موسكو تهدد الغرب بالنووي دفاعا عن العمق الروسي
مراصد
22/11/2024، 12:26:06 م
دخلت العقيدة النووية الروسية الجديدة حيز التنفيذ بعدما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم يتضمن تعديلات واسعة النطاق لرسم خط أحمر للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في إشارة الى أن موسكو ستدرس الرد باستخدام أسلحة نووية إذا سمحت تلك الدول لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بصواريخ غربية بعيدة المدى.
▪︎ ردا على واشنطن
ويأتي المرسوم الذي وقعه بوتين في 19 تشرين ثان نوفمبر الحالي ردا على إعطاء الرئيس الأمريكي جو بايدن الضوء الأخضر لأوكرانيا بإستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد العمق الروسي في إطار الحرب الجارية بين كييف وموسكو. ووصف المرسوم بأنه يتضمن أسس سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي. وجاء فيه "من أجل تحسين سياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي، أصدر مرسوما للموافقة على الأسس المرفقة لسياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي"، بحسب ما نقله موقع سبوتنيك الإخباري الروسي. وأكد على أن "سياسة الدولة في مجال الردع النووي دفاعية بطبيعتها، وتهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى كافٍ لضمان الردع النووي، وتضمن حماية سيادة الدولة وسلامة أراضيها، وردع إي عدو محتمل من العدوان على روسيا الاتحادية أو حلفائها، وفي حال نشوب نزاع عسكري، منع تصعيد الأعمال العدائية وإنهائها بشروط مقبولة لروسيا أو حلفائها".
▪︎ بنود العقيدة النووية
ومن أبرز بنود العقيدة النووية الروسية المحدثة:
- العدوان على روسيا وحلفائها من قبل دولة غير نووية وبدعم من دولة نووية سيعتبر هجوما مشتركا.
- استعداد روسيا وتصميمها على استخدام الأسلحة النووية سيضمن الردع النووي.
- يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية في حالة وجود تهديد خطير للسيادة وسلامة الأراضي لها ولبيلاروسيا.
- تتضمن العقيدة النووية المحدثة تحديد العدو الذي يقصده الردع النووي.
- من شروط استخدام الأسلحة النووية إطلاق الصواريخ الباليستية على روسيا.
- توفير الأراضي والموارد للعدوان على روسيا هو أساس لاستخدام الردع النووي ضد مثل هذه الدولة.
▪︎ تعليق الكرملين
وعلقت الرئاسة الروسية "الكرملين" على خبر المصادقة على العقيدة النووية المحدثة بالقول إنها "نص مهم للغاية". وبينت "أن روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية في حال تعرضها أو بيلاروسيا لعدوان بأسلحة تقليدية إذا كان يشكل تهديدا خطيرا على سيادتهما". واوضحت "أن الهدف من توقيع مرسوم العقيدة النووية هو جعل "الأعداء المحتملين" يدركون حتمية الرد على أي هجوم على روسيا أو على حلفائها". وشددت على "أن أي عدوان على روسيا من قبل دولة غير نووية بمشاركة دولة نووية سيعتبر هجوما مشتركا". وأعلن الكرملين، أن "التغييرات" التي أدخلها بوتين على عقيدة الأسلحة النووية لبلاده، يجب اعتبارها "إشارة" لحلفاء أوكرانيا، إلى أنه ستكون هناك عواقب إذا شاركت في هجمات على روسيا.
▪︎ اشارة واضحة
"يجب اعتبارها إشارة واضحة".. بهذه الكلمات أجاب متحدث باسم الكرملين عن سؤال بشأن ما إذا كانت "التغييرات" التي طرأت على "العقيدة النووية" للبلاد، والتي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تشكل "تحذيرا للغرب"، لتزداد بذلك التساؤلات بشأن ما قد يحمله الإعلان من تهديد للسلام العالمي. وأوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنه تمت صياغة تعديلات على وثيقة تسمى "أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي"، وهي التسمية الروسية الرسمية للعقيدة النووية. واضاف، "هذه إشارة تحذر الدول "الغربية" من العواقب المترتبة على مشاركتها في هجوم على دولتنا بأية وسيلة، وليس بالضرورة نووية". وتابع أن العالم شهد "مواجهة غير مسبوقة" ناجمة عن "التدخل المباشر لدول غربية من بينها قوى نووية" في حرب أوكرانيا. منوها إلى أن القرار بشأن نشر الوثائق النووية أم لا سيُتخذ في وقت لاحق.
▪︎ الضوء الأخضر
وجاء توقيع بوتين على المرسوم بشأن تعديل سياسة الردع النووية الروسية بعد يومين على نبأ سماح الرئيس الأمريكي جو بايدن لقوات كييف بشن ضربات باستخدام صواريخ أتكامز ""ATACMS بعيدة المدى على عمق الأراضي الروسية. وأثار قرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى، قدمتها واشنطن، رد فعل غاضب في روسيا.
وأعلن موقع صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الحكومية الروسية، أن "الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن اتخذ أحد أكثر القرارات استفزازاً وغير المحسوبة في إدارته، والتي تخاطر بعواقب كارثية".
وتوقع النائب الروسي ليونيد سلوتسكي، رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الموالي للكرملين، أن القرار "سيؤدي حتماً إلى تصعيد خطير، ويهدد بعواقب وخيمة". فيما وصفه السيناتور الروسي، فلاديمير دزاباروف، بأنه "خطوة غير مسبوقة نحو الحرب العالمية الثالثة".
▪︎ الموقف الأمريكي
لم يفاجأ المسؤولون الأمريكيون، عندما علموا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قام بتحديث عقيدة بلاده النووية في أعقاب قرار نظيره الأمريكي، جو بايدن، بالسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ بعيدة المدى قدمتها الولايات المتحدة في عمق روسيا. وقالت نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" سابرينا سينغ، في إفادة صحفية، "هذا نفس الخطاب غير المسؤول الذي رأيناه من قبل والذي رأيناه على مدى العامين الماضيين"، مضيفة " أن روسيا كانت تشير إلى أنها ستفعل ذلك "على مدى الأسابيع الماضية". وتابعت سينغ أن الولايات المتحدة لا ترى حاليا "أي تغييرات يجب إجراؤها" على الموقف النووي الأمريكي.
وذكرت "سنستمر في المراقبة، لكن ليس لدينا أي مؤشرات على أن روسيا تستعد لاستخدام سلاح نووي داخل أوكرانيا". من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن بلاده لم تعدل موقفها النووي ردا على العقيدة النووية الروسية المحدثة. وأضاف ميلر، في مؤتمر صحفي: "رغم ما تقوله روسيا، فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" لا يشكلان أي تهديد لروسيا"، وذكر أن الولايات المتحدة "لم تتفاجأ بتهديد موسكو النووي". مؤكدا "لذا لم نر أي سبب لتعديل موقفنا النووي، لكننا سنستمر في دعوة روسيا إلى التوقف عن الخطاب العدواني وغير المسؤول".
▪︎ تصعيد اوكراني
وفي تطور خطير أطلقت أوكرانيا صواريخ " أتاكمز" الأمريكية الصنع على منطقة بريانسك الروسية، في يوم 19 نوفمبر تشرين الثاني الحالي، وهو اليوم الذي دخلت وثيقة العقيدة النووية الروسية حيز التنفيذ، بحسب وزارة الدفاع الروسية. وقالت الوزارة إن أوكرانيا أطلقت صواريخ أمريكية بعيدة المدى على روسيا لأول مرة. وتابعت إن أوكرانيا استخدمت صواريخ "أتاكمز" في ضربة على منطقة بريانسك الروسية. كما أكد الكرملين في بيان أن خمسة صواريخ أُسقطت، وتسببت شظاياها في نشوب حريق في منشأة عسكرية في المنطقة.
كما أفادت وسائل إعلام أوكرانية باستخدام الصواريخ الأمريكية، لكن الحكومة الأوكرانية لم تعلّق بعد.
▪︎ بريطانيا تضاعف الدعم
ومن المتوقع أن تزوّد بريطانيا أوكرانيا بصواريخ ستورم شادو "Storm Shadow" لتستخدمها ضد أهداف داخل روسيا. وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في قمة مجموعة العشرين، إن المملكة المتحدة أدركت أنها بحاجة إلى "مضاعفة" دعمها لأوكرانيا، وإنه يتوقع أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو الولايات المتحدة. وأضاف، ستارمر إنه "لن يخوض في تفاصيل العمليات"، لكنه أقر بالحاجة إلى بذل المزيد لمساعدة أوكرانيا. ويبلغ مدى صواريخ ستورم شادو حوالي 250 كيلومتراً "155 ميلاً"، على غرار صواريخ "أتاكزم" الأمريكية، وقد أعطتها المملكة المتحدة وفرنسا في الماضي لكييف لضرب أهداف روسية داخل حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً.
▪︎ صب النار على الزيت
وفي سياق متصل، اتهم المتحدث باسم الكرملين "بيسكوف" إدارة بايدن "بصب الزيت على النار، والاستمرار في تأجيج التوتر حول هذا الصراع".
وقال في مؤتمر صحافي، "قد يزعم القادة الغربيون أن روسيا هي التي "تصب الزيت على النار" من خلال نشر قوات كورية شمالية مؤخراً في منطقة الحرب، للقتال إلى جانب القوات الروسية والاستمرار في مهاجمة أوكرانيا". واضاف، "قد لا يكون الرئيس بوتين نفسه قد علق بعد، لكن الرئيس الروسي قال الكثير من قبل. وبين أنه في الأشهر الأخيرة، وجه الكرملين رسالته إلى الغرب بكل وضوح، "لا تفعلوا هذا، لا ترفعوا القيود المفروضة على استخدام أسلحتكم بعيدة المدى، لا تسمحوا لكييف بضرب عمق الأراضي الروسية بهذه الصواريخ". وفي سبتمبر/أيلول، حذر الرئيس بوتين من أنه إذا سُمح بحدوث هذا، فإن موسكو ستنظر إليه باعتباره "مشاركة مباشرة" من جانب دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في حرب أوكرانيا.
وتابع: "هذا يعني أن دول حلف شمال الأطلسي تقاتل ضد روسيا". وتم تفسير اعلان العقيدة النووية الجديدة لروسيا أنه تلميح آخر غير مباشر لأمريكا وأوروبا، بعدم السماح لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى.
▪︎ عدوانية للغاية
وتنص العقيدة النووية الروسية الحالية، على استخدام أسلحة نووية "في حالة وقوع هجوم نووي من قبل عدو أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة"، وفقا لمرسوم أصدره بوتين عام 2020. ووفقا لخبراء تحدثوا إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن التغييرات التي جرى الإعلان عنها، قد تمثل "خفضًا كبيرًا للعتبة النووية المعلنة لروسيا، وتوضح المزيد من المعايير لدى موسكو لتفويض الضربات النووية المحتملة".
وفي هذا الصدد، أوضح مدير مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا" في برلين، ألكسندر جابوييف: "هذه إشارات في الوقت الحالي، لكنها عدوانية للغاية والأكثر تحديدًا حتى الآن". واعتبر جابوبيف في حديثه إلى الصحيفة البريطانية، أنه إذا نشرت روسيا عقيدة محدثة بالتغييرات التي اقترحها بوتين، فإنها "ستظل غامضة عمدًا بشأن عتبة الكرملين للانتقام".
ولفت إلى أن القضايا الرئيسية الناجمة عن حرب أوكرانيا ستبقى مفتوحة للتفسير أيضًا، مثل ما إذا كانت روسيا ستعتبر الهجمات على المقاطعات الأوكرانية الخمس التي تحتلها جزئيًا، اعتداءات على برها الرئيسي. وأضاف جابوييف: "سيتعين علينا أن نرى إلى أي مدى هم على استعداد للذهاب في التعديلات على العقيدة النووية".
▪︎ تهديدات جوفاء
من جانبه، اعتبر الباحث والخبير في الشؤون الأوكرانية، محمد فرج الله، في حديث إلى قناة "الحرة"، أن تصريحات بوتين "هي للاستهلاك المحلي، والدليل أنه سبق وأن أطلق العديد من التهديدات بشأن عدم اختراق خطوط حمراء كان وضعها الكرملين بوجه القوات الأوكرانية". وتابع، "لكن تلك الخطوط الحمراء جرى ضربها عرض الحائط مرات عديدة، مثل استهداف العمق الروسي في مناسبات كثيرة، والتوغل بإقليم كورسك والسيطرة على مساحات شاسعة فيه، دون أن يقدم بوتين على استخدام السلاح النووي التكتيكي".
ونوه فرج الله بأن "اتفاقية بودابست لعام 1994، التي تخلت بموجبها كييف عن أكثر من ألفي رأس نووي، تنص على أن تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارها دولا ضامنة "مظلة نووية" لأوكرانيا، في حال تعرضت لهجوم نووي". وشدد على عامل ثالث يتمثل في أن ما يعرف بـ"نادي الدول النووية"، بما في ذلك البلدان المحايدة في الصراع الأوكراني - الروسي، "ترفض بشكل حازم استخدام أي أسلحة نووية، باعتبار أن ذلك سيغير مجرى الصراعات والحروب بطريقة خطيرة للغاية على المستوى العالمي". كما أشار إلى نقطة رابعة تتمثل في أن "العديد من القادة الكبار في الجيش الروسي، ورغم تأييدهم لغزو أوكرانيا، فإنهم مع ذلك يرفضون بشكل قاطع استخدام أي أسلحة نووية في الحرب، بسبب التبعات الهائلة والخطيرة على بلادهم من جراء مثل هذا القرار". أما الخبير العسكري والاستراتيجي السوري، أحمد رحال، فقد اعتبر أن هناك "4 أسباب" قد تدفع روسيا لاستخدام السلاح النووي، وفق العقيدة الروسية، وتتعلق تلك الحالات بـ"تهديد كيان الدولة، حتى لو باستخدام أسلحة تقليدية، وإذا تم توجيه ضربات باستخدام صواريخ باليستية، أو التعرض لضربات نووية مباشرة، أو التعرض لمخاطر السلاح الكيماوي والبيولوجي"، وفق حديثه لقناة "الحرة".