بايدن يستفز روسيا بصواريخ الناتو
ناصر منذر
24/11/2024، 4:06:24 م
أثارت تسريبات صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلا عن مسؤولين في البيت الأبيض، بخصوص سماح الرئيس الأميركي جو بايدن لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى "أتاكمس" لقصف العمق الروسي.
ردود فعل روسية حازمة، ورغم نفي البيت الأبيض، وعدم الإعلان رسميا عن هذه الخطوة، إلا أنها تركت العالم يتحسب لسيناريوهات مختلفة، تدفع العالم نحو منزلق خطير قد يصل إلى حد نشوب حرب عالمية ثالثة، لاسيما وأن فرنسا وبريطانيا قد سمحتا بدورهما أيضا لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بصواريخ "ستورم شادو" و "سكالب"، بحسب صحيفة "لوفيغارو"، ما يعني أن تلك الدولتين مستعدتان أيضا للانخراط المباشر في الحرب إلى جانب الولايات المتحدة، وهذا يعني أيضا الانتقال إلى مرحلة جديدة من طبيعة الصراع القائم حاليا، بين روسيا والغرب.
قرار بايدن جاء قبل أسابيع من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة, وهو لا شك خطوة تصعيدية جديدة ضد روسيا، تشير بشكل واضح إلى أن الولايات المتحدة تهيّئ الأرضية لمرحلة تصادم عسكري غير محسوبة النتائج، وقد حذرت روسيا من خطورتها، لأن مثل هذا القرار سيغير من طبيعة الصراع، ويجعل الغرب في مواجهة مباشرة معها، ولكن في المقابل فإن توقيت القرار، يفهم منه أن بايدن يسعى من ورائه لفرض أمر واقع جديد على الإدارة الجديدة برئاسة ترامب، فعودة الأخير الوشيكة إلى سدة الحكم، وتعهده بإنهاء هذه الحرب بشكل سريع، تثير المخاوف لدى الإدارة الحالية وحلفائها الأوروبيين بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا, وما يخلفه ذلك من تبعات كارثية على الجيش الأوكراني، شبه المهزوم في أرض المعركة، وبالتالي فإن قرار بايدن يهدف لخلق عقبات صعبة أمام أي خطوة قد يتخذها ترامب لجهة إيقاف المساعدات العسكرية فور تسلمه منصبه رسمياً في كانون الثاني المقبل، ومما يعيق كذلك أي تقارب محتمل بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستقبلا، ففي حال أقدمت كييف على ضرب عمق الأراضي الروسية، وردت موسكو بقوة، فذلك من شأنه أن تتخذ الحرب منحى مختلفا عن السابق، لا يمكن لترامب التراجع عنه أو الانسحاب منه، وسيكون مضطرا للمضي بها قدماً، والتعامل مع تبعاتها وفقا للسيناريو الذي أعدته إدارة بايدن مسبقا.
وما يعزز مخاوف إدارة بايدن من خسارة الجيش الأوكراني المعركة، هو التحذير الذي جاء على لسان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن بلاده "ستهزم" أمام الجيش الروسي إذا ما قطعت عنها الولايات المتّحدة المساعدات العسكرية". وقال في مقابلة أجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" التلفزيونية: "بالطبع سنستمر في القتال. لدينا إنتاجنا، لكنّه ليس كافيا للانتصار، وأعتقد أنّه ليس كافيا للبقاء على قيد الحياة". "وإذا قطعوا المساعدات، فسنُهزم، أعتقد أننا سنُهزم". وقد اعتبر خبراء ومحللون أوكرانيون أن القرار الأميركي جاء تداركا لتقدم روسي كبير شهدته الأسابيع الماضية على مختلف الجبهات، مما أنهك القوات الأوكرانية وهدد بزيادة سيطرة روسيا على مزيد من الأراضي. خطوة بايدن، وما أعقبها من استعداد فرنسي وبريطاني للانضمام إليها، تعد تورطا مباشرا لهذه الدول في الحرب الأوكرانية، وهجوما صريحا على روسيا، كما قال الرئيس بوتين, وهو من شأنه أن يسفر عن صراع مباشر بين روسيا والولايات المتحدة، وحلفائها في حلف "الناتو", الأمر الذي دفع الرئيس الروسي لإصدار مرسوم يقضي بالموافقة على عقيدة نووية محدثة لبلاده تحدد أساسيات سياسة روسيا في مجال الردع النووي. والعقيدة النووية الروسية المحدثة، تعتبر بمثابة "خط أحمر" جديد، خطه الرئيس بوتين كخيار ردع استراتيجي، بوجه الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال الإشارة إلى أن موسكو ستدرس الرد باستخدام أسلحة نووية إذا سمحت تلك الدول لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بصواريخ غربية بعيدة المدى, ولهذا هددت برد مناسب وملموس على القوى الغربية التي تدعم أوكرانيا عسكريا, وفق ما أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف. والتعديلات الجديدة على العقيدة النووية تشمل "توسيع فئة الدول والتحالفات العسكرية التي يتم تنفيذ الردع النووي بشأنها، وإضافة عناصر جديدة بقائمة التهديدات العسكرية التي تتطلب مثل هذه الأعمال لتحييدها, وهذه التعديلات الجديدة تسمح باستخدام الأسلحة النووية في مواجهة "عدوان من دولة غير نووية, لكنه تم بمشاركة أو دعم دولة نووية"، لأن ذلك "سيعتبر هجوماً مشتركاً على الاتحاد الروسي, كما تشمل إمكانية أن ترد روسيا بأسلحة نووية في حالة وجود تهديد خطير لسيادتها ولو بأسلحة تقليدية، وفي حالة الإطلاق الهائل للطائرات العسكرية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار وغيرها من الطائرات وعبورها الحدود الروسية. معروف أنه عندما تشعل الولايات المتحدة الحروب والنزاعات بين الدول، أو عندما تخوض بنفسها تلك الحروب بالوكالة ضد خصومها، فإن هدفها ليس دائما الفوز وكسب المعارك، وإنما محاولة تدمير الدول المناهضة لسياساتها، وإحداث فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية تنهك شعوبها، ولا تستثني من ذلك حتى حلفائها وشركائها، إذ تجعلهم يدفعون فاتورة حروبها من أمن بلدانهم واستقرارها، والهدف، هو الحفاظ على هيمنتها الأحادية. وعليه فإن وقوف معظم الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة بما يخص الحرب الأوكرانية، يعد نموذجا حيا لكيفية استغلال واشنطن لتلك الدول من أجل إضعاف روسيا، وأيضا لزعزعة أمن واستقرار أوروبا بأكملها، كي تبقى دول القارة العجوز تحت العباءة الأميركية، ومن هنا فإن التأييد البريطاني والفرنسي لقرار بايدن، لا شك سيتبعه تأييد ودعم آخر من باقي الدول المترددة، فألمانيا التي تظهر حتى الآن وقوفها على الحياد، تنوي تزويد كييف بـ4 آلاف طائرة هجومية مسيرة يفوق مداها تلك التي تستخدمها أوكرانيا حاليا، حسب صحيفة "بيلد" الألمانية، وإيطاليا غلفت موافقتها الضمنية بإشارة وزير خارجيتها أنطونيو تاياني إلى أن أسلحة بلاده الموردة إلى أوكرانيا يجب أن تستخدم داخل الأراضي الأوكرانية فقط، حسب قوله، ليأتي ترحيب جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بقرار بايدن تحت مسمى "حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها" ليمهد الطريق أمام باقي الدول للسير في الركب الأميركي، الأمر الذي سيضع الأمن الأوروبي على المحك. وقد حذر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا من أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومن خلال دعمها النظام الأوكراني تجر أوروبا إلى تصعيد له عواقب خطيرة للغاية، وقال: “ربما لا يوجد لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن ما يخسره لأسباب كثيرة، ولكن ما يثير الاستغراب هو قصر النظر لبريطانيا وفرنسا، فهما تسعيان لمناصرة الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها وتجران ليس فقط نفسيهما، بل وأوروبا بأسرها إلى تصعيد واسع النطاق له عواقب خطيرة للغاية”. بدوره أكد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين أن المحاولات التي تبذلها بعض دول الناتو للانخراط في ضمان شن ضربات بعيدة المدى محتملة لقوات نظام كييف في العمق الروسي لن تبقى دون عقاب. وقال، "يتعين على أعدائنا الاعتراف بأن تصميم الرئيس بوتين على الدفاع بحزم عن مصالح البلاد بكل الوسائل المتاحة يضيق المجال أمام واشنطن وبروكسل للمناورة، حيث لن تبقى دون رد محاولات أعضاء الناتو للمشاركة في ضربات محتملة بعيدة المدى بأسلحة غربية في العمق الروسي”. وأشار إلى أن الغرب “يدرك أن تحديث العقيدة النووية الروسية يقلل إلى حد كبير من قيمة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، ويستبعد إمكانية تحقيق النصر على قواتها المسلحة في ساحة المعركة”. الكثير من المحللين الغربيين باتوا يستقرئون من خلال الخطوات الغربية التصعيدية أن واشنطن تسعى لإشعال حرب عالمية في أوروبا، وهذا الاحتمال وارد جداً، في ظل التجاهل الأميركي الواضح لأمن أوروبا واستقرارها، حيث الولايات المتحدة أكثر المستفيدين من هذه الحرب طالما هي بعيدة عن أراضيها، وعملية استنزاف قدرات روسيا وأوروبا، وإنهاكهما كلتيهما هو بحد ذاته يشكل المصلحة الأكبر لواشنطن. بيتر سيارتو، وزير خارجية المجر، اعتبر أن الرئيس جو بايدن بأفعاله يدفع العالم نحو بداية حرب عالمية. واصفا الفترة المتبقية من رئاسته بأنها الأخطر منذ عقود، وقال إن تفويض بايدن باستخدام أوكرانيا من الأسلحة الأمريكية لمهاجمة الأراضي الروسية، يزيد من خطر الحرب العالمية. وكتب على صفحته على فيسبوك: “في الولايات المتحدة، الرئيس الذي رفضه حزبه، وتم التشكيك في قدراته، ومن المقرر أن يتنحى خلال الشهرين المقبلين، يتخذ قرارات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع ويأخذ العالم إلى كارثة عالمية". صحيفة "نيوزويك" نقلت عن مايكل سي. ديش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نوتردام، أن سماح بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية القادرة على ضرب أهداف في عمق روسيا، قرار خطير ولا معنى له. وقال: "إنه أمر خطير؛ لأنني أعتقد أن استخدام أنظمة الضربة العميقة مثل أتاكمز، قد يتطلب مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي". واستبعد "ديش" أن يؤدي قرار بايدن إلى حرب عالمية ثالثة، لكنه سيؤدي إلى تصعيد حرب دموية وخطيرة لم يكن ينبغي لها أن تحدث على الإطلاق، وكان ينبغي أن تتوقف منذ فترة طويلة.