
المنطقة مابعد المتغيرات... التموضع الإقليمي يرسم ملامح التحالفات الجديدة

مراصد
16/1/2025، 4:35:36 م
يشهد الشرق الأوسط ودوله متغيرات لامست لإستقرار السياسي، لتمهد الطريق نحو رسم ملامح خارطة جديدة، رغم تداخل المواقف والنوايا بين دوله وسبل تجسيير الهوة بين المؤثرين بمستقبلها، فهل باتت دول المنطقة امام شرق أوسط أكثر استقرارا وأقل صراعا؟ والذي يقودنا الى سؤال اخر يتعلق بمسار التموضع الإقليمي الجديد بين بعض دوله وسط حرائق غزة ورماد لبنان وسقوط نظام دمشق؟.
يعتقد مراقبون للشأن الإقليمي أن الاجابة تكمن بموقف اللاعب الأكبر في مسار المنطقة واتجاهاتها أي دونالد ترامب بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية في العشرين من الشهر الجاري.
وعلى الرغم من ان المتحمسين لدور ترامب القادم في إطفاء الحرائق التي تحيط بدولهم، غير ان واقع الحال يشير الى ان ترامب سيواجه واقعا مغايرا عما كان سائدا خلال فتره رئاسته السابقة فهو الان بمنطقة مختلفة تماما. فقد تغيرت سوريا بشكل عميق، كما ضعفت إيران والشيء الرئيس الوحيد الذي لم يتغير هو احتمالات تسوية القضايا الأساسية في الصراع العربي - الإسرائيلي. وكما هي العادة في الشرق الأوسط، وكما يرى محللون فإن كل هذه القضايا مترابطة، وبالتالي فإن العمل على إحدى هذه القضايا سوف يؤثر على احتمالات النجاح او الفشل في قضايا أخرى. ويصاحب المتغيرات التي شهدتها المنطقة الاستفادة من انتكاسات إيران. من أجل شرق أوسط أكثر استقرارا وأقل صراعا، وهو شرق أوسط قد لا يتطلب ذلك النوع من الالتزام الأميركي المكثف الذي شهدناه على مدى ربع القرن الماضي حيث لم تكن مثل هذه الفرص متاحة في الأفق قبل عام كما يعتقد مراقبون.
▪︎ احتمالان اكثر ترجيحا
من جهته يحذر ترامب من الاحتمالين الأكثر ترجيحا والأكثر خطورة، وهما إحياء تنظيم داعش في شرق سوريا والمواجهة بين حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا في الأراضي السورية.
ويشترط ترامب لعلاقاته التحالفية مع كل من إسرائيل وتركيا، التوسط لالتزام تركيا بعدم نشر قوات جنوب دمشق، إلى جانب التزام الحكومة السورية بمراعاة اتفاق فك الاشتباك السوري - الإسرائيلي لعام 1974 في الجولان،. في مقابل ذلك تتراجع إيران، فقد رحل حليفها السوري، وتعرض حزب الله، وكيلها الإقليمي الأقدم والأكثر نجاحا، لضربات مدمرة..
▪︎ موقف صارم ضد ايران
وحث كل من وزير الخارجية الأميركي المعين ماركو روبيو ومايك والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي القادمين مع ترامب، علنا على تبني سياسات أكثر صرامة ضد إيران خلال فترة وجودهما في الكونغرس ويُغفر لإدارة ترامب القادمة الاعتقاد بأن الجزء الذي تغير أكثر من غيره في الشرق الأوسط هو الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية. وسيكون هذا خطأ على حد قولهم. ويعتقد الباحث ف. جريجوري جوس في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط أن أي "خطة سلام" أميركية أخرى لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سوف تلقى نفس المصير الذي لقيته سابقاتها. وتستطيع الولايات المتحدة أن تستخدم علاقاتها مع إسرائيل للعب دور سياسي أكثر إيجابية على الجبهتين السورية واللبنانية. كما تستطيع واشنطن أن تتفاوض مع تركيا والحكومة السورية الجديدة من موقع قوة جزئيا لأنها وحدها القادرة على حث الإسرائيليين على الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة حديثا.
▪︎ القوة الإقليمية الصاعدة
في حين، تُوصّف تركيا بالقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الأوسط، والساعية لتعزيز حضورها وتأثيرها على الصعيد العالمي وفقاً لمنطق الجغرافيا، يُعد الأردن الناجيَ الوحيدَ من نيران الأزمات التي اندلعت في بلاد الشام (سوريا، ولبنان، والأراضي الفلسطينية)، والمتفاديَ للظروفِ المُحطِّمة التي مرَّ بها جارُهُ العراق، ناهيك عن كلِّ الصراعات المريرة التي هزّت أرجاء الشرق الأوسط. لكنَّ هذه الحالة الاستثنائية من الاستقرار، تكمن في جوهر التساؤلات حول قدرة الأردن على التكيّف وتوظيف أدواته في عبور الأزمات. ربما من هنا، يمكن الانطلاق في محاولة فهم شكل "التموضع الإقليمي الجديد"، الذي التُقطت إشاراته بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتزامن مع عصف الحرب في غزة وما تُخلّفه من تحولات حادة في المنطقة.
في حديثه مع بي بي سي، يُعلّق الزميل الأول في معهد نيولاينز ومؤسس مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني،أنَّ الجوار الأردني التركي مع سوريا يستدعي تنسيقهما في كل ملفات الأوضاع الانتقالية، خدمة لسوريا وأمنها واستقرارها. قائلاً إنَّ ملفي دمشق وغزة مترابطان، إذ فَرضت تبعات الحرب في غزة تحديات على الاعتبارات الأردنية الداخلية والخارجية، بالتالي وفي الصورة الأوسع، يشكّل سقوط الأسد انفراجة ضرورية للأردن، الذي عانى أيضاً على مدار 14 سنة من ضغوطات أمنية وسياسية واقتصادية بحكم الأزمة السورية، وقبلها خلال أزمة غزو العراق وما خلّفته من تداعيات خطيرة،وفق الشيشاني. بالنظر إلى كلَّ التحديات المفروضة في المنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، يكشف المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو، عن إنَّ اللقاء الأردني التركي لاتفاق على تعزيز الدفاع المشترك بين عمّان وأنقرة، خاصة أمام التهديدات الإسرائيلية المستجدة في سوريا، وأحلامها التوسعية التي تصل الأناضول، وفق تعبيره. ويعتبر أوغلو أنَّ مواجهة إسرائيل قد تكون في ميادين السياسة والقانون وعدم السماح بوجود فراغ أمني في سوريا، مشيراً إلى أنَّ تركيا مستعدة لتزويد الأردن بما يلزمه من صناعات دفاعية وقدراتٍ متطورة لو تطلب الأمر ذلك.
▪︎ معارضو سوريا على حافتين
تُعتبر تركيا البوابة الشمالية لسوريا، فيما تمتد معظم واجهة سوريا الجنوبية مع الأردن، وهما خطّان حدوديان لطالما شكّلا هاجساً لكلا الدولتين بسبب إفرازات الفوضى الأمنية وتوالد الجماعات المسلحة والنزاعات الدامية داخل سوريا. وهذا يشير ، إلى بروز واحدة من أهم التقطاعات الجيوبوليتيكة بين أنقرة وعمّان، إذ يمتلك الأردن أفضلية وفهماً عميقاً للمجموعات المسلحة التي نشطت على مدار السنوات الماضية في جنوب سوريا، فيما تمتلك تركيا أيضاً خبرة ومعرفة هامة للواقع الجهادي في الشمال السوري.ويضيف يوسف أوغلو، أنَّه في الوقت الذي تضع فيه الجماعات المسلحة عمّان وأنقرة في مرمى أهدافها، يصير الدافع مُلحاً لتوثيق العلاقات التركية الأردنية وتوظيف خبراتهما داخل سوريا، مما يحقق تصورهما بمساعدة الحكم السوري الجديد على الاستقرار، وتطهير الحدود لكلا الدولتين.
وتمتد العلاقات الأردنية التركية الحديثة إلى ثلاثينات القرن الماضي، منذ عهدي الملك عبد الله الأول، والرئيس مصطفى كمال أتاتورك. وينظر البلدان إلى بعضهما بعين التموضعات الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وباعتبارهما بوابتين على سوقين اقتصاديين عملاقين سواء أوروبا أو الخليج عبر سوريا. لكنَّ العلاقات الأردنية التركية وإن حملت الكثير من التقارب سابقاً، لكنها تأخذ منحى آخر هذه المرة وتحولاً استراتيجياً طويل المدى، وفق تعبير عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو. يفيد كاتب أوغلو أنَّ هناك أحلافاً تتشكل اليوم، وتضم تركيا والأردن وربما دول اخرى من جهة، وإسرائيل وقوى إقليمية من جهة ثانية، وإيران وما تبقى من حلفائها من جهة ثالثة.
▪︎ تحالفات إقليمية
أدى تدحرج الحرب في غزة إلى إخراج إسرائيل وإيران من حرب الظل إلى الصدام العسكري المباشر. وهنا يختلف مراد الشيشاني مع كاتب أوغلو، إذ يرى أنَّ التعاون الأردني التركي مهم ولافت في هذا الظرف، لكنه لا يزال دون الشراكة الاستراتيجية الكاملة. ويعتقد الشيشاني أنَّه لا تَشكُل لنظامٍ إقليمي جديد بعد، بل يوجد اليوم ما وصفه بالاصطفافيْن الرئيسييْن في المنطقة، إذ يُمثّل الاصطفاف الأول - تركيا، والسعودية، وقطر، والأردن - ليكون التيارَ الراغب بتدعيم الحكام الجدد في سوريا وتثبيتهم، فيما يُمثّل الاصطفاف الثاني - الإمارات، ومصر، ودول خليجية - التيارَ المتحفظ على الحكّام الجدد لدمشق. وفقاً لمصدر أردني مطلع، فإنَّ انفتاح الأردن على الإدارة السورية الجديدة، يظل في دائرة الحذر، فلم يغب بعدُ عن الذاكرة الأردنية، اسم "أبو محمد الجولاني" ولا تنظيم "جبهة النصرة"، أو جذوره "القاعدية". واجهت عمّان وأنقرة كثيرٌ من الأزمات التي خلّفتها الأزمة السورية، مثل أمن الجغرافيا وتهديدات الجماعات الجهادية، وتهريب المخدرات والسلاح، واستقبال اللاجئين الفارين من الحرب.
بينما يُشكِّل الخوف من تجدد فوضى الدولة هاجساً لجارتي سوريا، فإن الفرص اللائحة في الأفق إذا ما استقرت سوريا، تُمثّل انفراجة هامة على جميع الصُعد السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية.
الشرق الأوسط هاجس وامل. ويضيف كاتب أوغلو أن الأردن دولة تتمتع بالقدرة على التواصل مع شعوب المنطقة، كما تُمثل بوابة لإحياء نقل الغاز من قطر إلى تركيا. ومن شأن النجاح على هذه الجبهات أن يساهم في الاستقرار الإقليمي وقد يرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد ، وإن كان لن يحل القضايا السياسية التي لا تزال قائمة في الصراع العربي – الإسرائيلي الا انه يبقى هاجسا واملا لشعبه.