
فلسفة دولة: بناء المستقبل!!

مازن صاحب الشمري
9/4/2025، 10:36:26 ص
في عالم تتسارع خطى الاهداف وتزييف الأفكار وتناقض المصالح، يطرح السؤال كيف نصنع مستقبل عراق واحد وطن الجميع؟؟. لقد حملت الأفكار براهين الصراعات عبر التاريخ الإنساني،
وما بين المصالح التي صنعت عالم ما بعد الصناعة البخارية وظهور الدول القومية في أوروبا بعد عقود من الصراعات تحولت الأفكار من نموذج الفلسفة " الأبيقورية " وفقا لتفسيرات افلاطون وارسطو ثم القانون الروماني، الى نموذج الدولة الباحثة عن الفرص من خلال القوة الاستعمارية، فكان الفراق الصحيح بين النزعة الإنسانية لما وراء الطبيعة والالهام الديني، والتمسك بحقائق الفرص وجني المكاسب في نموذج التنافس الاستعماري.
ربما يكون العالم الإسلامي قد تعامل مع ذات النموذج في تلك المقولة المعروفة عن هارون الرشيد وهو يخاطب الغيمة بان خراجها عائد اليه أينما امطرت، لكن وقائع بناء المستقبل للدولة الإسلامية ما بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بوصفها اخر قلاع الدولة الإسلامية، لم يظهر عندي الا في كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" من تأليف عبد الرحمن الكواكبي حيث يشخص الكاتب ما يسميه داء الاستبداد السياسي، ويصف أقبح أنواعه: استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل. ما بين كلا النموذجين، فرض المنتصرون في الحرب العالمية الأولى نموذج عصبة الأمم التي صادقت على حدود العراق في كيان دولته العصرية، وحدودها السيادية، ثم الأمم المتحدة التي جاء بميثاقها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، وهكذا توالدت الاتفاقات الأممية والالتزامات التي تفرض على الدول الوطنية بموافقة ممثليها في المجالس النيابة المنتخبة من خلال تحول تلك الاتفاقات الى قوانين وطنية عند المصادقة التشريعية عن انضمام دولهم لأحكامها وفق القانون الدولي العام.
▪︎ تنازع الأفكار
يقع العراق جغرافيا بين ثلاث حضارات، القوة الغربية متمثلة بالحضارة البيزنطية ثم الاتراك شمالا وشرقا، المغول والفرس شرقا، وعرب الصحراء ثم الحضارة الإسلامية جنوبا، ومنذ الخليقة وجدت بابل بعنوان "البلبلة" لكثرة الالسن فيها، هكذا حال العراق في تنازع الأفكار الحديثة مثل الشيوعية والقومية والإسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد، واي مراجعة لكتاب "أربعة قرون من تاريخ العراق أربعة قرون من العراق الحديث" يؤكد ان عراق اليوم يحمل ميراثا كبيرا للأجيال في ذلك التنازع بما ما يصفه الدكتور علي الوردي بميراث" البداوة والتحضر"، وهذا يقودنا الى تطوير هذا المفهوم من قبل الدكتور فالح عبد الجبار في كتابه "العمامة والافندي" لتوضيح حقائق التنازع بين الاقطاع بمفهومه (العشائري – الزراعي)، وبين تطبيقاته في إدارة السلطة. وفق هذا التصور، يمكن مقارنة ما يمكن وصفه بـ(النموذج الابقوري الحديث) لكتب مثل "بين عصرين" لمؤلفه زبيغنيو بريجنسكي الداعي لتجاوز الصراع السوفياتي الأميركي من خلال تطبيقات القوة في عصر نيترواليكروني بشر به من أواسط السبعينات، ثم سقوط جدار برلين لتظهر كتب بعناوين أخرى مثل "نهاية التاريخ" للدكتور فرانسيس فوكوياما وتراجعه عنه في كتاب "إعادة بناء الدولة" او كتاب صموئيل هنتنغتون عن صراع الحضارات. كل هذه التطورات الفكرية، توقفت عراقيا عند منعطفات خطيرة للاستدراج العاطفي في تطبيق الأفكار، سواء اكانت شيوعية او قومية او لنموذجي الإسلام السياسي في البيعة والتقليد، وبرز ذلك بقوة ما بعد 2003، ولم يظهر أي مفكر عراقي يتعامل مع صناعة المستقبل، وظل السياسيون يسترجعون ذات مضامين الأفكار التي مرت بالعراق وأيضا من دون صناعة مشروع مستقبلي لعراق واحد وطن الجميع، والوقوع في مطب المقارنة ما بين وقائع اليوم وتلك الأزمنة "الجميلة" من دون استحداث أفكار وبدائل الحلول المنشودة.
▪︎ صناعة المستقبل
اذكر في محاضرات الأستاذ الدكتور حامد ربيع، كان يؤكد دائما على مفهوم "استشراف المستقبل" بقوله من لا يقرأ ما حصل في الامس لا يعرف كيف يتعامل مع الغد، وهناك من يعد اليات برامج استشراف المستقبل ليست مثالا للكرة البلورية التي يستخدمها المتنبئون في الاستعراضات المعروفة، بل برامج اعتمدت في الدراسات الغربية على استحداث برامج حاسوبية لتعامل مع "لعبة الأمم" او ما عرف باللعبة الصفرية والعددية لتحليل الوقائع واستشراف النتائج. وتطورت عمليات البحوث الاستشرافية الاكاديمية في نماذج "دراسة الحالة" و"تقدير الموقف" و"تحليل أصحاب المصالح" وتحولت نماذج اعداد وبناء المشاريع وفنون ادارتها، الى برامج بحثية تتعامل مع مصالح الشركات الكبرى ومنها الى مصالح الدول ومواجهة التحديات التي تواجهها بنموذج تحليلي عرف ب"SWAT". وبعد 2003، علمت المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكاتب المساعدات للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على تدريب الكوادر القيادية العراقية لفهم مضامين مثل تلك البرامج، لعل من أبرزها تلك البرامج التي صممت لتدريب الكوادر السياسية ومنظمات المجتمع المدني على اهداف التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة والالتزامات العراقية فيها، او اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ناهيك عن البرامج التخصصية في مواجهة مختلف المشاكل والمعوقات امام بناء دولة عراقية حديثة. السؤال ... هل تتماثل النتائج مع الواقع العراقي؟؟ الإجابة، نعم هناك معرفة نسبية بتلك البرامج ربما على المستوى الأكاديمي لكنها غير مطبقة على المستوى الوطني، لان وقائع "طبائع الاستبداد" للإقطاع السياسي المتوارث عراقيا بنموذج المحاصصة والمتعمد بشكل شبه كلي على الأفكار المصدرة من الإسلام السياسي المهيمن على مقاليد السلطة بمفهومي البيعة والتقليد وسع تلك الفجوة بين المعرفة الإنسانية لبناء دولة مدنية عصرية وفق منطلقات القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وحصرها بمنطلقات وتفسيرات الولاء والبراء وكل حزب بما لديهم فرحون!!. لست بمحل الاتهام لاي طرف بمختلف التناقضات التي جاءت بها أفكارهم وبرامجهم الحزبية، لكن المعضلة الكبرى ان هذه الأحزاب المهيمنة بالسلاح والمال السياسي على مقاليد السلطة فشلت في صناعة مستقبل عراق واحد وطن الجميع ونجحت بشكل منقطع النظير في تشتيت القدرات العراقية وموارده البشرية والمادية واهدرت ريع النفط في موازنات انفجارية ما زالت حتى اليوم تتعامل مع الريع النفطي بكونه ثروة شخصانية لهذه الأحزاب وليست ملكا عاما لابد من العدالة والانصاف في المساواة بين المنفعة الشخصية (للمواطن/ الناخب) وبين المنفعة العامة للدولة.
▪︎ اين الحلول؟؟
تبدأ الحلول في فهم الإباء المؤسسين لعراق ما بعد 2003 ، ان الأحزاب أساس العملية الديمقراطية، التي تبدأ في تطبيقات الديمقراطية على ذات الأحزاب قبل غيرها ، وهذا يتطلب إعادة نظر شمولية في قانون الأحزاب تحدد المعايير المطلوبة في توصيفات وبرامج الأحزاب التي تشترك في الانتخابات، وهناك مصفوفة حلول تطرح في تلك المعايير التي تصدر للدول المنتقلة من حالة الأنظمة الشمولية الى الليبرالية السياسية، وردا على أي قائل ان تلك المعايير غير ملزمة طوعيا، تكون الإجابة في ذلك التأخير عن بناء دولة المستقبل العراقي بعد مرور ما يقرب من ربع قرن على التغيير في 2003 حتى اليوم . يمكن القول ان الديمقراطية تتطلب ثلاثة مبادئ أساسية: السيطرة التصاعدية (السيادة التي تقطن أدنى مستويات السلطة)، والمساواة السياسية، والأعراف الاجتماعية التي ينظر الأفراد والمؤسسات بموجبها فقط إلى الأفعال المقبولة التي تعكس المبدأين الأولين للسيطرة التصاعدية والمساواة السياسية، وتحددها الموسوعة السياسية البريطانية بكونها "تقييمات كمية ومقارنة لحالة الديمقراطية في بلدان مختلفة وفقًا لتعريفات مختلفة للديمقراطية. تختلف مؤشرات الديمقراطية فيما إذا كانت تصنيفية، مثل تصنيف الدول إلى ديمقراطيات، وأنظمة هجينة، وأنظمة استبدادية".
في ضوء ما تقدم، مطلوب صناعة أفكار ديمقراطية في تفسير وإعادة توجيه القيم المجتمعية، يمكن ان تبدأ في تفسيرات الوسطية لتطبيقات الشريعة الإسلامية، ورفض التفسيرات المتطرفة من قبل قيادات دينية تعيد تصميم مفهومي البيعة والتقليد بمنهج ديمقراطي عصري، ولعلي اذكر دراسات الدكتور نديم الجابري في هذا المجال التي لم تأخذ أي صدى لها في الأوساط الحزبية بل ولم يتم التعامل معها لاسيما تلك التي تتعلق بدورية انتخاب رئيس الحزب الإسلامي او مرشده الديني لدورتين برلمانيتين فقط!!يضاف الى ذلك، أهمية استكمال اعمال اللجان التي شكلت في مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء لاستكمال التعديلات الدستورية، فضلا عن استكمال القوانين ومن أبرزها الغرفة التشريعية الثانية في مجلس الاتحاد والانتهاء من قانون النفط والغاز وغيره من القوانين المهمة عندها لابد من ظهور شخصيات فكرية تطرح برامج عمل متجددة لأهميته في بناء المستقبل لعراق واحد وطن الجميع.
اخترنا لكم

التفسير مرآة لعصر المفسِّر
28/8/2024، 11:38:59 م

برغم القمع الأكاديمي... إحتجاجات الطلبة تتخطى أسوا...
29/8/2024، 12:03:16 م

إغراق السفن... تكتيك حوثي يربك الملاحة في البحر ال...
21/7/2025، 11:21:33 ص

محركات إقتصادية
21/7/2025، 1:04:22 ص

الفردوس بين الأسطورة والحداثة
21/7/2025، 12:38:24 ص

بعد إعلان النتائج... السوداني أولا على مستوى العرا...
14/11/2025، 8:32:08 ص

قرن المنازلة
10/12/2024، 3:21:00 م

مستقبل الأموال العامة في ظل حكم مجهول المالك -2-
8/12/2024، 9:09:09 م

طيران فوق عش الوقواق
8/12/2024، 8:55:57 م