قبيل عودة ترامب... البرنامج النووي الإيراني تحت الضغط الدولي
مراصد
24/11/2024، 4:12:59 م
اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ينتقد رسميا إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي، بحسب ما أفاد دبلوماسيون. ومشروع القرار طرح للتصويت، الخميس 21 نوفمبر تشرين الثاني الحالي، وقدمته مجموعة الدول الأوروبية الثلاث وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا. واستبقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون جلسة التصويت بحشد الدعم للقرار من خلال تسليط الضوء على أنشطة إيران.
واشنطن خاطبت مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقول إن أنشطة طهران النووية "ما زالت مثيرة للقلق بشكل عميق"، مشيرة إلى أنّ تعاون إيران مع الوكالة هو "أقلّ بكثير" من التوقعات.
بدورها، قالت الدول الأوروبية إنّ "سلوك إيران في المجال النووي" لا يزال يمثل "تهديدا للأمن الدولي".
وأضافت بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك "يجب على المجتمع الدولي أن يظل ثابتا في تصميمه على منع إيران من تطوير أسلحة نووية". مندوب إيران محسن نظيري وبعد الإنتهاء من التصويت وصف القرار لوكالة "فرانس برس بقوله "إن هذه الخطوة "ذات دوافع سياسية ولم تحظَ بدعم كبير مقارنة بالقرارات السابقة".
▪︎ قرار الوكالة
وكانت وكالة الطاقة الذرية أصدرت قرارا يدين إيران، حيث اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ينتقد رسميا إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في ما يتعلق ببرنامجها النووي.
ومشروع القرار الذي طرحته على التصويت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا بدعم من الولايات المتحدة، أيّدته 19 دولة من أصل 35 وعارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو في حين امتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت. وتهدف الدول الغربية التي اقترحت النص إلى الضغط على إيران من أجل الدخول في مفاوضات حول قيود جديدة على أنشطتها النووية، لكن هناك شكوكا حيال ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيدعم المحادثات بعد توليه الرئاسة في يناير/ كانون الثاني المقبل. وفور صدور قرار وكالة الطاقة الذرية، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.
▪︎ ملف شائك
لا يزال الملف النووي الإيراني الشغلَ الشاغل لإسرائيل، ومصدرَ قلقِها المتنامي. ولطالما كانت قدراتُ إيران النووية محل تهديد إسرائيلي مستمر خلال الفترة الماضية عندما لوَّحت تل أبيب في أكثر من مناسبة باستهداف المنشآت النووية الإيرانية.
و كان تقرير سري صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، اطلعت عليه وكالة أسوشيتد برس للأنباء، قد حذر من أن إيران "تحدت المطالب الدولية بكبح جماح برنامجها النووي، وزادت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من درجة الأسلحة".وذكر التقرير إنه "اعتبارا من 26 أكتوبر/ تشرين الأول، تمتلك إيران 182.3 كيلوغراما "401.9 رطلا" من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، بزيادة قدرها 17.6 كيلوغراما "38.8 رطلا" منذ التقرير الأخير في أغسطس/ آب الماضي". واليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60% هو مجرد خطوة فنية قصيرة بعيدا عن مستويات الأسلحة بنسبة 90%.
▪︎ ردود موثقة
وعرضت باريس وبرلين ولندن بدعم من واشنطن، نصا يدين نقص التعاون الإيراني في ملفها النووي، على مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سيصوت عليه الخميس في فيينا. وأتى عرض هذا القرار ذي البعد الرمزي في هذه المرحلة، بعد أسبوع من زيارة قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي لطهران.
وتذكّر الوثيقة التي أعدتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إيران "بالتزاماتها القانونية" بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي التي صادقت عليها عام 1970. وجاء في النص، الذي أوردته وكالة فرانس برس، أنه "من الضروري والعاجل" أن تقدم طهران "ردودا فنية موثوقة" في ما يتعلق بوجود آثار غير مفسرة لليورانيوم في موقعين غير معلنين قرب طهران، هما تورقوز آباد و ورامين.
ويطالب الموقعون من الوكالة التابعة للأمم المتحدة بـ"تقرير كامل" حول هذا النزاع طويل الأمد، مع تحديد موعد نهائي لتقديمه في ربيع عام 2025.
▪︎ خلافات مستمرة
منذ عام 2021، قيّدت إيران تعاونها مع الوكالة بشكل كبير، فقامت بفصل كاميرات مراقبة وسحبت اعتماد مفتشين ذوي خبرة. وفي الوقت نفسه، يواصل برنامجها النووي اكتساب الزخم، الأمر الذي يثير قلق المجتمع الدولي، رغم إنكار طهران رغبتها في تطوير قنبلة نووية. لكن هذه المرة، يأتي القرار في سياق خاص، مع وجود فجوة بين الموقف الغربي وموقف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي. فخلال زيارته إلى إيران، في 13 نوفمبر نشرين ثاني الحالي، حصل غروسي من طهران على موافقة لبدء الاستعدادات لوقف توسيع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب. وأكد أن هذه "خطوة ملموسة في الاتجاه الصحيح" ويتم إحرازها "لأول مرة" منذ أن تخلت طهران تدريجيا عن التزاماتها الواردة ضمن الاتفاق المبرم مع القوى الكبرى عام 2015 في فيينا. وقد سلطت صحيفة "إيران" الحكومية الضوء على هذا الموضوع، وتحدثت عن "الخلافات" في فيينا ومجلس الوكالة.
وتنص "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي، على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران، مقابل ضمانات بعدم سعيها لتطوير أسلحة نووية. لكن الاتفاق تراجع تدريجيا بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أحاديا عام 2018 في ظل فترة رئاسة دونالد ترامب الاولى، الذي أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران.
وردا على ذلك، زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل كبير ورفعت عتبة التخصيب إلى 60%، لتقترب بذلك من نسبة الـ90% اللازمة لصنع قنبلة نووية. وقد حددت "خطة العمل الشاملة المشتركة" التي فشلت مفاوضات في إحيائها عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند 3,67%.
▪︎ تحذير ايراني
من جهتها، حذّرت إيران من أنها سترد "بالطريقة المناسبة"، كما حدث عندما اتخذت الوكالة قرارات سابقة. ورأى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن اعتماد قرار طرحته دول أوروبية للتنديد ببرنامج إيران النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف "يضعف" العلاقات بين الوكالة الأممية وطهران. وقال عراقجي في بيان "هذا القرار غير المناسب من الدول الأوروبية الثلاث، ويقصد "فرنسا وبريطانيا والمانيا"، لن يساهم إلا في إضعاف العلاقات بين الوكالة وإيران وتعكيرها". ولتجسيد هذه الفكرة، أوردت صحيفة "سازندكي" الإصلاحية صورة مركبة لعراقجي يدير ظهره لغروسي. وأكد عراقجي لقناة الميادين اللبنانية، حسبما نشر على حسابه في تلغرام "نحن مصممون حقا على العمل مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وحل القضايا العالقة، لكن نهج أوروبا يتعارض مع هذا المسار". واعتبر نائب وزير الخارجية الإيراني المكلف بالشؤون القانونية كاظم غريب آباد من جهته، عبر منصة X أن "الدول الأوروبية تستخدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية "أداة سياسية". من جهتها.. ترى هيلويز فايت، المتخصصة في المجال النووي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "إيفري"، أن هذه المبادرة يمكن أن "تضر بجهود رافاييل غروسي". وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس، "لكن القوى الغربية تشعر بالإحباط بسبب عدم فعالية مناوراتها الدبلوماسية وتبحث عن حلول أكثر صرامة". وبحسب غروسي، فإنه "من غير المستبعد" أن تتراجع طهران عن التزامها بتجميد احتياطياتها المخصبة بنسبة 60% في حال اعتماد النص. ويمكنها أيضا "على سبيل المثال، رفع مستوى التخصيب"، كما يرى خبير السياسة الخارجية رحمن قهرمانبور. لكن الخبير لا يتوقع "إجراءات استراتيجية" جذرية لأن "إيران لا تريد مفاقمة التوترات" قبل عودة دونالد ترامب، مهندس ما يسمى بسياسة "الضغوط القصوى" خلال ولايته الأولى، إلى البيت الأبيض. وهي طريقة لإبقاء الباب مفتوحا للمناقشات مع "الشخص الذي أخرج كل شيء عن مساره" عام 2018، لكنه "يحب أن يضع نفسه في منصب كبير المفاوضين"، كما تشير فايت.
▪︎ عرض لن يصمد
وفي ما يتعلق بالعرض الإيراني، قال دبلوماسي كبير لوكالة الصحافة الفرنسية إنه "لن يصمد" على الأرجح بعد طرح القرار الأوروبي. ووصف دبلوماسي آخر عرض طهران الحد من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب بأنه "مخادع إلى حد ما". وفي حين تقول الولايات المتحدة وإسرائيل إن إيران على بعد خطوات من صناعة سلاح نووي، تنفي طهران ذلك بشدة وتؤكد سلمية برنامجها النووي، وأنه مصمم فقط لأغراض مدنية ولا سيما في مجال الطاقة. وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أكد أن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي، لكنها في الوقت ذاته ستتخذ إجراءات صارمة لو أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ضد إيران. كما قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، إن الهيئة أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن "إيران سترد بالمثل وبسرعة على أي قرار ضدها في اجتماعها المقبل". وفي ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة عليها، حذرت إيران من أن أي استهداف لمنشآتها النووية سيضطرها إلى تغيير سياستها النووية.
▪︎ عودة الخصم
وأعربت إيران هذا الأسبوع عن أملها في أن تجري المحادثات بشأن برنامجها النووي "بعيداً عن الضغوط والاعتبارات السياسية". بينما أكدت الولايات المتحدة أنها تنتظر تغييراً في "سلوك" طهران بعيداً عن مجرد الأقوال. واعتُبرت زيارة غروسي بأنها إحدى الفرص الأخيرة للدبلوماسية قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير. وكان ترامب قد انتهج خلال ولايته الأولى بين العامين 2017 و2021 سياسة "ضغوط قصوى" حيال إيران، وأعاد فرض عقوبات مشددة عليها استمرت مع إدارة جو بايدن. وفي العام 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي أبرم بين طهران وست قوى كبرى في العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما، وأتاح رفع عقوبات عن إيران في مقابل تقييد نشاطاتها النووية وضمان أن تكون سلمية. ورداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بدأت طهران التراجع تدريجيا عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق.
وأكد أحد الدبلوماسيين أن "التجربة علمتنا أن التزام إيران" بوقف تخصيب اليورانيوم "لن يصمد على الأرجح، لأن إيران ترد دائماً" على القرارات.
▪︎ آلية "السناب باك"
ويرى مراقبون أن القوى الأوروبية، قد تضغط على إيران عبر تفعيل آلية "السناب باك" في حال فشلت المفاوضات قبل أكتوبر 2025. وهنا أوضح المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية سكوت أولينغر، أن هذه الآلية تعني عودة العقوبات الأممية ضد إيران، وهو ما سيشكل ضغوطًا اقتصادية هائلة عليها. وأكد أن إيران تواجه اليوم وضعا صعبا قد يدفعها إلى التفاوض، ولكن تحت ضغوط شديدة من جميع الأطراف. وآلية سناب باك وتعني "كبح الزناد"، هي آلية توصلت إليها إدارة أوباما في حال أخلّت إيران بأي من التزاماتها تجاه تعهداتها للأطراف الموقعة على ما عرف لاحقاً بالاتفاق النووي ٥+١ أو JCPOA، الذي مثل قرار مجلس الأمن رقم "2232" إطاره العام والمظلة لكل القرارات التفصيلية المنفردة الصادرة عن مجلس الأمن والتي تحمل في طياتها مجموعة من العقوبات. وهذه الالية تعطي الولايات المتحدة الحق في العودة لجملة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة، والمطالبة بإعادة وضعها حيز الإنفاذ الإجباري خلال 30 يوماً من إخطارها مجلس الأمن، ولا يحق في هذه الحالة لحلفاء إيران استخدام حق النقض الفيتو، لأن المجلس قد سبق وأقر تلك القرارات. وتنفي طهران أن تكون لديها طموحات نووية على الصعيد العسكري وتدافع عن حقها بامتلاك برنامج نووي لأغراض مدنية ولا سيما في مجال الطاقة.