
لسد العجز وتوليد الطاقة... عكاز ثاني أكبر حقل غازي من نوعه في مرمى الإستثمار

مراصد
22/5/2025، 9:58:47 ص
في الوقت الذي يسابق فيه العراق الزمن لتدارك أزمة انتهاء الإعفاء الأمريكي لاستيراد الغاز الإيراني، في ظل فقدان 8 آلاف ميغاواط من إنتاج الطاقة، عاد الحديث عن استثمار حقل عكاز الواقع شمال غربي الأنبار الى الواجهة. الذي يوصف بكونه ثاني أكبر حقل غازي في الشرق الأوسط. وما بين اهتمام مجلس الوزراء بتسريع خطوات العمل في هذا الحقل وما يحصل على ارض الواقع، مازالت النتائج المرتقبة بعيدة المنال، وسط تباين المعلومات والأسباب.
▪︎ قرار وزاري
كان مجلس الوزراء العراقي قد اقر المضي بخطة سريعة لاستثمار حقل عكاز الغازي في خطوة لتعويض غياب الغاز الإيراني، مع حلول فصل الصيف الحار. ويعد حقل عكاز ثاني أكبر حقل غازي في الشرق الأوسط، واستثماره بشكل صحيح يمكن أن يوفر أكثر من 10,000 فرصة عمل في مرحلته الأولى، بالإضافة إلى تحقيق إيرادات مالية لمحافظة الأنبار والبلاد. ووفقا لبيان حكومي، “عقد مجلس الوزراء جلسة برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وذلك لاستكمال المقررات والأعمال الخاصة بجلسته الرابعة عشرة". وأقر المجلس المضي بـ”خطة سريعة لاستثمار حقل عكاز الغازي بالجهد الوطني من قبل شركة نفط الوسط، على أن تنفذ شركة (شلمبرجير) الأمريكية المرحلة الأولى منه، لينتج الحقل خلال سنة 100 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز”. وكان العراق قد وقع في نيسان 2024 عقد استثمار حقل عكاز الغازي مع الشركة الأوكرانية، حيث ينص العقد على أن يتم إنتاج 100 مقمق يوميًا من الحقل في العام الأول، ورفع الإنتاج الى 400 مقمق يوميًا بغضون 4 سنوات وهو ما يكفي لسد 35% من الغاز الإيراني المستورد. ويُعد العراق ثاني دولة بعد روسيا في حرق الغاز المصاحب، وذلك وفق تصنيف عالمي، وقد قدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن العراق أشعل 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مبينة أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.
لكن عضو لجنة النفط والغاز النيابية باسم نغيمش، كشف عن تدخلات اقتصاديات الاحزاب في مسألة جولات التراخيص والتعاقدات بشركة نفط الوسط وهذا موجود بشكل عام في العراق”، مبينا أن الشركة الاوكرانية التي احيل اليها مشروع حقل عكاز الغازي اعترضنا عليها منذ البداية، فيما يتعلق بوجودها كشركة حقيقية وما اذا كانت مؤهلة او تمتلك اعمالا مماثلة ام لا، لكن وزارة النفط اكدت انه ليس لديها خيار اخر لأنها الشركة الوحيدة التي قدمت عروضها على هذا الحقل”. وأوضح أن “الوزارة اخذت ضمانات على الشركة، لكن الشركة حتى الان لم تعط الضمانات”، مبينا ان “شركة نفط الوسط ذاهبة باتجاه إنهاء العقد“.
▪︎ حقل غاز عكاز
يقع هذا الحقل في محافظة الأنبار في الجزء الشمالي الغربي من الصحراء الغربية الى الجنوب من نهر الفرات والى الشرق من الحدود العراقية السورية، كما يبعد حوالي (40) كم الى الجنوب الغربي من مدينة القائم حيث تم اكتشاف الحقل عام 1981 من خلال المسوحات الزلزالية التي اجريت انذاك. وفي عام 1992 تم حفر اول بئر استكشافي في الحقل حيث تم العثور على تجمعات للغاز في مكمن الخابور كمكمن رئيسي ومكمن عكاز كمكمن ثانوي في الحقل ليتم بعدها حفر خمسة آبار اضافية ليكون عدد الآبار الكلية المحفورة في الحقل (6) آبار.
بعد انسحاب شركة كوكاز الكورية بسبب حرب داعش (2014-2018) والإنتاج الجائر من هذا الحقل على يد عصابات داعش ولجاهزية محطة كهرباء عكاز وجهت قيادة القطاع النفطي بضرورة ربط الآبار الأربعة المنتجة ونصب محطة معالجة من المعدات المتوفرة في الشركة. قامت كوادر شركة نفط الوسط بإجراء الأعمال اللازمة لفحص الآبار للوقوف على الطاقة الإنتاجية الحقيقية لها اضافة الى معالجة النضوحات الموجودة في بعض رؤوس الآبار مع الإشارة الى ان الآبار تعرضت لمحاولات تفجير من قبل المجاميع الإرهابية. بوشر الإنتاج من حقل عكاز الغازي في 28/3/2023 من خلال مكمن الخابور العلوي بمساهمة اربعة آبار وبمعدل انتاج حالي يبلغ (38) مقمق/اليوم حيث إستطاعت الشركة نصب محطة فصل الغاز عن السائل بطاقة تصميمية (50) مقمق/ يوم ومد انبوب 16 عقدة لتصريف الغاز الى محطة كهرباء عكاز وتم تحسين مواصفات الغازمن خلال نصب المنشآت السطحية.
يشار الى ان وزارة النفط قد ابرمت مؤخراً عقداً لتطوير الحقل مع شركة (UKRZEMRESURS) الأوكرانية لإستثمار الغاز ومن المؤمل ان يصل معدل الإنتاج من الحقل الى (400) مقمق/اليوم مستقبلاً لتزويد محطات الكهرباء بالوقود اللازم. استعاد حقل عكاز للغاز 0.61% من إجمالي احتياطياته القابلة للاستخراج، ويُتوقع أن يبلغ ذروة الإنتاج في عام 2030، وأن يستمر الإنتاج حتى يصل الحقل إلى الحدّ الاقتصادي الأقصى في عام 2062، بحسب موقع "أوف شور تكنولوجي”. يمثّل توقيع وزارة النفط العراقية عقدًا مع شركة يوكرزم ريسورس (Ukrzemresurs) الأوكرانية لتطوير حقل عكاز للغاز في محافظة الأنبار، خطوة مهمة نحو استثمار الغاز، ولا سيما في المنطقة الغربية، لما تحويه من مخزون غازي كبير. تهدف الوزارة من خلال العقد مع الشركة الأوكرانية الوصول إلى معدل 100 مليون قدم مكعبة قياسية للمرحلة الأولى من (1-2) سنة، و 400 مليون قدم مكعبة قياسية خلال 4 سنوات.
▪︎ محطة كهرباء الأنبار
يتوقع ان يُغذّي إنتاج حقل عكاز محطة كهرباء الأنبار ومحطة عكاز الغازية، وفي وقت سابق تمكنت شركة نفط الوسط من استثمار الغاز من 4 أبار في الحقل ضمن الخطة المعالجة لتزويد محطة عكاز الغازية بمعدل 60 مليون قدم مكعبة قياسية لتوليد (90-95) ميغاواط.. بالتزامن مع ترقّب بدء عمليات تطوير حقل عكاز للغاز، تُنَفَّذ محطة كهرباء عملاقة في محافظة الأنبار القريبة من الحقل، من المقرر تغذيتها منه. بدأ العمل في محطة كهرباء الأنبار في عام 2013، لكنه توقّف بسبب احتلال تنظيم داعش للمحافظة، ثم استُؤنِف العمل بالمشروع في شهر كانون الأول 2022، بوساطة شركة سيبكو 3 الصينية. يستهدف مشروع محطة كهرباء الأنبار تزويد شبكة الكهرباء في العراق بقدرة 1640 ميغاواط، وتتكون المحطة من 4 وحدات غازية بسعة 273 ميغاواط لكل منها، ووحدتين بخاريتين 275 ميغاواط لكل منهما، وصلت نسبة التنفيذ إلى 50%، ويستغرق تنفيذه 3 سنوات. وسيُستَعمَل الغاز الطبيعي المُستخرج من حقل عكاز للغاز وقودًا للمحطة عند بدء تشغليها خلال عامين، ضمن مساعي العراق لزيادة قدرات التوليد والاستفادة من قدرات المحطات غير المستغلة، لتلبية الطلب المتزايد ومواجهة أزمة انقطاع الكهرباء.
▪︎ ملف معقد
الى ذلك ذكر الخبير النفطي حمزة الجواهري أن تنظيم داعش استولى على جميع أصول الشركة الكورية في العراق عام 2014، ما أجبرها على التخلي عن مشروعها. وقال في تصريح صحفي إن “الشركة طلبت زيادات في العقد، وهو ما رفضته الوزارة”، مضيفًا أن “شركات مثل أرامكو قدمت عروضًا لم تكن مقبولة، حيث طلبت عقود مشاركة في الإنتاج، وهو نموذج غير متبع في العراق الذي يعتمد عقود الخدمة”، وأشار إلى أن “الشركة الأوكرانية التي جاءت بدعم أمريكي لا تملك الخبرة الكافية لتطوير حقول الغاز، وكذلك الشركة الكورية”.
وأكد أن “الشركة الأوكرانية متخصصة في إدارة شبكات نقل أنابيب الغاز في أوكرانيا”، معربا عن “شكوكه في قدرتها على نجاح مهمة تطوير حقول الغاز العراقية الصعبة”. من جانب اخر، قال الخبير في الشأن الاقتصادي طه الجنابي، إن "توقيع عقد تطوير حقل عكاز للغاز في محافظة الأنبار يمثّل خطوة استراتيجية مهمة على أكثر من صعيد اقتصادي وطاقوي وأمني"، مؤكدًا أن "استثمار الحقل يمكن أن يسهم في إحداث تحوّل جوهري في منظومة الطاقة بالعراق". وأوضح أن "أهمية المشروع تتجاوز كونه استثمارًا غازيًا تقليديًا، إذ إنه يمثل تحررًا تدريجيًا من الاعتماد على الغاز المستورد من إيران، وهو ما يوفّر للدولة ملايين الدولارات سنويًا ويمنحها هامشًا أكبر في إدارة ملف الطاقة بعيدًا عن الضغوط الإقليمية". وأشار الجنابي إلى أن "ربط الحقل بمحطة كهرباء الأنبار ومحطة عكاز الغازية يتيح لأول مرة توليد طاقة كهربائية من موارد غازية محلية في المنطقة الغربية، ما يعزز استقرار الشبكة الوطنية ويقلل الخسائر الناتجة عن نقل الطاقة من المحافظات الجنوبية". وأضاف أن "تطوير الحقل سينعكس إيجابًا على الواقع الاقتصادي في محافظة الأنبار من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتحفيز الاستثمارات في القطاعات المساندة مثل النقل والخدمات والمقاولات.
وبيّن الخبير الاقتصادي أن "المنطقة الغربية من العراق تحتوي على عشرات التراكيب الهيدروكاربونية الواعدة غير المستثمرة، وأن النجاح في تطوير حقل عكاز سيشجع شركات عالمية أخرى على دخول هذه المناطق"، مشددًا على "ضرورة تأمين الحقل وحماية المشروع من أي تهديدات محتملة لضمان استمراريته وتحقيق أهدافه ضمن الجدول الزمني المعلن". كما كشف عضو مجلس محافظة الأنبار، عدنان الكبيسي، عن وجود تحديات كبيرة أمام العراق بشأن تأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي بعد توقف استيراد الغاز الإيراني. وقال الكبيسي، إن "الحكومة العراقية تعاقدت مع شركة أوكرانية لاستثمار حقل عكاز، إلا أن هناك شكوكاً حول كفاءة الشركة ومصداقيتها"، مبيناً أن "رئيس غرفة التجارة الأوكرانية أبدى تحفظات حول قدرة الشركة على تنفيذ المشروع، رغم تقديمها ضمانات مالية بقيمة 50 مليون دولار". وأضاف أن "الشركة لم تحقق أي تقدم ملموس منذ توقيع العقد قبل عام، باستثناء نصب عدد من الكرفانات في مواقع الحفر، ما يثير القلق بشأن قدرة الشركة على تنفيذ المشروع وفق المعايير المطلوبة". وأشار الكبيسي، إلى أن "عائدات الحقل تحتسب وفق معادلة 150 مترا مكعبا من الغاز مقابل دولارين، ما يعكس أهمية المشروع اقتصادياً"، كاشفاً عن "مشروع إنشاء محطة الدورة المركبة قرب الحدود السورية، والتي ستعمل على الغاز المستخرج من حقل عكاز، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1,642 ميغاواط من الكهرباء، ما سيسهم في تحسين إمدادات الطاقة لمحافظة الأنبار ودعم شبكة الكهرباء الوطنية". وشدد الكبيسي، على "أهمية تعزيز الرقابة الحكومية على الشركات المنفذة"، مضيفاً أن "العراق بحاجة إلى شركات عالمية ذات خبرة لاستثمار هذا المورد الحيوي".