
ًما بين الفجوة الرقمية واقتصاد المعرفة... الذكاء الاصطناعي يهدد اليد العاملة عربيا!!

مراصد
25/5/2025، 9:22:38 ص
في الوقت الذي تُسارع فيه بعض الدول العربية إلى تبنّي سياسات التحول الرقمي، تواجه دول أخرى صعوبات حقيقية في مواكبة التطورات التكنولوجية، مما يُنذر باتساع الفجوة الرقمية حيث يشهد سوق العمل في الدول العربية تحولات متسارعة بفعل الثورة الرقمية واتساع نطاق استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يفرض تحديات كبيرة على الاقتصادات العربية.
ووفقاً لتقرير صادر عن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي عام 2024، من المتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على نحو 40% من الوظائف عالميًا، من خلال استبدال بعضها وتعزيز بعضها الآخر. وتشير التقديرات إلى أن الاقتصادات المتقدمة ستكون الأكثر تأثراً، حيث يتأثر نحو 60% من الوظائف فيها، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على اليد العاملة، وانخفاض الأجور، وحتى اختفاء بعض الوظائف في قطاعات معينة. لكن كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف المستقبلية؟ وما التحديات التي قد تواجه الأفراد والشركات في ظل هذا التطور المتسارع؟ ... هذه هي الأسئلة المحورية التي يعالجها هذا التقرير، عبر تحليل شامل للفرص والتحديات والسياسات اللازمة للتكيف مع هذا التحول.
▪︎ تفاقم التفاوت
يحذر تقرير صندوق النقد الدولي من أن إدماج الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل قد يؤدي إلى تفاقم التفاوت في الدخل، سواء بين الدول أو داخل الدولة الواحدة. ففي الوقت الذي سيتمكن فيه بعض العمال من الاستفادة من هذه التكنولوجيا لزيادة إنتاجيتهم، سيواجه آخرون - لا سيما كبار السن أو من يفتقرون إلى المهارات الرقمية - خطر التهميش المهني. لذا، يشدد التقرير على ضرورة اعتماد سياسات شاملة تحمي الفئات الأكثر هشاشة، من خلال برامج إعادة التدريب، وشبكات أمان اجتماعي تضمن انتقالًا عادلًا في ظل الثورة الرقمية. وفي هذا السياق، طوّر صندوق النقد الدولي مؤشرًا جديدًا لقياس جاهزية الدول لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، يأخذ في الاعتبار البنية التحتية الرقمية، وسياسات سوق العمل، ومستوى التعليم، والإطار التنظيمي والأخلاقي. وقد تصدّرت دول مثل سنغافورة والولايات المتحدة والدنمارك هذا المؤشر، في حين لا تزال الدول ذات الدخل المنخفض تواجه تحديات كبيرة تحول دون استفادتها من التحول الرقمي، مما ينذر باتساع الفجوة الاقتصادية عالميًا.
▪︎ تحديات التحول الرقمي
رغم التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، فإن أقل من 30% من القوى العاملة في الدول العربية تمتلك مهارات رقمية أساسية، وفق تقديرات أممية، مما يجعل التحول الرقمي تحديًا حقيقيًا. فعلى الرغم من الفرص التي يوفرها، تواجه أسواق العمل العربية تحديات بنيوية تعيق الاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتتمثل هذه التحديات في ضعف الوعي التقني والرقمي لدى شرائح واسعة من القوى العاملة، مما يحدّ من قدرتهم على التكيّف مع متطلبات السوق الجديدة. كما يشكّل قصور البنية التحتية الرقمية في بعض الدول عائقاً أمام تطوير بيئات عمل ذكية تعتمد على الأتمتة والتحليل البياني، خاصة في ظل ضعف سرعة الإنترنت ونقص الخدمات الرقمية. ومن بين أبرز التحديات النفسية والاجتماعية، تأتي مخاوف فقدان الوظائف التقليدية، حيث يخشى كثيرون من أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل وظائفهم. ومع ذلك، يشير الواقع إلى أن سوق العمل يعاد تشكيله، وتُخلق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة. غير أن نقص المهارات الرقمية، مثل تحليل البيانات، والتعلّم الآلي، والأمن السيبراني، يشكّل أحد أبرز العوائق أمام الشباب العربي للاندماج في السوق الجديد، مما يستوجب استثمارًا مكثفاً في التعليم والتدريب المهني. في المقابل، ما زالت الأنظمة في عدد من الدول تفتقر إلى أطر حوكمة واضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، مما يهدد بتحوّل هذه التقنية إلى أداة لزيادة التفاوت بدلاً من دفع عجلة التنمية. ويؤكد الخبراء أن تجاوز هذه التحديات يتطلب رؤية شاملة تقوم على تكامل الأدوار بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، لضمان انتقال عادل وفعّال نحو اقتصاد المعرفة.
▪︎ ضرورة التحول
يجمع الخبراء على أن التحول الرقمي لم يعد خيارًا مستقبليًا، بل ضرورة فرضتها المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية. ويتمثل التحدي اليوم في ضمان تكامل الأدوار بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، لبناء سوق عمل عربي قادر على الصمود أمام التحديات، وتحويل الذكاء الاصطناعي من تهديد محتمل إلى فرصة تنموية. كما يُجمع المراقبون على أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم العربي يتوقف على جدية الاستثمار في الإنسان أولًا، ثم في البيئة الرقمية، حيث لم يعد اللحاق بركب التطور العالمي ترفًا، بل شرطًا أساسيًا للحفاظ على موقع الاقتصادات العربية في المشهد العالمي المتغير. في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة محورية تؤثر في الاقتصاد وسوق العمل معًا. فقد أصبحت التقنيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في متناول الشركات والأفراد، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة العمل، والوظائف المطلوبة، وسرعة أداء المهام.
▪︎ موجات التغيير
شهد العالم عدة موجات من التغيير التكنولوجي التي أثرت بعمق على سوق العمل، بدءًا من الثورة الصناعية وصولًا إلى عصر الإنترنت. ومع ذلك، يُتوقع أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي أسرع وأعمق، إذ يؤدي التبني الواسع لتطبيقاته إلى تغييرات جوهرية في كيفية إنجاز المهام، وتعزيز الكفاءة والإنتاجية. وقد يسهم الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل هيكل سوق العمل في العديد من الدول، بما فيها المملكة المتحدة، إذ يوفّر الوقت ويزيد الإنتاجية في بعض القطاعات، ما يقلل من الطلب على الوظائف الروتينية. وفي المقابل، فإن القطاعات التي تتطلب تفاعلًا بشريًا معقدًا، مثل الرعاية الصحية والتعليم، قد تتأثر بشكل أقل، أو حتى تستفيد من الذكاء الاصطناعي. إذ يمكن استخدامه لتحسين جودة التعليم من خلال تقديم محتوى تعليمي مخصص، كما يُستخدم في الرعاية الصحية لتوفير تشخيصات مبكرة وعلاجات موجهة، ما يعزز إنتاجية القوى العاملة وصحتها. يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين ظروف العمل من خلال الأتمتة وتقليل المهام المتكررة، مما يجعلها أكثر كفاءة. كما يسهم في خلق بيئة عمل أكثر جاذبية وإنتاجية، لكنه في الوقت ذاته قد يزيد من الرقابة على الموظفين ويؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر الناتج عن متطلبات الأداء المرتفعة.
▪︎ سيناريوهات التحول
يرجّح الخبراء أربعة سيناريوهات رئيسة لتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، تختلف حسب سرعة انتشار التقنية وتأثيرها المحتمل على البطالة والنمو الاقتصادي :
- السيناريو الأول: الرياح المساعدة، تبنٍ معتدل للتقنية يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي، مع تأثير محدود على البطالة، بفضل إعادة توزيع العمال على وظائف جديدة.
- السيناريو الثاني: التيار القوي، تبنٍ سريع ومكثف يؤدي إلى مكاسب اقتصادية كبيرة وارتفاع مؤقت في البطالة، يعقبه استيعاب تدريجي للعمال في وظائف جديدة.
- السيناريو الثالث: العاصفة، تبنٍ سريع يسبق خلق فرص عمل جديدة، مما يؤدي إلى فقدان وظائف وارتفاع كبير في معدلات البطالة، يسبب أزمات قصيرة الأمد.
- السيناريو الرابع: النسيم، تبنٍ بطيء ومحدود، يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية طفيفة وتغيرات محدودة في سوق العمل.
▪︎ التحول الرقمي عربياً
ووفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي والأتمتة 97 مليون وظيفة جديدة بين عامي 2020 و2025، في حين سيتم الاستغناء عن 85 مليون وظيفة موجودة.
ويركّز التقرير على تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل بالدول العربية، وهي منطقة تضم أكثر من 460 مليون نسمة، من خلال استعراض واقع التبني، وتأثيره على التوظيف، والتحديات المرتبطة به، مع تقديم توصيات لصناع السياسات ورواد الأعمال.
لقد تأخرت الدول العربية عن غيرها في مجالات الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي، بسبب عوامل متعددة مثل عدم الاستقرار السياسي، والتحديات الاقتصادية، وعدم المساواة الاجتماعية، والفجوات التعليمية.
▪︎ الفرص والتوصيات
غير أن السنوات الأخيرة شهدت اهتمامًا متزايدًا واستثمارات مهمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بالرغبة في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات. وقد أطلقت عدة دول عربية استراتيجيات وطنية لتطوير الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من الفرص الواعدة، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وقانونية، بل ويشكّل تهديدات أمنية وجيوسياسية محتملة. إن الاستفادة الكاملة من فوائد الذكاء الاصطناعي والتقليل من مخاطره يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا واستثمارًا في رأس المال البشري. لذلك من الضروري أن يعتمد صانعو السياسات وقادة الأعمال في العالم العربي رؤى واضحة واستباقية للتأقلم مع الثورة الرقمية وتشكيل مستقبل العمل والمجتمع.