
تحذيرات صحية... إرتفاع نسبة الزرنيخ في الأرز وراء عدة أمراض سرطانية

مراصد
20/5/2025، 11:27:50 ص
كشف علماء مؤخرا عن إرتفاع نسبة الزرنيخ في الارز حول العالم، جراء تزايد انبعاثات الكربون واستمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، الإكتشاف أثار مخاوف صحية، ذلك إن استهلاك كميات قليلة من مادة الزرنيخ غير العضوي، حتى من خلال الطعام أو مياه الشرب، يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان الى جانب مشاكل صحية أخرى، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري. ويُعد الأرز غذاء أساسياً لأكثر من نصف سكان العالم، ويستهلكه يوميا عدد أكبر من الناس مقارنة بالقمح أو الذرة.
▪︎ دراسة جديدة
ويعمل الباحثون حول العالم على إيجاد طرق لخفض مستويات مادة الزرنيخ في الأرز، وفي الوقت نفسه، تُوجد طرق لطهي الأرز تُمكّن من استخلاص بعض من هذا العنصر الضار من حبيبات الأرز. لكن دراسة جديدة حول تراكم عنصر الزرنيخ غير العضوي وجدت أنه قد يُصبح مشكلة أكبر بسبب تغير المناخ، إذ زرع الباحثون 28 سلالة مختلفة من الأرز غير المقشور في أربعة مواقع مختلفة بالصين في ظروف تجريبية على مدى عشر سنوات.
ووجدوا أن مستويات مادة الزرنيخ في الأرز تزداد مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة، ثم وضع علماء الأوبئة نموذجا لكيفية تأثير مستويات الزرنيخ هذه، في ظل مستويات استهلاك الأرز الحالية، على صحة الناس، وقدّروا أن الزيادات المقابلة في مستويات مادة الزرنيخ في الأرز قد تُسهم في حوالي 19.3 مليون حالة إصابة بالسرطان إضافية في الصين وحدها.
▪︎ مادة مسرطنة
يقول لويس زيسكا، الأستاذ المشارك في علوم الصحة البيئية بجامعة كولومبيا في نيويورك، والمشارك في تأليف الدراسة: "أثبتت دراسات كثيرة جداً أن عنصر الزرنيخ غير العضوي مادة مسرطنة، وله آثار ضارة على صحة الرئة، وصحة القلب والأوعية الدموية وقائمة طويلة جدا من أعضاء جسم الإنسان". ويضيف في حديثه لوكالة " BBC": "هناك مقياسان لتغير المناخ، زيادة ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة، يُؤديان إلى ارتفاع كميات مادة الزرنيخ بشكل أكبر". وتفترض أسوأ التوقعات ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 200 جزء إضافي في المليون بين عامي 2025 و2050، لكنها تُقدم لمحة عمّا قد يحدث لمحاصيل الأرز في المستقبل إذا لم تُخفَّض انبعاثات الكربون.
▪︎ ليس الصين وحدها
وعلى الرغم من تركيز، الباحثين على مواقع في الصين لإجراء تجاربهم، إلا أنهم قالوا إن هذه التأثيرات من المرجح أن تظهر في الأرز المزروع في مناطق تشمل أوروبا والولايات المتحدة أيضا، إذ أن وجود عنصر الزرنيخ غير العضوي شائع في الأرز المزروع حول العالم. ويوضح زيسكا: "لسنا أول من درس تأثير ثاني أكسيد الكربون، ولسنا أول من درس درجة الحرارة، لكننا أول من جمعهما معا في الميدان، وهذا ما أذهلنا".
▪︎ للدراسة افتراضان
بالطبع، للدراسة حدود، باستثناء المقاييس المختارة للسيناريو المتوقع عام ٢٠٥٠. افترضت الدراسة أن الناس سيستمرون في استهلاك نفس كمية الأرز للفرد في عام ٢٠٥٠ التي كانوا يتناولونها في عام ٢٠٢١، على الرغم من أن استهلاك الأرز يميل إلى الانخفاض مع ازدياد ثراء الدول. وثانياً، افترضت الدراسة أيضا أن الناس سيستمرون في تناول الأرز الأبيض أكثر بكثير من الأرز البني، كما يفعلون الآن، ونظرا لطريقة معالجته، يحتوي الأرز الأبيض على كمية أقل من الزرنيخ غير العضوي مقارنة بالأرز البني، لذا فإن أي تغيير في هذا الاتجاه قد يزيد من سوء الأرقام. من جهته.. يقول أندرو ميهارج، الأستاذ في كلية العلوم البيولوجية بجامعة كوينز في مدينة بلفاست في أيرلندا الشمالية، والباحث المخضرم في الأرز وعنصر الزرنيخ، والذي لم يشارك في الدراسة: "هذه الدراسة من أكثر الدراسات شمولا التي أُجريت على الإطلاق حول هذا الموضوع. إنها أقوى من أي دراسة أجريت في أي وقت مضى".
▪︎ خفض مستوى الزرنيخ
وتشير الدراسة الى هناك خطوات يمكن اتخاذها تساهم في خفض مستوى الزرنيخ في الأرز وهي :
أولا: تحتوي بعض أنواع الأرز على نسبة زرنيخ غير عضوي أعلى من غيرها، ويحتوي الأرز الأبيض على نسبة زرنيخ غير عضوي أقل من الأرز البني، ولكنه أقل قيمة غذائية. كما يحتوي الأرز البسمتي على نسبة زرنيخ غير عضوي أقل من الأنواع الأخرى، ويحتوي الأرز من مناطق معينة، بما في ذلك شرق أفريقيا، على نسبة زرنيخ أقل من الأرز من مناطق أخرى، بما في ذلك أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب شرق آسيا.
ثانياً: اكتشف باحثون في جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة مؤخراً طريقة لطهي الأرز يمكنها إزالة 50 % من الزرنيخ في الأرز البني و74 % منه من الأرز الأبيض، وينصح الباحثون بغلي الأرز أولا في ماء مغلي مسبقا لمدة خمس دقائق قبل تصفيته، ثم يُضاف الماء العذب ويُطهى على نار هادئة لامتصاص كل الماء.
ثالثاً: توصي وكالة معايير الغذاء في المملكة المتحدة بشطف الأرز قبل الطهي ثم غليه في ستة أجزاء من الماء مقابل جزء واحد من الأرز قبل تصفيته وشطفه مرة أخرى.
▪︎ دور الاوكسجين بتفعيل الزرنيخ
ويتوقع الباحثون : أنه "عندما تُغيّر التربة بجعلها أقل احتواء على الأكسجين، يُصبح عنصر الزرنيخ فعالا"، ويُغيّر هذا "ميكروبيوم" التربة بطريقة تجعل البكتيريا المُحبّة للزرنيخ أكثر تكاثراً. وهذا ما يتوقعه هو وزملاؤه الباحثون، إذ يتوقعون أن الأمر سيزداد سوءا مع ارتفاع درجة الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ويقول العالم زيسكا: "هذه البكتيريا المتواجدة في التربة تحصل على المزيد من الكربون، وتزداد دفئا ونشاطا"، "إنك تُحسّن من سعادة البكتيريا الصغيرة بدرجات حرارة دافئة، لكنك أيضا تُعطيها المزيد من الكربون، فتُصاب بالجنون". ووجد زيسكا وفريقه أن هذا التأثير ظهر على حوالي 90 % من أنواع الأرز الثمانية والعشرين المختلفة التي زرعوها خلال دراستهم التي استمرت عشر سنوات.
▪︎ قلق خبراء الصحة
وما يُقلق خبراء الصحة العامة هو أنه كلما زادت الأبحاث على عنصر الزرنيخ غير العضوي، كلما ازداد تأثيره على البشر، ففي يناير/كانون الثاني الماضي، حدّثت إدارة حماية البيئة الأمريكية تقييمها لـ "العوامل المسببة للسرطان" في مادة الزرنيخ غير العضوي، مع مراعاة جميع الأبحاث الجديدة حول الزرنيخ والأمراض، وقد وجد تقييمهم الأخير أن "الزرنيخ مادة مسرطنة أقوى بكثير مما كنا نعتقد سابقا"، بحسب كيف ناخمان، أستاذ الصحة والهندسة البيئية في كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة والمؤلف المشارك في دراسة الأرز والزرنيخ، وعلى وجه الخصوص، هناك الآن أدلة قوية على أن مادة الزرنيخ لا تزيد فقط من خطر الإصابة بسرطان الجلد، بل أيضا بسرطان الرئة والمثانة. وإلى جانب السرطان، يزيد الزرنيخ غير العضوي من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري، وعند تناوله من قبل النساء الحوامل، يزيد أيضا من احتمالية وفيات الأجنة أو الرضع، كما يزيد من خطر ولادة الطفل بوزن منخفض، ما قد يكون له آثار صحية على مدى الحياة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، أو آثار عصبية إدراكية على النمو. وهناك حل يتمثل في استخدام نهج آخر في زراعة الأرز في ظروف تعتمد على مياه الأمطار، أو حيث تكون كلٌّ من التربة ومياه الري تحتوي على مستويات مُنخفضة من الزرنيخ، وقد وُجد أن الأرز المُنتَج في شرق أفريقيا، والذي يُغذّى عادةً بمياه الأمطار بدلا من الريّ، يحتوي على نسبة منخفضة جدا من الزرنيخ غير العضوي، كما هو الحال مع الأرز في إندونيسيا. كما وُجِد أن الأرز المُزروع في الولايات المتحدة، وأمريكا الوسطى والجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وأوروبا، وأستراليا، يحتوي على كميات أعلى من الزرنيخ.
▪︎ مستويات الزرنيخ في الأرز
حاليا، لا تُنظّم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مستويات الزرنيخ في الأرز، لكنها وضعت حدا أقصى قدره 0.1 ملغم/كغم من الأرز المُخصّص لاستهلاك الأطفال. وفي عام 2023، وضع الاتحاد الأوروبي حدودا جديدة للزرنيخ غير العضوي في الأرز عند 0.2 ملغم/كغم من الأرز، بينما اقترحت الصين تطبيق حدود مماثلة، لكن هذه التوصيات لا تأخذ في الاعتبار حقيقة أن بعض المجتمعات تستهلك الأرز أكثر بكثير من غيرها. يقول زيسكا في تلك الدراسة: "هناك طرق لتقليل كمية مادة الزرنيخ غير العضوي، لكن ذلك يتطلب تغييرا جذريا في إدارة زراعة الأرز حاليا، إنه أمرٌ يحتاج إلى اهتمام بالغ، لأنه يؤثر على عدد كبير من الأفراد حول العالم".