
تخطت 2 تريليون دولار... صفقات ترامب الخليجية تؤسس شرق أوسط جديد

مراصد
24/5/2025، 11:03:36 ص
لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنطقة الخليج العربي سابقة دولية، بل تعد من وجهات نظر متخصصين نموذجا لاستدامة علاقات تاريخية تمتد على 90 عاما وتؤسس لانطلاقة متجددة في نقل المعرفة في اقتصاد الذكاء الصناعي والاسلحة المتطورة بما يتطلب إعادة نظر شاملة في القوانين الامريكية للتعامل مع تطبيق العقود التجارية الجديدة.
من يتصفح موقع البيت الأبيض الالكتروني، يلحظ تخصيص صفحة رئيسية تدرج أسماء المشاريع الاستثمارية وقيمتها وفق سياسة الرئيس ترامب "أمريكا أولا" ثم الانتقال الى صفحات "الوقائع" التي أدرجت التفاصيل الكاملة للاتفاقات التي ابرمت خلال زيارته للسعودية وقطر والامارات، بقيمة تتجاوز 2 تريليون دولار، ويتكرر في هذه الصفحات عبارات مثل "يفتح المشروع أكثر من كذا فرصة عمل" او "المشروع يعيد الإنتاج للولايات المتحدة الامريكية بعد سنوات غياب".
في المقابل، اهتمت بيوت التفكير الامريكية ليس بوقائع قيمة هذه الصفقات، بل ما يمكن ان تؤسس من متغيرات في بيئة جغرافية سياسية متوترة، حضرت على طاولات توقيع الاتفاقات كل من إسرائيل وغزة من جانب وإيران ومفاعلها النووي من جانب اخر. يحاول هذا التقرير الالمام بكلا الجانبين، وتقديم خلاصة موجزة عن نتائج جولة الرئيس ترامب لصناعة "شرق أوسط جديد" يعزز الامن القومي الأمريكي في التنافس مع خصوصه التقليدين ويفتح افاقا جديدة في "اقتصاد المعرفة" للدول الخليجية.
- أولا : السعودية
الالتزام باستثمار 600 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة، لبناء علاقات اقتصادية متينة تدوم لأجيال مقبلة حيث تخطط شركة DataVolt السعودية للاستثمار بمبلغ 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، وتتعهد شركات غوغل، وداتا فولت، وأوراكل، وسيلزفورس، وأيه إم دي، وأوبر باستثمار 80 مليار دولار في التقنيات التحويلية المتطورة في كلا البلدين. وتقوم شركات أميركية رائدة، ببناء مشاريع البنية التحتية الرئيسية مثل مطار الملك سلمان الدولي وغيره من المشاريع، بإجمالي صادرات خدمات أميركية بقيمة 2 مليار دولار. وتشمل الصادرات الرئيسية الإضافية توربينات الغاز وحلول الطاقة من شركة GE Vernova بقيمة إجمالية 14.2 مليار دولار وطائرات الركاب من طراز Boeing 737-8 لشركة AviLease بقيمة إجمالية 4.8 مليار دولار. وفي قطاع الرعاية الصحية، ستستثمر شركة Shamekh IV Solutions, LLC مبلغ 5.8 مليار دولار، وتشمل الشراكات الاستثمارية العديد من الصناديق الخاصة بالقطاعات مع التركيز القوي على النشر في الولايات المتحدة - مثل صندوق الاستثمار في الطاقة بقيمة 5 مليارات دولار، وصندوق تكنولوجيا الفضاء والدفاع الجديد بقيمة 5 مليارات دولار، وصندوق إنفيلد سبورتس العالمي للرياضة بقيمة 4 مليارات دولار - كل منها يوجه رأس مال كبير إلى الصناعات الأمريكية، مما يدفع الابتكار، ويخلق وظائف عالية الجودة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كما وقعت أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ - ما يقرب من 142 مليار دولار، لتزويد المملكة العربية السعودية بمعدات وخدمات حربية متطورة من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاعية أمريكية، وتنقسم المبيعات التي تعتزم إكمالها إلى خمس فئات عريضة: (1) تطوير القوات الجوية والقدرات الفضائية، (2) الدفاع الجوي والصاروخي، (3) الأمن البحري والساحلي، (4) أمن الحدود وتحديث القوات البرية، و(5) ترقيات أنظمة المعلومات والاتصالات.
- ثانيا : قطر
وقّع الرئيس ترامب اتفاقيةً مع قطر تُسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار، كما أعلن عن صفقات اقتصادية بقيمة إجمالية تزيد عن 243.5 مليار دولار، بما في ذلك صفقة تاريخية لبيع طائرات بوينغ ومحركات جنرال إلكتريك للطيران إلى الخطوط الجوية القطرية، هي اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ. وتتمتع شركة "ماكديرموت" بشراكة قوية مع قطر للطاقة، حيث تبلغ قيمة سبعة مشاريع قيد التنفيذ 8.5 مليار دولار وفازت شركة بارسونز بثلاثين مشروعًا تصل قيمتها إلى 97 مليار دولار، وستستثمر قطر ما يصل إلى مليار دولار أمريكي في التقنيات المتطورة وتطوير القوى العاملة.
وأبرمت قطر صفقات عسكرية، حيث حصلت شركة رايثيون، التابعة لشركة RTX، على اتفاقية بقيمة مليار دولار أمريكي لشراء قطر أنظمة مضادة للطائرات المسيرة، وحصلت شركة جنرال أتوميكس على اتفاقية بقيمة تقارب ملياري دولار لشراء نظام الطائرات المسيرة عن بُعد MQ-9B. كما وقعت الولايات المتحدة وقطر بيان نوايا لتعزيز الشراكة الأمنية بشكل أكبر، والذي حدد أكثر من 38 مليار دولار من الاستثمارات المحتملة بما في ذلك دعم تقاسم الأعباء في قاعدة العديد الجوية والقدرات الدفاعية المستقبلية المتعلقة بالدفاع الجوي والأمن البحري.
- ثالثا : الامارات
أعلن الرئيس دونالد ترامب عن صفقات تجارية تزيد قيمتها عن 200 مليار دولار، ليصل إجمالي اتفاقيات الاستثمار في منطقة الخليج إلى أكثر من 2 تريليون دولار. فقد حصلت بوينغ وجنرال إلكتريك للطيران على التزام بقيمة 14.5 مليار دولار أمريكي من الاتحاد للطيران للاستثمار في 28 طائرة بوينغ 787 و777X أمريكية الصنع مزودة بمحركات جنرال إلكتريك. وفي أوكلاهوما، ستستثمر شركة الإمارات العالمية للألمنيوم في تطوير مشروع مصهر أولي للألمنيوم بقيمة 4 مليارات دولار، وهو أحد أول مصاهر الألمنيوم الجديدة في أمريكا منذ 45 عامًا، وتتعاون شركات إكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم وإي أو جي ريسورسز مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لتوسيع إنتاج النفط والغاز الطبيعي بقيمة 60 مليار دولار. كما تتعاون شركة RTX مع شركة الإمارات العالمية للألمنيوم ومجلس التوازن الاقتصادي الإماراتي في مشروع رائد للغاليوم، المادة الأساسية لأشباه الموصلات وتقنيات الدفاع، فيما تُوسّع شركة كوالكوم نطاق ابتكاراتها العالمية من خلال شراكات مع مكتب أبو ظبي للاستثمار سيركز على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات وإنترنت الأشياء الصناعي، مما يُسهم في تعزيز التحوّل الرقمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع دعم البحث والوظائف الهندسية في الولايات المتحدة، وزيادة الطلب على التقنيات الأمريكية. وأطلقت أمازون ويب سيرفيسز، ومجلس الأمن السيبراني في الإمارات العربية المتحدة منصة إطلاق السحابة السيادية لتسريع اعتماد خدمات السحابة العامة في الإمارات. من المتوقع أن تُسهم هذه المبادرة بمبلغ 181 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الرقمي للإمارات بحلول عام 2033.
▪︎ القيمة الفعلية للعقود
اثارت بعض وكالات الانباء دلالات القيمة الفعلية لهذه العقود التي ربما لاتصل الى قيمتها الاجمالية الى 700 مليار دولار مقابل تصريحات الرئيس ترامب عن ارقام تجاوزت 4 تريليون دولار، ويرجع بعض الخبراء الماليين في منتدى الخليج الدولي ان جولة ترامب الخليجية تسلط الضوء على هدف استراتيجي واضح، "إعادة تأكيد النفوذ الأمريكي وتعزيزه بين الشركاء والحلفاء القدامى". ويقول الدكتور خالد الجابر في تعليقه على هذا المنتدى "لطالما سهّلت المملكة العربية السعودية، باعتبارها ركيزة أساسية في استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط، المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية الأمريكية". ويضيف "مهمة ترامب توقيع عقود استثمارية ضخمة في صناعات متقدمة، يمكن ان تزيد من شعبية الرئيس المتدهورة حسب استطلاعات الراي العام، وفي ذات الوقت تواجه خصومه التجاريين مثل الصين في ضمان نوع الاتفاقات الاستثمارية مع دول هذه المنطقة وبعقود وصلت الى تريليونات الدولارات".
▪︎ اشباه الموصلات والذكاء الصناعي
يقول فريدريك كيمبي مدير المجلس الأطلسي للأبحاث، ان الحصول على الاموال ليس بالأمر السهل لكن السؤال عما يكون بعده في قياس الشركاء الخليجين حجم نجاحهم بمدى استعداد إدارة ترامب رفع القيود المفروضة على بيع مئات الآلاف من رقائق أشباه الموصلات المتقدمة، وينقل إجابة الرئيس ترامب خلال خطاب استثنائي في الرياض، بقوله "أمام أعيننا، جيل جديد من القادة يتجاوز الصراعات القديمة والانقسامات المرهقة في الماضي، ويصنع مستقبلاً عبر تعريف الشرق الأوسط بالتجارة، وليس الفوضى؛ حيث يصدر التكنولوجيا، وليس الإرهاب؛ ويبني الناس من مختلف الأمم والأديان والمعتقدات المدن معًا - وليس قصف بعضهم البعض لمحو الوجود". ويؤشر كيمبي ان التركيز الأكبر كان منصبًّا على إبرام الصفقات، حيث تُفضّل إدارة ترامب الاستفادة من تدفق الاستثمارات الخليجية على الانغماس في مشاكل المنطقة المُزمنة، فلم تنتهِ التهديدات الأمنية في الشرق الأوسط أو مفاوضات السلام، فهناك الحرب في غزة، وهناك جهود جديدة لكبح جماح إمكانات إيران النووية من خلال المفاوضات، وهناك حلم ترامب بإيجاد سبيل للتطبيع الدبلوماسي السعودي الإسرائيلي والتقدم المستمر نحو اتفاق نووي مدني مع المملكة. نبرة التشكيك التي تطغى على التحليلات الامريكية عن اليات ضمان عدم تسرب صناعة الذكاء الصناعي المتقدمة لخصومها لاسيما الصين وايران، تجعل الباحث "دانيال بيمان" من معهد الشرق الاوسط في واشنطن يحذر بالقول "يمثل الذكاء الاصطناعي مجالًا آخر لتعميق التعاون، إذ تشتري شركات الخليج أشباه موصلات أمريكية متطورة، وتستثمر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتقبل مبدئيًا ضمانات أمنية مشددة للحفاظ على مكانتها في المنظومة التكنولوجية الأمريكية ومنع تسربها إلى الصين، كما تستعد لتمويل جهود الذكاء الاصطناعي التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة في الولايات المتحدة". وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت أن إدارة ترامب تدرس تغيير القواعد القانونية في وزارة التجارة، بالتزامن مع صفقة من شأنها إرسال مئات الآلاف من شرائح الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما المصممة في الولايات المتحدة إلى شركة G42، وهي شركة إماراتية للذكاء الاصطناعي قطعت روابطها مع الشركاء الصينيين من أجل الشراكة مع الشركات الأمريكية.
▪︎ اسرائيل... الغائب الحاضر
في سياق متصل، يطرح معهد الامن القومي الاسرائيلي ما يصفه ب "تساؤلات مُلحّة" حول مدى تأثير إسرائيل على تحركات الإدارة الأمريكية المُستقبلية في المنطقة، مشددا بالقول "يجب على إسرائيل ضمان أن تعكس استراتيجيتها مصالح إدارة ترامب، وأن تُعدّل خطواتها لتحقيق أقصى استفادة من التقارب الأمريكي الخليجي المُتوقع، سواءً لتعزيز مصالحها الاستراتيجية أو لتجنب تهميشها لصالح السعودية، الحليف الإقليمي الرئيسي لواشنطن." من جانبه، يقول بول سالم الخبير في معهد الشرق الاوسط “حتى الآن، اتسمت سياسة الرئيس دونالد ترامب بلحظات من التأثير الواضح، ولكنها اتسمت أيضا بالغموض المستمر والطموحات غير المحققة"، موضحا، “إذا استطاع ترامب توظيف نفوذه ونفوذ الولايات المتحدة الكبير في المنطقة، فقد يحقق تحولا حقيقياً، بما في ذلك اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وإطار عمل جديد مع إيران، وشراكات تكنولوجية أعمق بين الولايات المتحدة والخليج، واختراقات دبلوماسية في لبنان وسوريا وإسرائيل وفلسطين" ويستدرك بالقول "مع الموازنة بين الأولويات المتنافسة في منطقة ممزقة، قد تحدد خطواته التالية حقيقة إذا كانت ولايته الثانية ستترك إرثًا دائمًا في الشرق الأوسط أم مجرد فصل آخر من الفرص الضائعة".
▪︎ ايران والملف النووي
كرر الرئيس ترامب في تصريحاته، رفضه حصول إيران على قنبلة نووية، ثم اشارته الى ان امير قطر يدافع عن إيران ونصحه بعدم استخدام القوة ضدها ووصفه بانه مدافع جيد عن إيران. يقول اليكس فانتاكا، الزميل الاول في معهد الشرق الاوسط "على الرغم من نبرة الرئيس الأمريكي المتذبذبة - إذ يدعو أحيانًا إلى نزع السلاح النووي على غرار ليبيا، ويُبدي مرونةً أحيانًا أخرى - فإن إيران اليوم تعتبره الزعيم الغربي الوحيد القادر على إبرام صفقة وتسويقها، لا يثق خامنئي بترامب، لكنه يبدو أنه يُقدّر منطقه البراغماتي، فعلى عكس الرئيس جو بايدن، لا ترى طهران أن ترامب مُقيّد بدبلوماسية التحالف أو التوافق عبر الأطلسي، فهو قادر على التحرك منفردًا، وهو ما يُناسب النظام في طهران الذي يسعى إلى تحقيق مكاسب سريعة ونتائج واضحة." موضحا "تعتقد طهران أن دول الخليج العربية - وخاصة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية، وربما حتى الإمارات العربية المتحدة - قادرة على لعب دور الوسيط الموثوق مع واشنطن، ولهذه الدول دوافعها الخاصة لمنع الحرب وتعزيز الاستقرار الإقليمي. في المقابل، أصبحت أوروبا طرفًا هامشيًا، على الأقل في الوقت الحالي