
إستعادة الحياة... حركة الطباعة والنشر تتعافى عبر إستمرار المعارض السنوية للكتاب

مراصد
15/5/2025، 11:31:08 ص
مازالت مقولة" مصر تؤلف، لبنان يطبع والعراق يقرأ" عالقة في أذهان الجميع، وكانت مكتبات شارع المتنبي تزخر بآخر الإصدارات، التي تصل من لبنان، وأتخذها كبار المثقفين والأدباء العرب، وغيرهم محطة للتواصل مع قرائهم، ومساحة لنشر ما لم يستطيعوا نشره في بلادهم، وكانت بيروت، ملاذاً دافئاً وحاضنةً لإبداعهم، فما موقع بلاد الأرز حاليا على خارطة الثقافة والنشر، بعد الأزمات التي عصفت به، من الحرب الاهلية وجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية، والحرب الأخيرة.
▪︎ الكتاب الإلكتروني والنشر الذاتي
تمر صناعة النشر في الوطن العربي اليوم بمرحلة حرجة، إذ باتت صناعة الكتاب تتأرجح بين الانطلاق والتعثر، مدفوعة بعديد من العوامل التي تسببت في تراجع حركة النشر العربية. وفي الوقت نفسه، بدأت منصات عالمية، مثل منصة " أمازون" للنشر الإلكتروني وبيع الكتب، في التعاقد مع بعض الكتاب المصريين لنشر أعمالهم إلكترونيا، مما يضع دور النشر العربية في موقف سيئ للغاية. وحتى وقت قريب، لم يكن من الممكن وصول الكتاب إلى القارئ دون المرور عبر المطابع ودور النشر وشركات التسويق، وطباعة الكتاب وتسويقه تستلزم مزيداً من المال والجهد والوقت. أما اليوم، فتكفي بضع نقرات من المؤلف على شبكة الإنترنت، ليكون لديه خلال دقائق كتاب إلكتروني جديد، ويضاف لقائمة الكتب المقروءة في جميع أنحاء العالم، بل والأكثر من ذلك، يمكن للمؤلف بنفسه تسويق الكتاب الإلكتروني.
▪︎ عقبات دور النشر
أوضح مدير عام وزارة الثقافة في لبنان، الدكتور علي الصمد، في اتصال مع وكالة " DW " الألمانية، "قد زاد الوضع سوءاً بفعل تداعيات جائحة كورونا وما رافقها من أزمات اقتصادية"، كما "أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني دفعت العديد من الدول العربية إلى الاعتماد على مطابعها المحلية، والاستغناء عن الطباعة في لبنان، مما وجّه ضربة قاسية لهذا القطاع ". وأضاف، "في السنوات الأخيرة، أغلقت بعض الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حدودها أمام المنتجات اللبنانية، مما أثّر بشدة على حركة تصدير الكتب. وتُشير الإحصاءات إلى أن حوالي 50% من الكتب اللبنانية كانت تصدّر إلى السوق السعودية، إن هذا الأمر قد أسفر عن تأثير اقتصادي عميق على مجال الطباعة والنشر".
وفي قلب منطقة حارة حريك، في الضاحية الجنوبية لبيروت، تتجلى تجربة مكتبة "فيلوسوفيا" كرمز للنهضة الثقافية المتجددة بعد الدمار، حيث يعبر عباس فقيه، صاحب المكتبة، لوكالة "DW" عن الإصرار والتحدي بقوله: "مع اندلاع الحرب، وجدنا أنفسنا في دوامة من الأزمات الاقتصادية التي طالت جميع جوانب حياتنا، بما في ذلك صناعة النشر".
ورغم تلك التحديات، أطلقنا عملية الترميم فور توقف القتال، دون انتظار لتعويضات أو دعم. جددنا المكتبة والواجهات، وبعد ثلاثة أيام فقط عدنا إلى العمل.
▪︎ أكبر كتاب في العالم
وفي خطوة غير مسبوقة، يعتزم رئيس المجلس الثقافي اللبناني والمغترب الإعلامي اللبناني فادي رياض سعد، إصدار أضخم كتاب في العالم يحمل عنوان "رواد من بلاد الأرز". ويتميز هذا المشروع الفريد بأبعاد هائلة، حيث يصل ارتفاع الصفحة إلى 5.4 أمتار وعرضها إلى 4.4 أمتار، مما يمنح كل صفحة مساحة تقارب 23.75 متراً مربعاً، ليبلغ إجمالي مساحة الكتاب نحو 10,452 متراً مربعاً موزعة على 440 صفحة. وفي تصريح لوكالة "DW" الألمانية، أشار سعد إلى أن "الفكرة انطلقت بعد أكثر من عقدين من الجهود التوثيقية حول الانتشار اللبناني، بهدف تخليد إسهامات اللبنانيين في نشر الثقافة على النطاق العالمي، من خلال كتاب ضخم يسجل الإبداعات والمعالم التاريخية والهجرة والصحافة والمبدعين اللبنانيين"، مضيفاً "أن التحديات التي نواجها اليوم تمثل آمالاً لمستقبل مشرق".
▪︎ مبادرات وخطط لدعم القطاع
خلال الحرب، لجأت العديد من دور النشر اللبنانية إلى فتح فروع لها في الخارج لضمان استمرار نشاطها، خصوصًا في دول الخليج ومصر، هذا التوسع ساعد جزئيًا في الحفاظ على حضور لبنان الثقافي إقليميًا رغم الصعوبات. أوضح الدكتور علي الصمد في حديثه ل" DW"، "في عام 2017، أطلقت وزارة الثقافة خطة خمسية للنهوض بالقطاع الثقافي، خُصص جزء كبير منها لدعم النشر والطباعة، كما خصص مؤتمر "سيدر" لاحقًا ميزانية للقطاع الثقافي بلغت حوالي مئتين وثمانين مليون دولار، غير أن هذه الخطط لم تنفذ عمليًا بسبب الأزمات السياسية والمالية التي عصفت بالبلاد".
فيما أشار الإعلامي سعد، "نعتقد أن هذا الكتاب سيكون له دور محوري في التأثير في النشر ليس في لبنان وحسب، بل في الدول العربية أيضا، وذلك بسبب فكرة الكتاب بحد ذاتها، إذ إن فضول الشخص سوف يدفعه لزيارة هذا المعلم، ومن ثم سيهتم باقتناء نسخة منه؛ ومن ثم قد تكون خطوة لأي شخص للعودة إلى الورق ورائحة الحبر ومتعة المطالعة ". ووجه ناصر عاصي، رسالة قال فيها، "نأمل مع التغييرات السياسية الحالية في لبنان أن يشهد هذا القطاع نهضة جديدة، خاصة أن قطاع الطباعة يُعتبر صناعة ثقافية أساسية يجب دعمها وإنقاذها".
▪︎ المعارض الدولية
ورغم كل الظروف الصعبة والمعقدة، تحاول دور النشر في لبنان، العودة إلى المجال بقوة، عبر المشاركة في المعارض الدولية، وهذا ما أكده ناشر دار المؤلف، ناصر عاصي في حديث مع DW عربية، "قطاع النشر اللبناني يتفاعل أكثر مع المعارض الخارجية التي عادت هذا العام بعد شهر رمضان، إذ تقام حالياً مجموعة من المعارض بالتزامن، مثل معرض المغرب، معرض أربيل، معرض مسقط، معرض أبوظبي، ومعرض الدوحة". ويتابع عاصي، "رغم مشاركتنا كدار المؤلف في جميع هذه المعارض، إلا أن المصاريف المرتفعة "من إيجار الأجنحة إلى كلفة السفر والشحن"، تطرح تساؤلاً جدياً حول جدوى هذه المشاركات، خاصة مع ضعف الحضور الجماهيري وتراجع القدرة الشرائية للناس، واعتماد العديد منهم على الكتب الإلكترونية والمواقع الرقمية للحصول على المصادر المعرفية".
▪︎ معرض بغداد الدولي للكتاب
وتحت شعار "العراق يقرأ" تنطلق، في 12 سبتمبر أيلول من كل عام دورة معرض بغداد الدولي للكتاب بمشاركة أكثر من 600 دار نشر محلية وعربية وأجنبية من نحو 20 دولة. ويستضيف المعرض الذي يمتد حتى 22 سبتمبر أيلول مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء والمفكرين العرب. ويشير عبد الوهاب الراضي رئيس اللجنة المنظمة، إلى "أهمية القراءة ودورها في تعزيز المعرفة والثقافة، مشدِّداً على "الدعم المستمر للفعاليات الأدبية، ويشكل المعرض فرصة مميزة للتفاعل بين المؤلفين والجمهور، مما يساهم في نشر الوعي الأدبي وتعزيز حب القراءة بين الأجيال". من جهته.. يقول محافظ بغداد في تصريحات تلفزيونية، إن "ميزة المعرض في كل العام، حُسن التنظيم، وعدد الدور المشاركة"، مشيرا إلى أن محافظة بغداد تشارك في المعرض بجناح خاص تعرض فيه كتبا تاريخية نادرة من محتويات المكتبات العامة التابعة للمحافظة، إضافة إلى مبادرة بعنوان " اقرأ " موجهة للأطفال واليافعين تمكنهم من الحصول على بعض الكتب بالمجان. ويترقب عشاق القراءة والكتاب المعرض الدولي في دورته الـ26، والتي ستُقام من 10 إلى 21 أيلول سبتمبر 2025 على أرض معرض بغداد الدولي، تحت شعار " العراق يقرا والعالم يستمع "، والذي سيجمع كبرى دور النشر العالمية والعربية والمحلية ، ويزخر بفعاليات أدبية مميزة، من توقيع الكتب إلى الندوات الفكرية والحوارات الملهمة مع نخبة من الكتّاب والمبدعين.
▪︎ معرض اربيل الدولي للكتاب
وفي أربيل عاصمة اقليم كردستان، تنطلق في 9 نيسان ابريل سنويا، فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، ويستمر المعرض الذي تنظمه مؤسسة "المدى" للإعلام والثقافة والفنون، حتى التاسع عشر من الشهر المذكور، على أرض معرض أربيل الدولي في بارك سامي عبد الرحمن. وتشارك فيه أكثر من 350 دار نشرٍ من 22 دولة عربية وأجنبية، من دول الجوار والمغرب العربي ودول الخليج. وعلى مدار أيام المعرض، تقام جلسات حوارية وثقافية تناقش قضايا الأدب والفنون والترجمة واللغة، بمشاركة مثقفين ومختصين من الكرد والعرب والأجانب. كما تعقد ورشات عمل حول واقع الكتاب وصناعة النشر، بالتنسيق مع جمعية الناشرين والكتبيين في العراق.
▪︎ معرض القاهرة الدولي للكتاب
وفي مصر.. تشهد القاهرة سنويا دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يتوافد الآلاف من الزائرين للاستمتاع بالأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة، إلى جانب اقتناء الكتب من مختلف دور النشر. وأعلنت اللجنة العليا للمعرض، الذى تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن المعرض سجّل حضوراً جماهيرياً كبيراً. من جانبه، أشاد الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، بمستوى الإقبال الجماهيري الكبير على فعاليات المعرض، وحرص الزائرين من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية على حضور الفعاليات، إذ تسجل الإحصائيات اليومية لعدد الزائرين ما يقرب من نصف مليون زائر يومياً، مشيراً إلى أن "هذا الرقم يؤكد أن مصر وثقافتها وناسها بخير". منوها في تصريحات لـصحيفة "الوطن"، الى زيارة الكثير من العائلات إلى المعرض، والإقبال من كل الفئات العمرية من طلاب وكبار السن وأطفال واصفا الحدث، "هذا مشهد حضاري جميل لا يوجد له مثيل في أي مكان بالعالم، ويعكس وعى المصريين وحرصهم على أن يكونوا جزءاً من هذا الحدث السنوي المتفرد، مؤكداً مواصلة الجهود لتحقيق حالة متميزة من الزخم الثقافي والفكري والفني للفعاليات، تسهم في تحقيق أهداف الدولة لبناء الإنسان. وتشهد أجنحة المعرض إقبالاً من الزوار على شراء الكتب، ومن بينها جناح المركز القومي للترجمة، لاقتناء العديد من أبرز عناوين الكتب المترجمة في شتى المجالات، إذ يقدم المركز العديد من العناوين المتنوعة والمميزة إلى جانب التخفيضات على فئات مختلفة. يقول تامر مصطفى، مدير التسويق بالمركز القومي للترجمة، إن "المركز يشارك بـ1000 إصدار "عنوان" منها نحو 95 عنواناً جديداً، في مجالات متنوعة في الفلسفة والتاريخ والتربية وعلم النفس والاجتماع والآداب لإرضاء جميع الأذواق، إضافة إلى 5 إصدارات متميزة لذوى الهمم، منها كتب عن اضطرابات التوحد، وذوى الاحتياجات الخاصة، والتي تحظى باهتمام من الباحثين في الوقت نفسه. وتابع مصطفى، "نلاحظ كل عام إقبال الشباب على القراءة، وخصوصاً أمهات الكتب في الفلسفة والتاريخ".