
تدابير حكومية طارئة... العواصف الترابية تكبد الإقتصاد والصحة العامة خسائر جسيمة

مراصد
17/5/2025، 10:39:40 ص
أقرت الحكومة العراقية، حزمة من الإجراءات العاجلة والتدابير الوقائية، لمواجهة أزمة الجفاف والتصحر وشح المياه، في إطار التصدي لظاهرة العواصف الترابية التي باتت تجتاح العاصمة بغداد ومدن العراق على نحو مقلق، لتضع البلاد أمام تحديات بيئية وصحية واقتصادية، وسط تحذيرات محلية ودولية من تفاقم الأزمة في ظل استمرار آثار التغير المناخي.
كان آخرها ما أعلنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة،، من ان العراق قد يشهد 300 عاصفة ترابية سنوياً بحلول عام 2026. في حين تقدر مصادر حكومية الخسائر الأولية الناجمة عن هذه العواصف بنحو عشرة مليارات دينار يوميا.
▪︎ تدابير حكومية
الى ذلك قررت الحكومية العراقية، تأليف غرفة عمليات في كل محافظة برئاسة المحافظين، وعضوية مديري دوائر الموارد المائية، والزراعة، والكهرباء، والبيئة، والمديريات العامة للماء، والقوات الأمنية. لمواجهة آثار التغير المناخي المؤثرة في مستويات وفرة المياه، وتنظيم استخداماتها والحدّ من التلوث، وتوظيف التكنولوجيا في كل مجالات استخدام المياه. جاء ذلك خلال ترؤس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الاجتماع الدوري للّجنة العليا للمياه، جرى خلاله بحث الموضوعات المطروحة على جدول أعماله، واتخاذ التوجيهات والقرارات الخاصة بها. وأشار السوداني في بيان لمكتبه الإعلامي أطلعت عليه "مراصد"، إلى ضرورة اتخاذ خطوات واسعة في مجال توفير المياه، وتنظيم استخداماتها والحدّ من التلوث، وتوظيف التكنولوجيا في كل مجالات استخدام المياه. وأضاف البيان، أن الاجتماع أقر جملة من الإجراءات لمواجهة آثار التغير المناخي المؤثرة في مستويات وفرة المياه، فضلاً عن اتخاذ عدد من المقررات في مختلف الصعد والمجالات المتعلقة بإدارة ملف المياه. وأوضح، أن الإجراءات هي "الاهتمام بالمشروعات الاستراتيجية الكبرى من حيث التخطيط والتمويل، ومشروعات الاستصلاح "ري العمارة، وأواسط دجلة"، ومشروعات التحول إلى الرّي المغلق ونقل المياه بالأنابيب؛ للتكيف مع النقص في الإيرادات المائية".
وتابع البيان، "إلزام الجهات كافة باتخاذ إجراءات معالجة التلوث للحدّ من تأثيرات الملوثات، وكذلك السيطرة على مصبات مياه الصرف الصحي ومصادر التلوث الأخرى، وكل مصادر المياه غير المعالجة، وكذلك التزام وزارة الزراعة بالخطة الزراعية وإنجاز مشروع البطاقة الزراعية للفلاحين. وأكد، على تطبيق إجراءات المراشنة للمضخات، على نهري دجلة والفرات والأنهر الرئيسة خلال الموسم الصيفي، والتركيز على تنفيذ محطات تحلية المياه للمحافظات الجنوبية "البصرة، ذي قار، ميسان، المثنى". ودعا إلى القيام بحملة لصيانة وكري الجداول، خاصة عند مآخذ الاسالات، وتطهيرها من نباتات الشمبلان وزهرة النيل، واستغلال المياه الجوفية وتنفيذ أعمال التأهيل في المناطق التي يصعب وصول المياه السطحية لها، وإلزام إدارة سد دوكان بالتصاريف المطلقة من السد بحسب الخطة المركزية للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية. ودعا في الختام إلى وضع خطة لتنفيذ مشاريع لمعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي للزراعة.
▪︎ تفاقم الأزمة
وتتجلى ظاهرة التغير المناخي في العراق، بحسب خبراء، في الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، ويترافق ذلك مع تصحر وتقلص للأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، فضلا عن العواصف الترابية والغبارية، التي باتت أكثر شدة مما سبق.
وتفيد أرقام رسمية بأن التصحر بات يجتاح 39 %من الأراضي العراقية، كما تهدد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي في 54 بالمئة من الأراضي المزروعة.
وقرر الاجتماع الحكومي تأليف غرفة عمليات في كل محافظة برئاسة المحافظين، وعضوية مديري دوائر الموارد المائية، والزراعة، والكهرباء، والبيئة، والمديريات العامة للماء، والقوات الأمنية لتنفيذ التدابير والإجراءات الحكومية لمواجهة معضلة المياه. ورغم التدابير والإجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة أزمة المياه المتفاقمة منذ سنوات، فإن انتقادات عديدة توجه إلى قدم معظم طرق وأساليب الري والزراعة التقليدية، ما يتسبب في هدر الموارد المائية الشحيحة أصلاً.
▪︎ خسائر جسيمة
الى ذلك اكدت وزارة البيئة الاتحادية، أن العراق يخسر 10 مليارات دينار "نحو 7 ملايين دولار" يومياً جراء التغير المناخي، الذي قالت إنه بات من أهم التحديات التي تواجه البلاد. وقال وكيل الوزارة جاسم الفلاحي، في تصريح صحفي سابق ، إن "العراق يعد من أكثر البلدان تأثراً في التغيرات المناخية"، مبيناً أن "تقرير الأمم المتحدة صنّف العراق واحداً من خمسة بلدان الأكثر تأثراً بموضوع التغيير المناخي"، موضحا "قبل ثماني سنوات ومنذ مشاركتنا "اتفاقية باريس للتغيرات المناخية" عام 2015، فإن التغير المناخي بات من أهم التحديات التي ستواجه العراق"، مبيناً أن "ذلك بدا واضحاً من خلال ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التصحر وتدهور الأراضي بتأثير الجفاف وارتفاع معدلات العواصف الغبارية والرملية".
ووصف، حجم الخسائر التي يتكبدها العراق جراء التغير المناخي بـ"الهائل"، سواء في شقه الاقتصادي أو الصحي، مبيناً أن ردهات الطوارئ تمتلئ جراء العواصف الغبارية والرملية، وعلى المستوى الاقتصادي فإنه "بسبب التغير المناخي في جزئية العواصف الغبارية نخسر نحو 10 مليارات دينار يومياً بسبب الازدحام غير المسبوق في ردهات الطوارئ وتوفير العلاجات لمرضى الجهاز التنفسي والربو والحساسية، كما أن هناك خسائر اقتصادية على مستوى النقل البري والجوي وتصدير الموارد النفطية". من جانبها، أعلنت مديرية زراعة محافظة ذي قار، نزوح نحو 1200 عائلة من مناطقها، بسبب الجفاف ونقص المياه، خلال الأشهر الستة الماضية.
وقال مدير المديرية، صالح هادي، في تصريحات أدلى بها لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "ما يقارب 1200 عائلة من مربي الجواميس والمزارعين من مناطق الأهوار ومناطق أخرى في المحافظة نزحت من مناطقها بسبب شح المياه والجفاف، وذلك بحثا عن مصادر عمل وعيش"، مضيفا أن "2053 جاموسا نفق نتيجة الجفاف". وبدأت هذه الهجرة منذ شهر نيسان، وفق هادي، لا سيما من أهوار الجبايش وقرية المنار في أهوار الحمّار وأهوار أم الودع ومناطق السيد دخيل والإصلاح والطار الزراعية التي يعتمد سكانها على الزارعة وتربية الجواميس خصوصا. وأشار إلى إن "نصف العائلات المذكورة توزعت بين مناطق أخرى تقع شمال مدينة الناصرية للسكن على شواطئ الأنهار"، أما عائلات أخرى فتوجهت نحو مناطق زراعية في محافظات أخرى تتوفر فيها مياه مثل بابل وكربلاء والكوت والبصرة وبغداد.
▪︎ المرصد الاخضر
في هذا السياق، كشف مرصد العراق الأخضر، المعني بشؤون البيئة وتغير المناخ، عن خسائر كبيرة يتكبدها العراق جراء العواصف الترابية والرملية المتكررة، ، فيما أكد متخصصون بيئيون على ضرورة الإسراع بإنشاء الحزام الأخضر لتقليل تأثير تلك العواصف على الاقتصاد والبيئة والصحة.
وذكر بيان لمرصد العراق الأخضر أن "العواصف الترابية التي تهب على العراق تتسبب بأضرار جسيمة في مختلف القطاعات، والقطاع الأبرز المتضرر هو الصحة بسبب ما تصرفه الوزارة على مرضى الجهاز التنفسي، ناهيك عن المرضى الذين يفضلون البقاء في المنازل وشراء أجهزة التنفس بدلاً من التوجه إلى المراكز الصحية والمستشفيات للمعالجة".
وأضاف أن "الأضرار الأخرى التي تتسبب بها هذه العواصف هي حوادث السيارات التي تزيد في مثل هذه الأيام على الطرقات الخارجية بسبب انعدام الرؤية، فضلاً عن المزروعات التي تتضرر بشكل كبير نتيجة هذه العواصف. وهناك أضرار أخرى تتسبب بها هذه العواصف للحيوانات وغيرها من الكائنات الحية، إضافة إلى عمليات تنظيف المنازل والدوائر الرسمية والسيارات التي تهدر بها كميات كبيرة من المياه، كما أنها تؤدي إلى إغلاق أنظمة الصرف الصحي التي يمكن أن يغلق جزء كبير منها نتيجة تراكم النفايات والأوحال فيها". وشدد المرصد على أن "الجهات المسؤولة مطالبة بضرورة الإسراع بحل هذه المشكلة من خلال الاهتمام بالتشجير، وإنشاء الحزام الأخضر الذي كان مقرراً في محافظات عدة وخصوصاً الحدودية منها". من جهته، قال عضو مركز "العراق الأخضر" عمر عبد اللطيف، في حديث خاص للجزيرة نت، إن "القطاع الصحي هو الأكثر تضررا، حيث تُنفق وزارة الصحة مبالغ ضخمة على علاج المصابين بأمراض الجهاز التنفسي الناتجة عن استنشاق الغبار والأتربة، خصوصا في أوقات العواصف الحادة". وبين أن المركز أجرى دراسة تقديرية للخسائر، قسمت فيها العواصف إلى رملية وترابية وغبارية، ثم احتسبت الأضرار المباشرة التي تطال كل قطاع، معتمدين في ذلك على الحد الأدنى من الخسائر اليومية. موضحا أن الخسائر تشمل خسائر القطاع الصحي وما تنفقه على المرضى، إضافة إلى خسائر الملاحة الجوية واضطرار تعليق الرحلات الجوية في بعض الأحيان، وحوادث الطرق المرورية، فضلا عن تسبب هذه العواصف بتضرر المساحات الزراعية واستنزاف المياه في عمليات إزالة آثار هذه العواصف.
▪︎ مخاطر مكتشفة حديثا
على صعيد متصل سلط تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية على مديات خطورة الحر الشديد على النساء الحوامل كما أظهرت التأثيرات السلبية للحرّ الشديد على نمو الجنين والرضع بشكل ملحوظ ويمكن أن تنطبق أيضا على كبار السن. ووفقا للتقرير فقد برزت المخاطر الناجمة عن الحرّ وبالتالي الاحترار المناخي، على الحمل أصبحت موثّقة بشكل متزايد، مع أنّ أسئلة كثيرة لا تزال تُطرح بشأن الآليات الفسيولوجية التي تفسرها. وخلص إلى أنّ موجات الحرّ الشديد التي أصبحت أكثر تواترا بسبب الاحترار المناخي شمل، فئات سكانية مختلفة لا تقتصر على كبار السنّ، بل تزيد من المخاطر لدى النساء الحوامل وأطفالهنّ، وهي ظاهرة أصبح العلماء يحللونها بشكل أفضل فيما يشير تقرير لمنظمة "كلايمت سنترال" غير الحكومية والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، إلى أنّ "التغير المناخي يزيد من المخاطر المرتبطة بالحمل في كل أنحاء العالم بسبب الحرّ الشديد"، مؤكداعلى أنّ "التغير المناخي أدى سنويا في معظم البلدان - 221 بلدا - إلى مضاعفة على الأقل متوسط عدد أيام الحرّ الشديد التي تشكل خطورة على الحمل".
وتقول الباحثة أنّا بونيل من كلية "لندن سكول أوف هايدجين أند تروبيكال ميدسين"، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ الدراسة تقدّم قبل كل شيء "دليلا واضحا على المخاطر المتزايدة المرتبطة بالتعرض للحرّ الشديد"، مؤكدة أن نتائجها يمكن أن تنطبق أيضا على كبار السن. في هذا الاطار ، توفر دراسة أوسع نُشرت عام 2024 في مجلة "نيتشر ميديسن"، فكرة عامة عن المعرفة في هذا الخصوص: فدرجات الحرارة المرتفعة تزيد من مخاطر متعددة بدءا من الولادات المبكرة وصولا إلى وفاة الأطفال حديثي الولادة والتشوهات الخلقية. ويحذّر معّدو هذه الدراسة التي أُنجزت بالاستناد إلى نحو 200 دراسة، من أن "التعرّض المتزايد للحرّ يشكل تهديدا كبيرا لصحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة". ومع ذلك، لا بد من النظر في الأهمية النسبية لحجم هذا التهديد على المستوى الفردي. وبحسب هذه الدراسة، تزيد موجة الحر من خطر التعرض لمشاكل الحمل بنحو 1,25 مرة، وهو ما لا يشكل فرقا كبيرا للمرأة الحامل إذا كانت بمعزل عن الحر.