
ارتفاع أسعار الذهب... خبراء ماليون يؤشرون أسباب تراجع قيمة الدولار أمام الدينار

مراصد
10/5/2025، 10:49:33 ص
في موجة لافتة بدأت الأسواق تتجه نحو الاستقرار وإنحسار الفجوة السعرية في قيمة تبادل الدينار العراقي بالدولار الأمريكي في السوق الموازية، حيث شهدت مراكز البورصة تراجعًا ملحوظًا في أسعار صرف الدولار الأمريكي،
مقارنةً بما كان عليه، في تطور أثار اهتمام المتابعين للشأن الاقتصادي وسوق العملات بشكل خاص. فقد سجلت بورصتا الكفاح والحارثية، وهما من أبرز المراكز الرسمية لتداول العملة الأجنبية في العاصمة بغداد، انخفاضًا واضحًا في سعر صرف الدولار، بلغ أقل من 142000 دينار عراقي مقابل كل 100 دولار أمريكي، مما يعكس تحركًا سريعًا في السوق قد يرتبط بعوامل داخلية أو خارجية تؤثر على استقرار العملة...واذ تكثر تفسيرات أسباب هذا الارتفاع لقيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، لم يطرح أي تساؤل حكومي او شعبي عن أسباب عدم هبوط أسعار المواد الغذائية او السلع الأخرى وان كانت بنسب بسيطة.
▪︎ اسباب رئيسية
بدوره، حدد الخبير المالي مظهر محمد صالح في حديثه لـ" مراصد" ثلاثة عوامل رئيسة ادت الى ضعف الطلب في السوق الموازي على الدولار وجعلت اسعاره تنخفض باتجاه سعر الصرف الرسمي بمعدل تغيير لمصلحة الدينار بحوالي 15% بالمتوسط خلال الاسابيع او الاشهر القليلة الماضية الاول منها يتمثل في نجاح البنك المركزي العراقي تمويل التجارة الخارجية لكبار التجار في القطاع الخاص عن طريق تعزيز الدولار لدى مراسلي المصارف الوطنية في الخارج المصنفة من التصنيف AAA بشكل متسارع ، فضلاً عن بدء التعامل المباشر بالتمويل للعمليات المصرفية الخارجية بعملة اليورو و الدرهم الاماراتي واليوان الصيني من خلال مراسلين مصرفين للمصارف العراقية هم من التصنيف الائتماني العالي في اعلاه ما شجع على سرعة الدفع والتحويلات، في التجارة مع اسواق الامارات وتركيا والصين وهم من اكبر مراكز التسوق التجاري للعراق.
وتعتبر هذه الخطوة من اهم الاجراءات التي تتطلب حرصا ومثابرة من السلطات النقدية في الاستجابة السريعة للحوالات الخارجية وعدم فسح المجال امام المضاربين فيها لتحميل الاسعار فوائد منفعة اضافية على السعر الحقيقي للحوالة المصرفية. اما السبب الثاني من وجهة نظر صالح، فتتجسد في تشجيع تمويل مشاريع التجارة الصغيرة دون وساطات مكلفة وهي التجارة التي تشكل قرابة 60 % من مجموع تجارة القطاع الخاص بعد ان تم رفع الكثير من القيود المفروضة سابقا والتعاطي من خلال المصارف المراسلة الرصينة ذاتها وعبر المصارف العراقية مباشرة. والثالث والاهم، نجاح شريحة المسافرين قد اعتادت بسرعة في تحصيل مستحقاتها بالعملة الأجنبية عن طريق بطاقات الدفع بمبالغ عالية وبكلفة مخفضة وبسعر صرف 1320 دينار لكل دولار، مضاف اليها ومن دون مشكلات تحصيل الدولار النقدي عبر مطارات جمهورية العراق، بمبلغ 3000 دولار بالسعر الرسمي للصرف لكل مسافر شهريا مع حمل بطاقة الدفع الإلكترونية سواء الدائنة او المدينة او ذات الدفع المسبق. ويحدد صالح ، عدد من العوامل المساعدة في الاتجاه نحو ارتفاع قيمة الدينار العراقي بقوله "فضلاً عن تعرض التعامل بالدولار في سوق الصرف السوداء الى المساءلة القانونية التي يشعر المواطن انه في غنى عنها، فضلا عن مخاطر تقلب قيمة الدولار الشديدة امام الذهب واتجاه الافراد الى الاحتفاظ بفوائضهم المالية بالذهب وسندات الحكومة السيادية المضمونة الدفع وبفائدة نصف سنوية مجزية في برنامج حكومي ناجح يطرح الى الجمهور، وبأدوات دين يمكن خصمها او تداولها في السوق المحلية الثانوية." ويوضح "جميع تلك العوامل ساعدت على خفض الطلب على الدولار في الأسواق المحلية الموازية، دون ان تغفل ما للدور الذي اخذت تؤديه اسواق ( الهايبر ماركت) من سياسة دفاع واستقرار سعري عطلت من دور السوق الموازي وتأثيراتها السعرية على اسعار المستهلك واستقرار السوق التنافسية في عموم البلاد" ويصف ذلك بكونه "تجربة ناجحة امتصت تذبذبات السوق السوداء للصرف على استقرار المعيشة كما كان يحدث في السابق وهو وجه ناجح من اوجه نجاح السياسة التجارية في بلادنا اليوم". ويشير الى عوامل خارجية في عدم اغفال "الهبة على شراء الذهب بكلفة عالية جدا في قمة ارتفاع دورة اصول الذهب او اعلى مستوياته السعرية صعودا لتحل محل شراء عملة الدولار المحلي في ظل تهديدات مبطنة غير مؤكدة يتداولها الشارع بقيام الفيديرالي بشطب اجيال من الدولار النقدي لا سباب تتضارب ومصالح وسياسية الولايات المتحدة".
▪︎ ركود اقتصادي
ضمن هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي أن تراجع سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي ضمن التذبذب الطبيعي ولا توجد اسباب سياسية بذلك، فيما اشار الى ان هناك ركودا في سوق السيارات والعقارات خلال المرحلة الراهنة.
وقال التميمي في حديث لـصحيفة "الزوراء”: انه لا توجد أسباب سياسية حول تراجع الدولار امام الدينار مؤخرا، وهو ضمن المعدل الطبيعي للتذبذب لأن الدولار وصل سابقاً إلى 1400 دينار، وصعد إلى أكثر من 1500 دينار، كما لا يوجد حدث كبير حالياً أثر في السعر، فضلاً عن أن إجراءات البنك المركزي ثابتة ولم يطرأ عليها تغيير. وأضاف: ان العراق في هذه الفترة يشهد ركوداً في سوق السيارات والعقارات، وهذا هو السبب الرئيس، لأن تجار السيارات يتعاملون بشكل حصري بعملة الدولار، ولا يستخدمون الدينار، كما ظهرت اليوم شركات تستورد السيارات الكهربائية وتلاقي رواجاً كبيراً بين العراقيين إلى جانب أنها تقبل التعامل بالدينار. مؤكدا إهمال الجانب الذي يتعامل بالدولار إن كان في سوق السيارات أو العقارات أدى لانخفاض الطلب على الدولار، وهذا الانخفاض نسبي لا يتجاوز 2.5 % أو 3 %. واشار الى ان قضية التعرفة الكمركية التي حددها ترامب لم يتأثر بها العراق ولا يوجد أي ربط في ذلك، وفيما يتعلق بالمفاوضات بين إيران وأمريكا، فإنه في حالة التوترات يفترض أن يزيد الطلب على الدولار، وأن ينعكس ارتفاع السعر في طهران على دولار العراق باعتبار وجود حوالات غير رسمية وهذا ما لم نشهده، كما أن وجود إجراءات تتعلق ببطاقات الماستر كارد وعمليات السحب، يفترض بها أن ترفع السعر لأن التضييق على البطاقات يخنق الأسواق، وبالتالي يرفع أسعار التداول بالسوق السوداء وما حدث هو العكس.
▪︎ تراجع الطلب
الى ذلك، شخص الخبير الاقتصادي منار العبيدي، جملة أسباب أخرى، ادت الى تراجع أسعار الدولار محليا، وذكر العبيدي خلال حديث صحفي، أن السبب الأبرز لانخفاض سعر الدولار يعود إلى تراجع الطلب عليه في السوق الموازي، بالتزامن مع زيادة ملحوظة في المعروض من العملة الصعبة، سواء من مصادر داخلية أو خارجية، مبينا ان هذا التوازن الجديد ساعد في تقليص الفجوة التي طالما فصلت بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي. من بين التحولات البارزة، يشير العبيدي إلى تراجع ثقة العديد من المستثمرين المحليين بالدولار كأداة للادخار، نتيجة التوقعات بانخفاض قيمته مقابل الذهب. هذا الاتجاه دفع شريحة واسعة من المواطنين إلى تصريف الدولار وشراء الذهب، ما زاد من حجم المعروض النقدي بالدولار داخل السوق المحلي. في المقابل، ساهمت مصادر أخرى في تعزيز حجم المعروض من الدولار، أبرزها التحويلات والاستثمارات الأجنبية، وخاصة تلك المتعلقة بالشركات الدولية العاملة داخل العراق. ووفق العبيدي، فإن هذه التدفقات لم تعد ترتبط فقط بعائدات النفط، بل صارت تأتي من قنوات إضافية أسهمت في تخفيف الضغط على العملة الأجنبية.
وفي إجراء نقدي لافت، قام البنك المركزي العراقي بتقليص الكتلة النقدية من الدينار خلال الأشهر الستة الماضية بأكثر من 6 تريليونات دينار، لتتراجع من 104 تريليونات إلى نحو 98 تريليون دينار. هذا الانكماش ساعد على رفع القيمة النسبية للدينار مقابل الدولار، مما شكل ضغطًا إضافيًا على السوق الموازي. وفيما يتعلق بالتجارة، ورغم ارتفاع الواردات من الصين بنسبة 6%، فقد شهدت واردات العراق من دول رئيسية كالهند وتركيا والولايات المتحدة تراجعًا ملحوظًا. كما يُتوقع أن تكشف الأرقام القادمة عن انخفاض في الاستيراد من الإمارات، التي تمثل 30% من إجمالي واردات العراق، وهو ما يعكس تراجعًا في الطلب العام على الدولار بسبب تقلص النشاط التجاري. ويشير العبيدي أيضًا إلى توسع قنوات الوصول إلى الدولار بالسعر الرسمي، من خلال البطاقات المصرفية، الحوالات الرسمية، والتحويلات المباشرة، ما دفع العديد من التجار والأفراد للابتعاد عن السوق السوداء. إلى جانب ذلك، لعبت الأوضاع الإقليمية دورًا مهمًا في تخفيف الضغط على الدولار. فقد أدى تدهور الوضع الاقتصادي في إيران إلى انخفاض الطلب على السلع المستوردة من العراق، والتي كانت تُعاد تصديرها إليها. كما ساهم توقف النشاط التجاري مع سوريا في تقليل الطلب على الاستيراد. كذلك، يشير العبيدي إلى تراجع تجارة النفط المهرب وتجارة المواد المحظورة، التي كانت تعتمد بشكل كبير على تغطية العمليات بالدولار من السوق الموازي، وقد تم تضييق هذه الأنشطة مؤخرًا عبر إجراءات أمنية ومصرفية مشددة. ويرى العبيدي أن استمرار هذه الاتجاهات قد يدفع الدولار إلى مستويات قريبة من 1395 دينارًا خلال الفترة المقبلة، ما لم تحدث تطورات مفاجئة على صعيد السياسة النقدية أو التوازنات الإقليمية.
▪︎ عوامل داخلية
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والمالي عبد الرحمن المشهداني، أن التراجع الأخير في أسعار صرف الدولار يعود إلى عوامل داخلية، نافياً أن تكون للتغيرات أو التهديدات الخارجية، مثل بوادر الحرب بين الهند وباكستان، تأثير مباشر على السوق العراقية. وقال المشهداني، في تصريح صحفي ان "الظروف الجيوسياسية، وخاصة التوترات بين الهند وباكستان، من المفترض أن تؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، لكن ما حدث في العراق يخالف هذا التوقع ما يؤكد أن الانخفاض ناجم عن أسباب محلية". وأشار إلى أن "أحد أبرز العوامل هو القرار السابق للبنك المركزي بشأن تنظيم بيع وشراء العقارات، حيث كان من المعتاد أن يفضل البائعون استلام الجزء الأكبر من قيمة العقار بالدولار حتى وإن تم تسعيره بالدينار، ما عزز الطلب سابقاً على العملة الأجنبية لكن القرار الأخير خفف من هذا الضغط". وأضاف أن "توسّع المصارف المخوّلة بعمليات التحويل وفق آلية تعزيز الأرصدة أسهم كذلك في هذا التراجع، إذ كانت مبيعات البنك المركزي تتجاوز 300 مليون دولار يومياً، لكن جزءاً كبيراً منها لم يُستخدم فعلياً لاستيراد سلع بل بقي في حسابات المصارف في الخارج وهو ما يُعرف بـ(الراجع)، الأمر الذي قلل من الطلب المحلي الحقيقي على الدولار".