعة تبلغ 1600 كيلومتر مربع. وهو ثالث أكبر حقل نفط في العالم، ويزود حوالي ثلث إجمالي إمدادات النفط في العراق"، لافتا الى أن "شركات النفط والغاز الدولية (IOGCs) تعمل في وضع أمني متقلب على زيادة الطلب على الأمن في المنطقة".
ويبرر التقرير تواجد هذه الشركات بـ"وجود السكان المحليين المدججين بالسلاح والتأثيرات القبلية القوية الذي يخلق بيئة أمنية معقدة"، مبينا ان "النفوذ القبلي كبير، ويمكن أن تنشأ نزاعات، تصبح مميتة بسبب الوجود الكثيف للأسلحة، وتحدث هجمات معزولة، غالبًا ما يقوم بها موظفون ساخطون أو منخرطون في نزاعات شخصية، ويحدث قتال بين القبائل. ويمكن لهذه النزاعات أن تتحول إلى صراعات مميتة بسرعة، نظرا لانتشار الأسلحة على نطاق واسع بين السكان". وبحسب التقرير "يجب على الشركات أيضًا أن تدفع للموظفين العراقيين حدًا أدنى للأجور يقل قليلاً عن 500 دولار أمريكي شهريًا، وهو ما يتجاوز متطلبات الحد الأدنى للأجور المعيشية".
▪︎ استهداف معطل
تسربت الى وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة صادرة من مديرية شؤون الشركات الأمنية الخاصة، في عام 2020، تتضمن معلومات استخبارية لاستهداف الشركات الامنية العاملة بالعراق وجاء في الوثيقة المعنونة إلى الشركات الامنية العراقية والاجنبية كافة "وردت معلومات استخبارية عن استهداف الشركات الامنية والدعم اللوجستي المتعاقدة مع الجانب الأمريكي والمعلومات تتضمن مواقع الشركات وعنوانها والجنسيات العاملة فيها مع طبيعة عملها لاتخاذ ما يلزم". كما دعت الوثيقة إلى "أخذ الحيطة والحذر من استهداف مقار شركاتكم او العاملين فيها".
▪︎ تحت اشراف الداخلية
من جانبها أكدت وزارة الداخلية، في بيان أن جميع الشركات الأمنية تخضع لمراقبتها وإشرافها. إن "الشركات الأمنية منظمة بقانون وهذا القانون أعطى الصلاحيات الى مديرية الشركات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية لمراقبة ومتابعة عمل هذه الشركات"، لافتاً الى أن "جميع الشركات الأمنية العاملة في العراق هي تحت إشراف مديرية الشركات الأمنية".
وأوضح البيان أن "هذه المديرية تقوم بعمليات متابعة وزيارات مستمرة وتفتيش مستمر على سجلات وأسلحة هذه الشركات وتتابع عملية تنقلهم"، مشيراً الى أنه "لا يمكن لأي شركة أن تنتقل من مكان الى آخر من دون أن تعطي إخباراً الى القوات الأمنية حول هذا التحرك، إضافة الى أن تشغيل العاملين في الشركات الأمنية يخضع الى اختيارات وموافقات وزارة الداخلية". وتابع أن "تأسيس الشركات الأمنية يتم من خلال آلية محددة وفق الشروط والضوابط الكثيرة التي وضعتها الوزارة وإذا التزمت الشركة الأمنية بهذه الضوابط سوف يكون هناك رفع لهذا الموضوع من وزارة الداخلية الى مجلس الأمن الوطني ومن ثم مجلس الأمن الوطني يصادق على تأسيس الشركة".
▪︎ التعاقد مستمر
على خلاف بيان الداخلية كشفت مصادر امنية عن ان بغداد لا تزال مستمرة بالتعاقد مع شركات أمنية خاصة، تعمل على تأمين الطرق الرئيسية والسريعة الرابطة بين المحافظات العراقية من جهة، وبين المحافظات وعواصم بلدان مجاورة من جهة أخرى؛ كان آخرها تعاقد الحكومة العراقية مع شركة أمنية، لضمان أمن ما يطلق عليها اسم القناة الجافة التي تربطُ بغداد بالعاصمة الأردنية عمان، لإرجاع الحياة التجارية التي غُيّبت بعد احتلال تنظيم "داعش" لمناطق الأنبار، غربي البلاد. وأشارت المصادر الى ان هذه الشركات عادت إلى العراق بغطاء الاستثمار مع الحكومة العراقية، إلا أنها لا تزال تضمر أهدافاً غير مُعلنة، تتشابه في حقيقتها مع سابقتها بلاك ووتر"، لتصفية شخصيات عراقية وبثّ الخوف والرعب، بالإضافة إلى مساعدة بعض السياسيين المتعاونين مع السفارة الأميركية في بغداد،. وتقول المصادر إن "العراق لا يحتاج إلى أي شركة أمنية، حتى وإن كان وضع البلد الأمني غير مستقر، فالمؤسسة الأمنية العراقية تستطيع من خلال عديدها مسك زمام الأمور في مناطق بغداد، وحتى في المحافظات الساخنة، كذلك رعاية مصالح الشركات من خلال التنسيق الأمني مع الجهات العسكرية". وتقدر المصادر ان عدد الشركات العاملة حالياً في العراق حوالي 100 شركة، وتعمل بصفة رسمية بعد حيازتها إجازة عمل من الوزارة تعمل على حماية بعض المنشآت والمصارف الأهلية ونقل الشخصيات المهمة ومرافقة أرتال البضائع النفيسة وإسناد بعض الشخصيات الحكومية". وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية نشرت تقريراً، أشارت فيه إلى أن أكثر من 10 شركات أمنية إسرائيلية خاصّة وحكومية، كثفت في السنوات الأخيرة عملها في دول عربية وإسلامية عدة، من ضمنها العراق، وبعض هذه الدول لا تقيم مع تل أبيب علاقات رسمية، وتقوم هذه الشركات بتوفير حراسات خاصة لشخصيات سياسية ورجال أعمال.