قمة العشرين في ريو... خلافات حادة ومخاوف متجددة
مراصد
21/11/2024، 3:39:10 م
شهدت العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو على مدى يومين إنعقاد قمة مجموعة العشرين، وسط حروب وتوترات يشهدها العالم ابتداء من حرب القرم مرورا بحرب السودان والتوتر بين الكوريتين الشمالية والجنوبية وإنتهاء بحرب الشرق الاوسط ممثلة بإستمرار العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام على قطاع غزة والذي طال لبنان فضلا على تبادل الهجمات بين إيران وإسرائيل.
▪︎ تحذير من عودة ترامب
وحذر الرئيس الصيني شي جينبينغ من حقبة "اضطرابات"، قبل عودة دونالد ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض. فيما أطلق نظيره الأمريكي جو بايدن نداء من أجل مساندة أوكرانيا ووقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، إلا أن الرئيس البرازيلي اليساري لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الذي تستضيف بلاده هذا العام منتدى أكبر الدول الاقتصادية في العالم، أراد ترك النزاعات جانبا والتركيز على "الفقراء، المنسيين في العالم". لكن سرعان ما فرضت الأحداث نفسها، ودعا بايدن، منذ الجلسة الافتتاحية، دول مجموعة العشرين إلى دعم "سيادة أوكرانيا. وقال إن "الولايات المتحدة تدعم بقوة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. في رأيي، يتعين على كل من حول هذه الطاولة أن يقوم بذلك". ويأتي هذا التصريح في لحظة إستراتيجية إذ أعلنت واشنطن الأحد أنها أجازت لكييف استخدام صواريخ بعيدة المدى سلمتها إياها لضرب عمق الأراضي الروسية، بحسب مسؤول أميركي. كما دعا بايدن مجموعة العشرين إلى "زيادة الضغط على حماس" لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، مؤكدا أنه "سيواصل العمل من أجل التوصل إلى اتفاق" قبل ترك السلطة. ويشارك الرئيس الأميركي في أحد آخر اجتماعاته الدولية الكبرى قبل أن يسلم مقاليد السلطة إلى دونالد ترامب، المعارض للنهج التعددي. وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقاء رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حذر من أن "العالم يدخل مرحلة جديدة من الاضطراب والتغيير". وعقد شي الذي يبدو أنه الرجل القوي في القمة أمام بايدن المنتهية ولايته، سلسلة اجتماعات ثنائية مماثلة على هامش القمة. فيما كان الرئيس فلاديمير بوتين الغائب الأكبر عن القمة، بعدما تغيب عن الاجتماعات الأخيرة.
▪︎ بين الفقر والمناخ
وكانت العديد من التساؤلات أثيرت حول الإعلان النهائي ومضمونه. وقال مصدر في وزارة الخارجية البرازيلية لوكالة فرانس برس صباح الاثنين الماضي "بالنسبة للبرازيل ودول أخرى، فإن النص كُتب بالفعل، لكن بعض الدول ترغب في إثارة نقاط معينة بشأن الحروب والمناخ"، دون المزيد من التفاصيل. وأقر مصدر حكومي ألماني قبل القمة بأن "المفاوضات حول أوكرانيا والشرق الأوسط هي الأكثر صعوبة. سنرى إلى أين يمكننا المضي في البيان، سيكون هذا تحديا". الا ان بيان أعضاء مجموعة العشرين المؤلفة من 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وتمثل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و80% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، ركز على مسألة المناخ.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد قادة الدول العشرين إلى الاضطلاع بدورهم "القيادي" والقيام بـ"تسويات" تسمح بتحقيق "نتيجة إيجابية في مؤتمر كوب29" حول المناخ المنعقد في باكو وحيث المفاوضات حول هذه المسألة متعثرة منذ أسبوع. واقترنت الخلافات حول النزاعات الكبرى الجارية خلال الأيام الأخيرة بغموض حول الموقف الذي سيعتمده الرئيس الأرجنيتي خافيير ميلي الليبرالي المتطرف والمشكك في حقيقة التغير المناخي. وقال رئيس الوفد الأرجنتيني إلى القمة فيديريكو بينييدو لوكالة فرانس برس إن بوينوس أيريس قدمت بعض الاعتراضات ولن توقع "بالضرورة" النص، بدون الخوض في التفاصيل. لكن المصدر في وزارة الخارجية البرازيلية قلل من أهمية الاعتراض الأرجنتيني. وأعلن لولا الاثنين رسميا إطلاق التحالف العالمي ضد الجوع والفقر الذي يضم 81 دولة. ويهدف التحالف الذي يحظى بدعم منظمات دولية ومؤسسات مالية ومنظمات غير حكومية إلى توحيد الجهود من أجل إيجاد وسائل مالية ودعم المبادرات التي تحقق نتائج محليا. وكانت الأرجنتين الوحيدة التي لم تدرج ضمن القائمة الأولى قبل أن تعدل موقفها وتنضم إلى التحالف، بحسب مصدر حكومي برازيلي. يشار الى ان العلاقة بين خافيير ميلي ولولا متوترة وهذا ما تبين خلال المصافحة الباردة التي تبادلاها قبيل انعقاد القمة.
▪︎ إجراءات مشددة
الى ذلك وضعت ريو دي جانيرو تحت تدابير أمنية مشددة بمناسبة انعقاد قمّة مجموعة العشرين، حيث تحوّلت ريو دي جانيرو القلب النابض بالسياحة وعذوبة الحياة في البرازيل إلى حصن خاضع لحماية مشدّدة في ظلّ انتشار واسع لعناصر الشرطة والجيش فيما تم توزيع ونصب أعداد قدرت بالألاف من كاميرات المراقبة. واستقبلت المدينة قادة العالم الذين أجتمعوا في مقرّ متحف الفنون الحديثة في قلب واحة خضراء تطلّ على جبل باو دي أسوكار الشهير. لكن ريو المعروفة بشواطئها ومناظرها الطبيعية الخلّابة بين المحيط والجبل، لم تسلم من شرّ أعمال العنف فخلال النصف الأوّل من العام، شهدت ثاني المدن البرازيلية الأكثر تعدادا للسكان 1790 جريمة قتل على الأقلّ، أيّ ما يعادل جريمة واحدة كلّ ساعتين ونصف الساعة، بحسب معطيات مجموعة "مونيتور دا فيولنسيا". ويعدّ تنظيم حدث من هذا القبيل في قلب ريو "تحدّيا بالفعل"، بحسب ما أقرّ رئيس اللجنة البلدية المنظمة لقمّة العشرين لوكاس باديليا. واستند الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى مرسوم حول ضمان إنفاذ القانون والنظام الذي يسمح بحشد الجيش في ظروف أمنية استثنائية. ونشر حوالى 25 ألف جندي وشرطي في أنحاء المدينة كافة، بما في ذلك في الموانئ والمطارات. وتمركزت مركبات عسكرية مدرّعة في محيط متحف الفنون الحديثة على مقربة من وسط المدينة. ويقع المتحف بالقرب من مطار سانتوس دومونت المستخدم عادة للرحلات الداخلية والذي أغلق خلال القمّة الممتدّة خلال يومين. ونشرت أكثر من 5 آلاف كاميرا لمراقبة الشوارع، فضلا عن مسيرّات ومروحيات. وظهرت الآليات الأمنية المشددة على نحو لافت بالقرب من الفنادق حيث تقيم الوفود المقدّر عددها بحوالى خمسين والتي تنطلق منها المواكب الرسمية. وتألّف موكب الوفد الصيني الذي نزل في فندق عند سفح تلّة مطلّة على المحيط من 25 مركبة على الأقلّ. وتولت سفن تابعة للقوّات البحرية مراقبة الشاطئين الأكثر شهرة في ريو، كوباكابانا وإيبانيما، اللذين قُيّد النفاذ إليهما.
وبغية تيسير حركة السير في المدينة التي تضمّ ستة ملايين نسمة، أعلنت البلدية يومي انعقاد القمّة، الإثنين والثلاثاء، عطلة رسمية، وبذاك تمتع السكان بستة أيام عطلة على التوالي، إذ إن الجمعة 15 والأربعاء 20 تشرين الثاني/نوفمبر هما أصلا من العطل الرسمية. وأغلقت المؤسسات الإدارية والمصارف والمدارس أبوابها، في حين تبقى الحانات والمطاعم مفتوحة بمناسبة الحدث. وحذّر رئيس البلدية إدواردو باييس من أن "ريو لن تشهد فترة طبيعية"، داعيا السكان إلى "التعاون".