قلق عراقي من تراجع أسعار النفط
مراصد
19/11/2024، 11:34:08 ص
حذر المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء من أن العراق قد يواجه أزمة مالية بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للإيرادات. ويعتمد العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، بشكل كبير جدا على عائدات النفط.
▪︎ تحذير من عام 2025
وقال مظهر محمد صالح مستشار رئيس مجلس في مقابلة مع رويترز "لا نتوقع مشكلات كبيرة في عام ،2024 لكننا نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025". موضحا أن "ميزانية 2024 ارتفعت إلى 211 تريليون دينار (161 مليار دولار) من 199 تريليون دينار (153 مليار دولار) في عام 2023 مع عجز متوقع قدره 64 تريليون دينار".
وتشكل عائدات التصدير النفطي الغالبية العظمى أكثر من 90% من إيرادات الدولة، ويجعل هذا الاعتماد الكبير على النفط العراق بشكل خاص عرضة لتقلبات أسعار الخام العالمية. ومع ذلك رفع العراق ميزانيته في عام 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في عام 2023 عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام المتخم بالفعل وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.
▪︎ موازنة الرواتب
وبين مسشار رئيس الوزراء أن الرواتب ومعاشات التقاعد تكلف 90 تريليون دينار "69 مليار دولار"، أي أكثر من 40% من الموازنة، وهي عامل رئيسي للاستقرار الاجتماعي في العراق. وذكر أنه يمكن التركيز في تطوير البنية التحتية على المشروعات الأكثر استراتيجية، مثل أعمال الطرق والجسور الرئيسية في العاصمة بغداد، إذا وجدت الدولة نفسها في أزمة مالية. مضيفا أن العراق يحاول تحسين وضعه المالي من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية عن طريق تحسين تحصيل الضرائب لكنه لا يدرس فرض أي ضرائب جديدة. وقدّر صالح أن العراق يخسر ما يصل إلى 10 مليارات دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي والمشاكل المتعلقة بالجمارك.
▪︎ انخفاض متواصل
وسجل خام البصرة "الثقيل والمتوسط" خسائر أسبوعية خلال الأسبوع الماضي مع تسجيل خسائر أسبوعية للخامين "برنت وغرب تكساس". وأغلق خام البصرة الثقيل في آخر جلسة له، من يوم الجمعة 15 تشرين الثاني نوفمبر، على انخفاض بلغ 11 سنتا ليصل الى 66.66 دولارا، وسجل خسائر أسبوعية بلغت 3 دولارات و 90 سنتاً، بما يعادل 4.43%. فيما اغلق خام البصرة المتوسط في آخر جلسة له على انخفاض بلغ 11 سنتا ليصل الى 69.81 دولارا، وسجل خسائر اسبوعية ايضا بلغت 3 دولارات و90 سنتاً، أو ما يعادل 4.24%.
كما سجل النفط العالمي خسائر أسبوعية وسط مخاوف من تراجع الطلب. كما سجل خام برنت خسائر أسبوعية بنسبة 3.8% ،فيما سجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي خسائر اسبوعية ايضا بنسبة 4.77%.
▪︎ توقعات دولية
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، الخميس 14 تشرين اول الثاني نوفمبر، إن مخزونات الخام الأميركية ارتفعت 2.1 مليون برميل الأسبوع الماضي، وهو ما يفوق بكثير توقعات المحللين بزيادة قدرها 750 ألف برميل. وذكرت الإدارة في الوقت نفسه أن مخزونات البنزين هبطت 4.4 ملايين برميل الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى منذ نوفمبر تشرين الثاني 2022، مقارنة بتوقعات المحللين في استطلاع أجرته "رويترز" بزيادة 600 ألف برميل. كما أظهرت البيانات أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل ووقود التدفئة انخفضت بشكل غير متوقع بمقدار 1.4 مليون برميل.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يتجاوز المعروض العالمي من النفط الطلبَ في عام 2025، حتى إذا ظلت تخفيضات تحالف أوبك+، الذي يضم دول منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء مثل روسيا، في ظل الإنتاج المتزايد من الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين. كما خفضت أوبك هذا الأسبوع توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام ولعام 2025، فيما يمثل رابع مراجعة بالخفض من جانب المنظمة لتوقعاتها لعام 2024.
وتعرضت الأسعار لضغوط أيضا من قوة الدولار، الذي قفز إلى أعلى مستوى في عام ويتجه لتحقيق مكسب لليوم الخامس على التوالي بدعم من ارتفاع العوائد وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعادة ما يجعل ارتفاع الدولار النفط المقوم به أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى، وهو ما قد يقلل من الطلب.
▪︎ إنعكاسات مباشرة
يعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى، فيما تواجه قطاعات الزراعة والصناعة والإستثمار التي يمكن أن تشكل روافد بديلة للإيرادات، تدهورا كبيرا. لذلك يواجه العراق أزمة اقتصادية خطيرة، قد تدفع الحكومة إلى الاقتراض مجددا أو السحب من الفائض المالي المتحقق سابقاً كونها أعدّت الموازنة بأعلى من السعر الفعلي للنفط العراقي، في ظل الانخفاض المستمر بالأسعار العالمية. وتعتمد الحكومة العراقية، على ارتفاع أسعار النفط فوق الـ70 دولاراً للبرميل من أجل تغطية العجز الفعلي في الموازنة، والذي يبلغ 64 تريليون دينار، بالوقت الذي تراجعت أسعار النفط إلى أقل من 70 دولارا للبرميل، في ظل توقعات متشائمة حول مستقبل النفط واسعاره.
وقال عضو المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي في تصريح صحافي، إن “الموازنة مبينة بنسبة 90% على الإيرادات النفطية، وكلما تغير سعر النفط سيكون هناك تأثير مباشر على الموازنة، وبالتالي كلما انخفضت أسعار النفط العالمية سيكون هناك عجز في نسبة الإنجاز للموازنة”.
▪︎ تراجع مستمر
وتعكس المخاوف بشأن موازنة العام القادم 2025 تحديات تواجه سوق النفط العالمية، فأسعار النفط تتخذ اتجاها تنازليا منذ منتصف عام 2022 مع انخفاض خام برنت من أكثر من 120 دولارا للبرميل إلى نحو 68 دولار في آخر التعاملات.
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، في تدوينة له على مواقع التواصل، إن "انخفاض أسعار النفط الى أقل من 70 دولار مع انخفاض الصادرات العراقية النفطية الى 3.3 مليون برميل يوميا سيؤدي الى تراجع الإيرادات النفطية الشهرية الى 9 ترليونات دينار يذهب منها ترليون دينار لتغطية نفقات شركات التراخيص النفطية ويبقى 8 ترليونات دينار، وهي تكفي فقط لتمويل الرواتب بأشكالها المختلفة التي تبلغ 7.5 ترليون دينار شهريا، فيما سيخصص نصف ترليون دينار لتمويل مفردات البطاقة التموينية". وأكد المرسومي، أن "وزارة المالية ستعاني حتى في تمويل الرواتب خلال الشهرين القادمين ولذلك من المتوقع ان تتأخر الرواتب وقد يجري تخفيضها إذا بقي سعر البرميل في خانة السبعينات لمدة 6 شهور".
▪︎ تقليل الدين العام
من جانبه أعلن الناطق باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، انخفاض الدين الخارجي إلى نحو 9 مليارات خلال العام الحالي. وقال العوادي، في بيان أوردته وكالة الأنباء العراقية " واع" في نيسان الماضي : "اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات التنفيذية، وتبنّت حزمة من القرارات المالية، انتهت إلى تقليل الدين العام الخارجي بنسبة تتجاوز الـ 50%، لينخفض الدين من 19.729 مليار دولار أواخر عام 2022، إلى 15.976 مليار دولار في عام 2023، وصولاً إلى ما يقارب 8.9 مليار دولار في العام الحالي". وجاء ذلك "في ضوء إقرار مجلس الوزراء العراقي، توصيات لجنة الأمر الديواني 23942، المتعلقة بتنظيم الاقتراض الخارجي، وهيكلة الديون الخارجية العامة العراقية".
وأضاف العوادي، أن "هذه الخطوات المالية التي تضمنت إيقاف عدد من عمليات الاقتراض بسبب تلكئها وعدم إنتاجيتها، وتنظيم وإدارة الديون وتدقيقها، وإعادة هيكلة بعض الديون وتوجيهها لإنشاء مشاريع استراتيجية، تستهدف عدم رهن الاقتصاد العراقي لالتزامات قد تؤثر مستقبلاً في القرار السياسي، أو في مسار التنمية الوطنية، وهي تتزامن مع نهضة عمرانية، وإعمار في البنى التحتية، بما يفتح الطريق أمام مستقبل واعد واقتصاد منتعش، تؤدي فيه أجيالنا الحالية والمستقبلية أفضل الأداء، وتنال أكبر الفرص".
الى ذلك كشفت بيانات تقرير اجتماعات الربيع للبنك الدولي، أن "العراق يحتل المرتبة السادسة بأقل الدول العربية في نسبة الدين العام إلى حجم الاقتصاد". وبحسب البيانات "جاءت الكويت والسعودية والإمارات في اقل الدول نسبة الدين العام الى حجم الاقتصاد 3.8% و26.2%و29.2% على التوالي، وجاءت عمان رابعا بنسبة 37.6% ، تلتها قطر خامسا بنسبة 41.4%، وجاء العراق في المرتبة السادسة بنسبة 45.5%". واضافت ان "نسبة الدين العام في لبنان والبحرين والأردن واليمن تجاوزت 100% من الناتج المحلي ويأتي بعد عام 2023، حسب بيانات إقرار الشهر المقبل للبنك الدولي".
▪︎ توقعات عجز الميزانية
وبحسب جداول المالية فإن إيرادات النفط بلغت 38 تريليوناً وثلاثة مليارات و728 مليوناً و183 ألف دينار، وهي تشكل 89% من الموازنة العامة، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية أربعة تريليونات و698 ملياراً و785 مليوناً و9 آلاف دينار.
من جهتها.. رفعت شركة "بي .إم .آي" للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز توقعاتها لعجز ميزانية العراق في 2024 من 3.3% إلى 7% ما يرجع في الأساس إلى ضعف آفاق الإيرادات النفطية التي تمثل 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية. من خلال قراءة التأثيرات لانخفاض اسعار النفط على الاقتصاد العراقي, تبين أن التأثيرات الاقتصادية السلبية المحتملة كانت أكبر وأعمق من التأثيرات الحالية وتهدد قدرة الاقتصاد العراقي على الصمود في حال استمر النفط بالانخفاض فترة طويلة. ومن الواضح أن مخاطر انخفاض الأسعار سيكون أكثر حدة وفتكاً بالاقتصاد العراقي، وتأتي الازمة الاقتصادية مع فقدان صناديق الاستثمار السيادية على الرغم من ان العراق يمتلك ثروات هائلة في مجالات أخرى: صناعية وزراعية وسياحية وموقع جغرافي متميز وغيرها تمكنه من التحول الى الاقتصاد المتنوع .