دراسة دولية... حفظ آثار العراق منطلق لحماية التراث العالمي
مراصد
16/11/2024، 2:48:42 م
سلط معهد تريندز للبحوث والاستشارات Trends" Advisory& Resaerch"، الضوء على تحديات الحفاظ على الآثار في العراق، مستعرضا الجهود المبذولة داخليا وخارجيا، والمقترحات اللازمة لحماية هذا الارث الحضاري وسط حروبه، باعتباره اكثر من مجرد بقايا من الماضي، إنما رموز للهوية الوطنية والتاريخ الإنساني على حد سواء، بما في ذلك اللجوء الى نشر قوات أمنية لحماية المواقع الأثرية.
في دراسة نشرها المعهد الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرا له، باللغة الإنكليزية، وترجمتها منصة "مراصد" ذكر "إن الحضارات القديمة ازدهرت في العالم العربي وتركت خلفها ثروة من الكنوز الثقافية، لكن ويلات الحروب عرضت هذا التراث الغني للخطر"، مضيفا "أن تدمير مواقع التراث الثقافي في الدول التي مزقتها الحرب مثل العراق وسوريا ولبنان، لا يشكل خسارة لهذه الدول فحسب، بل أيضا للإنسانية بأجمعها".
▪︎ رموز الهوية والتاريخ
وبعدما وصفت الدراسة بأن هذه المواقع "هي أكثر من مجرد بقايا من الماضي، وإنما رموز الهوية والتاريخ والاستمرارية الثقافية"، أشارت الى أن العديد من الاتفاقيات الدولية تسعى الى بذل جهد لوضع تعريف محدد موضع التنفيذ واتخاذ إجراءات لمنع تعرض المواقع الثقافية للخطر، خصوصا بعدما جرى في الحرب العالمية الثانية من خسائر للقطع الفنية، مشيرا الى أن أهم اتفاقيتين هما "اتفاقية حماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح" لاهاي، هولندا في العام 1954، و"الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، باريس في العام 1972. وتتابع الدراسة إن اتفاقية لاهاي تدعو العسكريين الى العمل جنبا الى جنب مع الجهات المدنية لضمان سلامة المواقع في أوقات السلم وأثناء الحرب وبذل الجهد لاحترام المواقع والامتناع عن عسكرتها، بالإضافة الى حماية الآثار ونقلها الى مناطق بعيدة عن المواقع العسكرية أو الصناعية لضمان سلامتها. كما تم توسيع الاتفاقية بعد حروب الثمانينات والتسعينات وصارت تتضمن بنودا تشير بوضوح الى العقوبات المفروضة في حالة الانتهاكات، سواء على المستوى الفردي أو الوطني.
▪︎ العراق كنموذج
وذكرت الدراسة أن الحرب والإرهاب والدمار، وهي العوامل التي أدت إلى تلك الاتفاقيات بالدرجة الاولى، كان لها أثرها على العالم العربي، مضيفا أن المأساة تتمثل في أن الحرب والإرهاب اجتاحت مؤخرا الدول التي كانت مزدهرة عبر التاريخ، والاشارة في هذا السياق الى العراق الذي كان احد أهم البلدان تاريخا وثقافة، وصار يكافح من أجل الخروج من دوامة الاضطرابات. وبحسب الدراسة، فإن غالبية مواقع التراث الثقافي في العراق إما أنها معرضة للخطر أو مدمرة جزئياً. مشددة على أن العراق "مهد الحضارة، وموقع الكتابة الأولى في تاريخ البشرية، وعاصمة الدولة العباسية"، معربةً عن الأسف لأن هذه الامة مزقتها الحرب وشهدت حربين حديثتين وظهور جماعة متطرفة، مشيرة الى أن تاريخ العراق يعود الى آلاف السنين من خلال بلاد ما بين النهرين القديمة ومدنها العظيمة والمتطورة.
▪︎ مواقع معرضة للخطر
ولفتت الدراسة إلى أن هذا التراث الثقافي القديم تأثر بشكل كبير بالعوامل المعاصرة، مثل حرب العام 2003 وأفعال تنظيم داعش. وفي هذا السياق نوهت الى وجود 5 مواقع للتراث الثقافي تابعة لمنظمة اليونسكو، وثلاثة منها معرضة للخطر تشمل:
- الحضر في نينوى، والتي ازدهرت كمركز ديني وتجاري في القرنين الأول والثاني الميلاديين.
واشار التقرير الى انها تعرضت للدمار على يد مسلحي داعش في العام 2015 حيث قاموا بتدمير التماثيل والزخارف، إلا أن الموقع ظل سليما بدرجة كبيرة وأضرار محدودة بالجدار الخارجي.
- مدينة آشور، التي كانت في الماضي العاصمة الاولى للإمبراطورية الاشورية ومركزها الديني، تحتل موقعا مهما تاريخيا وثقافيا، وكانت بمثابة حلقة وصل بين المجتمعات البدوية والمستقرة.
ولفتت الدراسة الى أن آشور تواجه تهديدات مستمرة من الصراع والتحديات البيئية، موضحاً أن تنظيم "داعش" ألحَق اضراراً جسيمة ببوابة "الطبيرة" في آشور ودمر 70% منها، بينما تسبب التآكل الناتج عن المياه الى اضعاف هيكلها.
كذلك فان مشروع سد مكحول، الذي أعيد إحياؤه بسبب الجفاف المستمر، يشكل تهديدا بإغراق المدينة القديمة وتشريد ما يصل الى 250 الف شخص.
- مدينة سامراء القديمة تمثل شهادة رائعة على الخلافة العباسية، وهي تتمتع بالفرادة بين العواصم الاسلامية، وتحافظ على تخطيطها الحضري الاصلي، والهندسة المعمارية، والعناصر الفنية، بما في ذلك الفسيفساء والمنحوتات المعقدة. وتشكل أفضل مثال محفوظ لمدينة كبيرة من تلك الحقبة، موضحا أنها باعتبارها العاصمة الثانية للخلافة العباسية بعد بغداد، فإنها بمثابة التجسيد المادي الوحيد الباقي للإمبراطورية في اوجها، وتضم اثنين من اكبر المساجد ذات المآذن المميزة والقصور الأكثر توسعا في العالم الإسلامي. إلا أن المدينة أصبحت معرضة للخطر بسبب سوء الاستخدام الحكومي، بما في ذلك بناء ثكنة للشرطة بالقرب من الجامع الكبير في سامراء والذي أثار قلقا كبيراً.
▪︎ مبادرات الحكومة العراقية
وبينما قالت الدراسة إن العراق عانى من حربين حديثتين وسيطرة داعش على بعض المواقع، الا انها اشارت الى انه يتعافى وعاد ليتعامل مع الأضرار والعودة إلى مجده السابق، مضيفة أن مواقع التراث الثقافي في البلد تظهر مؤشرات انتعاش بطيء
والمحت الدراسة الى ان الحكومة العراقية الحالية اطلقت عدة مبادرات، وهي تبذل جهودا من اجل الحفاظ على مواقع التراث الثقافي، من أبرزها ما يبذل من جهود لإحياء السياحة لكي يتسنى للناس أن يستكشفوا المواقع وإقامة المهرجانات في بعض المواقع، مع توفير مصدر دخل مستدام أيضا لإصلاح المواقع الفنية والحفاظ عليها. مضيفة ان العمل مع اليونسكو ضمن اتفاقية لاهاي والالتزام بقواعدها من شأنه تعزيز فرص الحفاظ على هذه المواقع. واصفة منظمة اليونسكو بأنها "أكبر لاعب في الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في العراق". كما أشارت إلى لاعبين آخرين من بينهم "الجمعية الأمريكية للأبحاث الخارجية (ASOR)" التي وصفتها بأنها منظمة غير ربحية تحصل على الاموال من مؤسسات مختلفة والجهات المانحة لتوثيق وحماية والحفاظ على مواقع التراث الثقافي على وجه التحديد في البلدان التي مزقتها الحرب، مضيفة، لديها الآن 138 مشروعا، 15 منها في العراق. ولفتت الدراسة الى دور "المركز الدولي لدراسة حماية وترميم الممتلكات الثقافية (ICCROM)"، وايضا الى "برنامج أثر" الذي تشارك فيه امارة الشارقة الاماراتية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALECSO) ووزارة الخارجية الايطالية.
▪︎ 150 الف موقع اثري
الى ذلك أكدت هيئة الآثار والتراث، امتلاك العراق أكثر من 150 ألف موقع أثري تضم آثاراً حيّة للعديد من الحضارات، لكن تحديات كثيرة تواجه عمل هيئة الآثار كعمليات السرقة والنبش العشوائي بالإضافة إلى قلة التخصيصات المالية. وقال مدير إعلام هيئة الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار حاكم الشمري، في تصريح لوكالة الانباء العراقية" واع"، إن "العراق يمتلك أكثر من 150 ألف موقع أثري بحسب آخر مسح تم على تلك المواقع، وتضم تلك المواقع آثاراً حية للحضارات الآشورية والبابلية والأكدية والإسلامية وكل ما يتعلق بحضارات وادي الرافدين". وأوضح الشمري أن "تحديات عديدة تواجه عمل هيئة الآثار، منها عمليات السرقة والنبش العشوائي، خاصة وأن انتشار تلك المواقع يكون في المناطق الصحراوية بعيدة عن المناطق السكنية، فضلاً عن قلة عدد الحراس المتواجدين لحمايتها". كما أشار إلى أن "مشكلة التخصيصات المالية تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه الهيئة"، منوهاً بأن "عدم توفير التخصيصات أثر على عملية حماية المواقع وتسييجها، فضلاً عن عملية التنقيب واستخراج الآثار". ويضم العراق 6 مواقع أثرية معلَنة على لائحة التراث الثقافي العالمي وهي الحضر وبوابة أشور وملوية سامراء وآثار بابل وقلعة اربيل.
▪︎ تهديد مستمر
على الرغم من العقوبات المشددة في التشريعات والقوانين العراقية النافذة بحق المتورطين بسرقة وتجارة الآثار، إلا أنها لم تكن كافية على مايبدو للحد من التهديد المستمر لمحتويات المواقع الأثرية المنتشرة على عموم خارطة البلاد. فمحافظة ذي قار جنوب البلاد على سبيل المثال تضم نحو 1200 موقع أثري، يعود معظمها إلى الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي. وتعد محافظة ذي قار من أغنى المحافظات بالمواقع الأثرية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم و"زقورة أور" التاريخية، فضلاً عن المقبرة الملكية، وقصر "شولكي" ومعبد "دب لال ماخ"، الذي يُعد أقدم محكمة في التاريخ. يقول مدير آثار ذي قار، شامل الرميض، إن "90 موقعاً أثرياً يحظى فقط بحراسات أمنية، بالتالي تستمر عمليات النبش والسرقة في الأماكن الأخرى غير المحصنة".
ويوضح، في تصريح صحافي، أن "العديد من المواقع الأثرية تتعرض باستمرار لعمليات نبش عشوائي وخصوصاً عند الغابات وهور الدلمج وتشوخر وعند أطراف المحافظة، حيث يسعى السارقون للحصول على مقتنيات ثمينة مثل الذهب والنفائس، ما يخلف تدميراً للكثير من الجرار الفخارية الثمينة لأنهم لا يكترثون لقيمتها التاريخية".
من جانبه .. يؤكد مدير قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة ذي قار، مخلد ذياب، إن "عمليات النبش الجائر تسببت بخلط الأوراق وتعقيد المهمة أمام الباحثين، فعلى سبيل المثال وجدنا جراراً تعود للعصر الفرثي دفع بها اللصوص دون دراية إلى مواقع تنتمي لحقبة سلالة أور الثالثة".
ويضيف في تصريح صحافي: "نتيجة ذلك، تحذر الفرق المختصة من التجمع عند بعض الأماكن الأثرية غير المكتشفة، كي لا تجذب أنظار عصابات سرقة الآثار إليها". وأعرب ذياب عن "أسفه الشديد نتيجة فقدان السيطرة والحماية لمئات المواقع الأثرية في المحافظة، وهو ما سمح بتواجد عصابات مختصة للسرقة والعبث"، على حد قوله. ويشير إلى أن "بعض العصابات بدأت باستخدام تقنيات وأجهزة حديثة تكشف من خلالها الذهب والنفائس الثمينة عند عمليات بحثها في المواقع الأثرية".
▪︎ سبل الحماية
وبناء على "الحالة الفريدة" التي يمثلها العراق للدراسة، فقد طرح المعهد اقتراحات من أجل التعامل مع التحديات لحماية مواقع التراث الثقافي عموما، هي كالتالي:
- نشر قوة سلام مسؤولة عن حماية المواقع الثقافية وذلك بهدف حماية المواقع واتاحة الفرصة للمتخصصين لترميم الموقع مع تحفيز الدول أيضا على المساعدة والتعاون في استعادة المواقع بشكل مستدام. ويتيح هذا الإجراء لقوات الدولة الأمنية بالمشاركة في قضية نبيلة، ما يزيد من القوة الناعمة للأمة وتبادل الخبرات في حماية المواقع الثقافية بشكل عام.
- التعاون بين المنظمات غير الحكومية والهيئات الحكومية التي تشترك في هدف واحد لتسهيل إنجازها ووضع خطة أكثر فعالية.
- خلق حافز مستدام لإستعادة المواقع وحمايتها من خلال الخطط والإدارة السياحية التي تشرك المجتمع في تثقيفهم حول أهمية الموقع وتمنح المواطنين فرصة لإدارته، ما يعزز فيهم الشعور بالملكية والمسؤولية.
- على المؤسسات الحكومية أن تضع تدابير حماية قانونية صارمة لتعزيز حماية الموقع من خلال المراقبة الروتينية وعقوبات كبيرة على الانتهاكات.
▪︎ نهج شامل وتعاوني
وختمت الدراسة بالقول إن الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في الدول العربية التي مزقتها الحروب مثل العراق يمثل تحديا هائلا"، مضيفة أن الجهود المبذولة لحماية هذه المواقع من خلال الاتفاقيات والمبادرات الدولية المختلفة، تظهر مدى تعقيد المهمة والحاحها". وبرغم اشارة الدراسة الى أن "اتفاقيات لاهاي وباريس توفر اطاراً للحماية، إلا أن تنفيذها حافل بالصعوبات، خصوصا في المناطق التي ينتشر فيها الصراع وعدم الاستقرار". مفيدة في خلاصتها أن "حماية التراث الثقافي تتطلب أكثر من مجرد اتفاقيات دولية وجهود تنظيمية"، موضحة أنها تستدعي "نهجاً شاملاً وتعاونياً" بما في ذلك نشر قوات محايدة لحماية المواقع، وبنود قانونية أكثر قوة وصرامة على المستوى الوطني.