![قرن المنازلة](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fstorage.googleapis.com%2Fmarasid%2Fqrn_almnazlt_copy_ea9282619d%2Fqrn_almnazlt_copy_ea9282619d.jpg&w=3840&q=100)
قرن المنازلة
![قرن المنازلة](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fstorage.googleapis.com%2Fmarasid%2Fghnwt_fdt_a38716499e%2Fghnwt_fdt_a38716499e.jpg&w=256&q=75)
غنوة فضة
10/12/2024، 3:21:00 م
تسعى السلطة في تركيا اليوم لترسيخ مكانتها كحليفٍ للغرب، من غير أن تفقد هامش الاستقلال الذي يخولها لإدارة مصالحها. وفي سياق العلاقة بين السياسة التركية والجيش التركي خلال القرن الفائت، وعلى اعتبار أن الجيش التركي كان من أكثر الجيوش تدخلاً في السياسة في جنوب الكرة الأرضية، يهتم كتاب قرن المنازلة (دار الفارابي 2023) للكاتب والباحث الاستراتيجي محمد حسن سويدان بدراسة العلاقات المدنية العسكرية في تركيا.
فعلى مدى جزء كبير من تاريخ البلاد، كان للقوات العثمانية المسلحة تأثيرٌ ملحوظٌ في الشؤون السياسية للإمبراطورية العثمانية، واستمر ذاك الأثر حتى قيام الجمهورية التركية الحديثة والتي تأسست على يد ضابط عثماني يدعى؛ مصطفى كمال أتاتورك. أما في العصر الحديث، فقد أثرت التطورات منذ عام 2000 في السياسة الخارجية التركية. وقد تأثرت بشكل ملحوظ في النزاع السياسي الداخلي العميق حول هوية الدولة التركية بين الحزب المدني الحاكم والجيش. لذا من أجل فهم التحولات الرئيسة في السياسة الخارجية التركية، لا بد من دراسة تطور المنافسة بين السلطة المدنية المهيمنة والمتمثلة بحزب العدالة والتنمية وبين الجيش. يبدأ الباحث سويدان في دراسته الاستراتيجة الإجابة عن سؤال مفاده: كيف أثرت المنافسة المدنية العسكرية داخل تركيا على قرارتها في السياسة الخارجية؟ وخصوصاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لذا يعمل على دراسة العلاقة بين اللاعبين المدنيين من جهة، والعسكريين من جهة والسياسة الخارجية التركية من جهة أخرى. مع التركيز على السياسة تجاه منطقة الشرق الأوسط من قبل حزب العدالة والتنمية. ويثير الكتاب مسألتين متداخلتين، هما: تأثير الانقلابات العسكرية بدءاً من العام 1960 على العلاقات المدنية والعسكرية، ومسألة طول المدة الزمنية. فإلى أي مدى كانت تلك القوى المدنية قادرة على التأثير بينما كان الجيش هو القابض على مفاصل القرار في الدولة، والمحدد الوحيد لسياستها الخارجية؟ وهل من الممكن متابعة تلك المدة الزمنية وتغطيتها؟
فمنذ تأسيس الجمهورية في تركيا حدثت أربعة انقلابات وفشلت ثلاثة منها في أقل من 75 عاماً. فالجيش التركي اعتبر نفسه الوصي والحارس على مبادئ أتاتورك، لاسيما الوصايا العلمانية والقومية، وبات يتدخل سياسياً بمجرد استشعاره أدنى خطر على تلك القيم. أما بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد عام 2002، فقد توترت العلاقات المدنية والعسكرية بين الحزب الحاكم والجيش، وقد مرت تلك التوترات بتحولات جذرية أدت إلى تقليص دور الجيش في سياسة تركيا الداخلية والخارجية، لاسيما بعد قرار "التحول الدفاعي" ضد الكرد في العالم 2015. ينطلق الكتاب من منظور مناقشة الكيفية التي تمكن المدنيين من السيطرة على الجيش. وانطلاقاً من قيام كل قوة بالمطلوب سواء من جهة تبعية الجيش أو حياده السياسي. لذا فإن اختلال تلك المعادلة يُفقد القوى المدنية سيطرتها. من هنا وجب على القادة المدنيين تجنب الخيارات التي تؤدي إلى ضغط كبير على الشخصيات العسكرية، وبالتالي فإن سيطرة المدنيين قد تسهم في توطيد الديمقراطية، وتحدد ما يمكن تقويضه في الجيش. لذا فإن الكتاب يلتمس من نظرية الواقعية الكلاسيكية الجديدة تحليل الضغط الدولي الذي عُدّ السبب الأهم وراء سلوك الدولة الخارجية، ومن خلال المتغيرات داخل المستوى المحلي حصراً. لذا فإن الكاتب يستند إلى نظريات الليبرالية والإسلامية ومن غير أن يمنح دراسته استعراضاً وافياً يشير إلى تحديد القواسم المشتركة بينها، أو مجالات التنافر أو الاندماج فيما بينها. ومن خلال السياق التاريخي يؤكد محمد سويدان أن تركيا خلال خمسينات القرن السابق استطاعت أن تكون إحدى أكبر حلفاء الولايات المتحدة؛ وقد أدى ذلك لتكون عضواً من أعضاء حلف الناتو؛ أي أنها حليف عسكري للمعسكر الغربي. إضافة لكون الأمريكيين كانوا قد بداوا ببناء قاعدة جوية عسكرية تستخدمها القوات الجوية الأمريكية. فضلاً عن التوقيع على اتفاقية ميثاق بغداد عام 1955 من قبل بريطانيا وإيران وتركيا والعراق، وذلك لهدف منع تمدد الاتحاد السوفيتي المحتمل عن منطقة الشرق الأوسط. ويقدم الباحث عرضاً تفصيلياً لمسار حركة الانقلابات العسكرية في تركيا، على جانب العوامل الداخلية، والتعددية الحزبية، وكل ما أثر في الحياة السياسة في تركيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهنا تداخل دور الجيش في مقابل السلطة المدنية، وتواجده بشكل مباشر في كل مفاصل الشأن السياسي بغرض حماية ما كان يدعوه "التقاليد الكمالية" وحماية العلمانية بدءاً من انقلاب عام 1960 وصولاً إلى الفشل في انقلاب عام 2016. وإلى جانب السياسة، يحلل الباحث أثر الاضطرابات الاقتصادية على حدوث الانقلابات؛ إذ يربط بين تحول تركيا عن الغرب، وانفتاحها على عقد الاتفاقيات مع روسيا أو الانفتاح على الثورة الإسلامية في إيران. إلا أنه يربط حدوث الانقلابات بمحاولة السلطة السياسية والمدنية إحياء التراث الديني الإسلامي. وأكبر مؤشر على ذلك انقلاب 28 شباط عام 1999 حيث وجه مجلس الأمن القومي وثيقة تؤكد على الحرص على العلمانية من خلال الالتزام بتنفيذ الحكومة مجموعة من الإجراءات مثل: إغلاق مراكز الطوائف، وتحول المدارس التابعة للطوائف إلى الدولة، ثم الالتزام بقانون اللباس، ومعاقبة من يقوم بأي إجراء ضد نهج كمال أتاتورك.
ويشير الباحث إلى أن تركيا وفي مرحلة ما قبل الربيع العربي كانت قد طبقت استراتيجية (صفر مشاكل) مع دول الجوار، إلا أن هذه الاستراتيجية تغيرت بعد الربيع العربي، وذلك عندما بدأت الانحياز، ودعم المنظمات الإرهابية في سوريا ومصر وليبيا. فضلاً عن وقوفها إلى جانب الجماعات التكفيرية ضد الحكومات الشرعية القائمة، الأمر الذي تسبب بمشكلات مع دول الجوار، وبذلك تغير موقف تركيا السابق (صفر مشاكل) إلى التدخل المباشر عبر مواقفها الجديدة. الأمر الذي أنتج تحولاً أساسياً في سياساتها الخارجية؛ وهذا التحول الذي استند إلى ثبات حزب العدالة والتنمية في السلطة، وبالتالي حوصر الجيش وأبعِدَ عن السياسية. وهو ما يفسرُ عداوات تركيا مع أصدقائها وتحولها من محايد إلى قوة فاعلة ومتدخلة في شؤون العديد من الدول العربية. إلا ان نقطة التحول الكبيرة في سياسة تركيا الخارجية حسب الباحث، كانت حين تسلم نجم الدين أربكان (1926-2011) رئيس حزب الرفاه الإسلامي رئاسة الوزراء. وقد تجسد هذا التحول في زيارته إلى إيران وتوقيع اتفاقية لنقل النفط الإيراني، وإعلان رغبته بتطوير التعاون مع إيران. وقد استفز هذا التحول الجيش التركي والولايات المتحدة. كما استفز قادة الكيان الإسرائيلي لما تجسده إيران من تهديد لهم. الأمر الذي دفع رئيس الأركان العامة للجيش التركي لزيارة إسرائيل في شباط عام 1997؛ أي قبل حدوث الانقلاب العسكري ضد أربكان. وهو ما يدعو إلى التساؤل حول ماهية دور الإسرائيليين في ذلك الانقلاب سواء من ناحية السياسة أو الاقتصاد، أو في ثقل الحضور في الصراع الداخلي بين القوى السياسية التركية. ويشير سويدان إلى أن هذا الوجود الإسرائيلي ليس جديداً بل يبدو أن له جذوراً قديمة في السياسة التركية. وأكبر دليل على ذلك توقيع اتفاق عسكري مع الكيان خلال زيارة شمعون بيريز إلى تركيا. الأمر الذي يشير إلى مسألة الوجود الإسرائيلي ومستوى تأثره وعمق حضوره في السياسة التركية. إن هذا التحول في سياسة تركيا الخارجية إلى جانب تداعيات فشل الانقلابات؛ أدى إلى زيادة التوتر بين تركيا والغرب عامة، إضافة لضعف الجيش عن القيام بأي دور سياسي لإحداث التغيير المطلوب. وهو ما جعل أمريكا خاصة ودول الغرب عامة تلجأ إلى مساعدة المعارضة في تركيا لكن من دون نتائج، ما أدى إلى تعزيز موقع حزب العدالة والتنمية، وحقق لسياستها الخارجية نوعاً من الاستقلالية، ومرونة أكبر في الحركة. لذا فإن نتائج البحث في الكتاب تفتح آفاقاً جديدة للبحث في المستقبل. وقد يبحث العلماء في العواقب المحتملة لدعم الغرب للمعارضة في انتخابات 2023. فضلاً عن تأثير هذا الدعم في السياسة الداخلية التركية والعلاقات المدنية العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يستكشف البحث المستقبلي الآثار طويلة المدى لتوجه السياسة الخارجية التركية المتطور في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية على الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية. ومع فوز أردوغان في الانتخابات يمكن القول إن السيطرة على الجيش هي أحد العوامل الحاسمة للبقاء في الحكم. فالتغيير صعب عندما يكون الحاكم مسيطراً على السلطة المدنية والعسكرية معاً. قرن المنازلة