لدعم سياسته المالية.. تحرك عراقي لتحرير مصارفه من القيود
مراصد
17/11/2024، 11:11:15 م
بحث وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في إتصال هاتفي العقوبات التي فرضتها الخزانة الأمريكية على عدد من المصارف العراقية. وبحسب بيان لوزارة الخارجية العراقية، لم تقدم وزارة الخزانة الأمريكية الأسباب التي تقف وراء فرض مثل هذه العقوبات، وما إذا كان فرض واشنطن لهذه العقوبات جاء بسبب عدم انضباط هذه المصارف في تنفيذ التعليمات والقواعد المصرفية التي حددها المصرف المركزي العراقي أو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أم لأسباب أخرى.
▪︎ إعادة النظر بالعقوبات
وطالب وزير الخارجية العراقي وفقا للبيان وزير الخارجية الأمريكية، بشكل رسمي بإعادة النظر بقرار الخزانة الأمريكية بشأن الموضوع، خصوصا وأن وزارة الخزانة الأمريكية على تواصل مستمر مع المصرف المركزي العراقي، وأن تلك المصارف تلعب دورا مهما وكبيرا في تمويل نفقات البطاقة التموينية التي تستفيد منها عائلات ذوي الدخل المحدود. وقالت الخارجية العراقية إن الوزير بلينكن، أكد حرصه على استمرار العمل المشترك والتواصل بين الجانبين، ودعم الحكومة العراقية في مجالات مختلفة وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي.
▪︎ جدوى العقوبات
في دراسة أعدها "مركز البيان للدراسات والتخطيط"، فإن أهم الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة كنوع من أنواع العقوبات هو تقييد الوصول إلى الدولار الأميركي والاستبعاد من نظام السويفت العالمي "SWIFT" كما فعلت مع روسيا بعد أزمة أوكرانيا عام 2022، وهذا يؤدي إلى انهيار العملة المحلية، بسبب انخفاض قيمتها الحقيقة وتدني قيمتها إزاء الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم كنتيجة حتمية لهذا الانهيار.
وعند الحديث عن الحالة العراقية، فالولايات المتحدة الأمريكية تضغط على السلطات النقدية والمالية العراقية لضمان نجاح سياساتها في المنطقة، وخصوصاً "سياسة الضغط الأقصى" إزاء إيران وسوريا ومنع وصول العملة إلى هاتين الدولتين بما يمكنها من الالتفاف على العقوبات الأميركية الموجهة ضدها.
▪︎ عقوبات القطاع المصرفي
وكانت وزارة الخزانة الامريكية قد فرضت، في 19 يوليو تموز الماضي، عقوبات على 14 مصرفاً عراقيا في حملة على تعاملات إيران بالدولار. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين القول إن "الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية". وأضافت الصحيفة أن "بعض هذه العمليات ربما تتعلق بأفراد خاضعين للعقوبات، ما يزيد المخاوف من أن إيران ستكون مستفيدة منها. وقال مسؤول أميركي كبير للصحيفة: "لدينا سبب قوي للشك في أن بعض عمليات غسيل الأموال هذه قد تعود بالفائدة، إما لأفراد مشمولين بالعقوبات الأميركية، أو لأشخاص يمكن أن تشملهم العقوبات". وأضاف المسؤول الأميركي أن "الخطر الأساسي للعقوبات في العراق يتعلق بإيران بالتأكيد". وطالت العقوبات مصارف "المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل والقرطاس الاسلامي للاستثمار والتمويل وكذلك الطيف الاسلامي ومصرف إيلاف ومصرف اربيل للاستثمار والتمويل والبنك الاسلامي الدولي ومصرف عبر العراق ومصرف الموصل للتنمية والاستثمار ومصرف الراجح ومصرف سومر التجاري ومصرف الثقة الدولي الاسلامي ومصرف أور الإسلامي ومصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل ومصرف زين العراق الاسلامي للاستثمار والتمويل". وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد، في نوفمبر 2023، أربعة مصارف عراقية أهلية من مزاد بيع العملة وهي: "الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا"، إثر توجيهات وتحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية من هذه المصارف المتهمة بتهريب العملة.
▪︎ آلية تدفق الدولار
بعد عام 2003، وضع العراق تحت الوصاية الأمريكية كما تم وضع أمواله المتأتية من بيع النفط، والتي تشكل أكثر من 90 % من واردات العراق من العملة الصعبة، في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لحمايتها من مطالب التعويض التي قدمتها بعض الدول المتضررة من سياسات النظام السابق. ولكي تستفيد الحكومة العراقية من تلك الأموال تقدم وزارة المالية العراقية طلبا للولايات المتحدة مشفوعا بتوضيح يبين أوجه صرف تلك الأموال ليقوم البنك الفيدرالي الأمريكي بدراسة وتدقيق الطلب ويوصي بصرف كمية الأموال المطلوبة، تنقل بعد ذلك تلك الأموال إلى المصرف المركزي العراقي ليحولها بدوره إلى الحكومة العراقية إما بالدولار الأمريكي أو بالدينار العراقي حسب الحاجة.
▪︎ نافذة بيع العملة
ويجري البنك المركزي العراقي يوميا مزادا لبيع الدولار الأمريكي للمصارف العراقية، التي بدورها تبيعه للتجار العراقيين، الذين يقع على عاتقهم شراء واردات العراق من السلع الأساسية والخدمات، كما تبيعه لكل من يحتاج الدولار الأمريكي كأولئك الذين ينوون السفر خارج العراق وغيرهم. وتشترط المصارف العراقية على من يريد شراء الدولار الأمريكي منها أن يقدم ما يثبت حاجته لتلك العملة كعقود الاستيراد وتذاكر السفر وما شاكلها، لكي تقدم هذه الوثائق للمصرف المركزي ليسمح لها بالمشاركة بمزاد العملة. وفي هذا الصدد رجح الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، كسر العراق لحاجز تاريخي على مستوى مبيعات الدولار، حيث سجلت نتائج نافذة بيع العملة 65 مليار دولار لغاية شهر تشرين الأول الماضي، متوقعاً، في تدوينة له على موقع "انستغرام"، وصول إجمالي مبيعاتها مستوى 75 مليار دولار مع نهاية العام الحالي.
▪︎ لماذا العقوبات
كانت الولايات المتحدة قد ذكرت في مناسبات سابقة أن الاسباب الموجبة لفرض العقوبات بقصد وقف غسيل الأموال وتهريب العملة، دون ذكر تفاصيل دقيقة عن تلك التهم. وفي حديث لوكالة CNN أوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، " لمن لا يعرف طبيعة النظام المالي في العراق وكيف يتعامل العراقيون بالنقود المتداولة في البلاد سواء كانت بالدينار العراقي أو بالدولار الأمريكي، فإن العراقيين مايزالون يحتفظون بالأموال التي يمتلكونها في بيوتهم ولا يلجأون إلى إيداعها في المصارف، وذلك يشمل المواطنين البسطاء وكبار التجار ورجال الأعمال". واضاف المشهداني: " لذلك وعندما يتوجه التجار ورجال الأعمال للمصارف لشراء الدولار الأمريكي فإن الكثير منهم يدفع للمصارف بالدينار العراقي نقدا دون تقديم ما يبين مصدر تلك الأموال التي لكثرتها تقف المصارف عاجزة عن التحقق من مصدرها لتقع بين مطرقة قبولها والمجازفة بالتعرض لتهمة غسيل الأموال وبين سندان عدم قبولها ومواجهة إيقاف عجلة عمل المصرف". أما فيما يخص تهمة تهريب العملة، يوضح المشهداني، "أن العراق يستورد ما يقارب 90 في المئة من احتياجاته من السلع والخدمات من خارج العراق والسبب يعود إلى تدهور الصناعة وتضاؤل دور القطاع الصناعي الخاص". كل ذلك يؤدي بالضرورة إلى نزيف كبير في احتياطي العراق من النقد الأجنبي، علاوة على ذلك وبسبب العلاقات الواسعة ولقرب المسافة بين العراق وجارتها الشرقية إيران فإن تجارة العراق مع إيران تستحوذ على حصة الأسد من واردات العراق من السلع والخدمات، الأمر الذي يثير حفيظة الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات مشددة على إيران وتحظر تزويد إيران بالدولار الأمريكي.
▪︎ إجتماعات عراقية إمريكية
وكان وفد رفيع برئاسة محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق قد زار نيويورك ، في اب اغسطس 2024، وعقد سلسلة اجتماعات مع الفدرالي الأميركي والخزانة الأميركية لمناقشة ملف المصارف العراقية المحرومة من التعامل بالدولار، وإمكانية رفع هذا الحرمان عنها، كون ذلك اثر سلبا على الواقع المصرفي والمالي العراقي، بحسب بيان للبنك المركزي العراقي. وأعلن البنك المركزي، نتائج زيارة الوفد الذي ترأسه محافظ البنك المركزي علي محسن العلاق إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استمرت للفترة من 26 إلى 29 أغسطس 2024. وأكد البنك المركزي العراقي، أن وفداً تفاوضياً رفيع المستوى ترأسه المحافظ علي محسن العلّاق، أجرى سلسلة من الاجتماعات المكثفة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث شملت مباحثات مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من الشركات (Visa، Mastercard وMoneyGram)، فضلاً عن مصرفي (Citi Bank و JP Morgan)، وكذلك شركات التدقيق الدولية (KPMG ، E&Y، K2i و Oliver Wyman). مضيفاً، أن المشاركين في الاجتماعات أشادوا بالتحولات الكبيرة التي أنجزها البنك المركزي العراقي، والتي تمثل إنجازاً غير مسبوق على مستوى البلاد، حيث حقق البنك تقدماً ملحوظاً في إجراءات الرقابة على التحويلات الخارجية وعمليات البيع النقدي لعملة الدولار الأمريكي، مما أدى إلى تحسين الأنظمة والسياسات والإجراءات وفقاً للمعايير الدولية والمحلية، معززاً الشفافية في تغطية التجارة الخارجية وتوفير حماية للقطاع المصرفي والمالي من مخاطر عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المالية. معلناً عن لقاء سيتم بين مسؤولي البنك المركزي العراقي مع شركائه الدوليين بنهاية هذا العام بشأن التحول الكبير في إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة بين المصارف العراقية وشبكة المصارف المراسلة الدولية، وفقاً للخطة التي وضعت من قبل هذا البنك.
▪︎ تنسيق عراقي تركي
وفي زيارته لتركيا حثّ محافظ البنك المركزي العراقي علي محسن العلاق، المصارف التركية لفتح حسابات للمصارف العراقية لتوسيع قنوات تمويل استيراد السلع والخدمات بين البلدين، مؤكدا على التعاون في مجال التسويات لمستخدمي البطاقات العراقية في تركيا. جاء ذلك خلال لقاء العلاق والوفد المرافق له، نظيره محافظ البنك المركزي التركي فاتح كرهان في مدينة إسطنبول، حسبما ذكر بيان صادر عن البنك المركزي العراقي. وأضاف البيان أن الطرفين ناقشا انطلاق الآليات الجديدة المباشرة للتحويلات التجارية بين العراق وتركيا، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في تعزيز العلاقات المصرفية بين البلدين الجارين. ونقل البيان عن العلاق قوله، إن البنك المركزي التركي داعمٌ لخطوات المركزي العراقي في تنظيم العمليات المالية بين البلدين بما يسهم في تسهيل المعاملات التجارية. وفي لقاء منفصل، اجتمع المحافظ علي محسن العلاق والوفد المرافق له مع الإدارات العامة لفروع المصارف التركية العاملة في العراق، مشدداً على ضرورة توسيع الخيارات التجارية المثمرة بين البلدين و خاصة في القطاع المصرفي. وذكرت مصادر إعلامية أن الجانب التركي طالب الوفد العراقي بتطوير عمل المصارف العراقية قبل الحديث عن أي تعاون.( لم يتم التوصل الى ما يدعم هذا الخبر).
▪︎ تراجع قيمة الصرف
وفي صدد انهيار العملة العراقية وارتفاع سعر صرف الدولار، أكد الخبير المالي والمسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر، أن منصة بيع الدولار التابعة للفيدرالي الأميركي ترفض كل يوم عشرات صفقات بيع العملة الصعبة الجارية في بغداد، وخاصة المتعلقة بشركات إيران وسوريا وتركيا، متوقعاً استمرار التباين بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء. داغر وفي حوار تلفزيوني، تابعته منصة "مراصد"، فسّر استمرار تحليق سعر صرف الدولار، وبقائه بعيداً عن سعر الرسمي، رغم القوائم التي ينشرها البنك المركزي يومياً والتي تظهر زيادة في مبيعات الدولار، أوضح "إن الرقم المعلن في مزاد العملة لم يعد يصل بالكامل إلى زبائن الدولار كما كان في السابق قبل تطبيق نظام المنصة". ووفقاً لداغر، "فإن الفارق قد يصل إلى عشرات ملايين الدولارات بين المباع الفعلي والمُعلن، وعلى سبيل المثال، "حين يقول البنك إنه باع 250 مليون دولار، فإن الزبائن قد لا يتسلمون منها بالفعل إلا 150 مليون فقط" وهذا ما قد يعطي إجابة عن تساؤلات كثيرة طرحها أهل السوق، عن سبب تحليق أسعار الدولار وعدم استقرارها حتى مع إعلان البنك المركزي مضاعفة مبيعات الدولار.