
بينالي البندقية للعمارة 2025 .. سخونة المدن تتحدى تكنلوجيا البناء

مراصد
26/5/2025، 8:10:51 ص
يبحث معرض "بينالي العمارة التاسع عشر" في البندقية عن إجابات حول تغير المناخ، حتى أن الألمان ينظمون "اختبار تحمل" داخل جناحهم في البندقية. ولم يعد الطقس المتطرف أمراً نادراً، سواء أكانت الأمطار الغزيرة أو الحرارة الشديدة أو الفيضانات أو الجفاف، وهذا ينطبق على الكرة الأرضية بأكملها.
وتعتبر أوروبا القارة الأسرع ارتفاعاً في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي، الذي هو من صنع الإنسان، حيث توفي في عام 2022 أكثر من 60 ألف شخص نتيجة لأمراض مرتبطة بالحرارة، وكان معظمهم يعانون من حالة مرضية موجودة من قبل، لكن درجات الحرارة المرتفعة وضعت ضغطاً إضافياً على الجسم. وفي العام التالي، وهو العام الأكثر حرارة منذ بدء تسجيلات الطقس، كان هناك أكثر من 47 ألف حالة وفاة مرتبطة بالحرارة، وهي أرقام لم تعد تترك المهندسين المعماريين والمخططين الحضريين يشعرون بالراحة. ويقول كارلو راتي، أمين معرض بينالي البندقية التاسع عشر للعمارة: "من أجل مواجهة عالم يحترق، يجب على الهندسة المعمارية استخدام كل الذكاء من حولنا". ويضيف، وهو ابن مدينة تورين الايطالية: "يجب على عالم البناء أن يقدّم ما يجب أن يقدّمه ليس في وقت ما، بل الآن!".
▪︎ الفكرة الكامنة
ويُعقد البينالي هذه المرة تحت شعار: "ذكاء، طبيعي، اصطناعي، جماعي"، ويكشف الشعار الضخم إلى حد ما عن الفكرة الكامنة وراء بينالي هذا العام، إذ يجب أن يوضع عالم البناء على المحك، ولتحقيق ذلك، يجب على الصناعة أن تجمع نقاط قوتها، وقبل كل شيء معرفتها من صناعة البناء إلى التخطيط الحضري والبناء. ويجب أن تجلس جميع الأجيال إلى الطاولة ويضعون عليها جميع التخصصات، من العلوم الطبيعية إلى الفنون، وهناك كل الأسباب لفعل ذلك، لأنه مع تفاقم تغير المناخ، يتزايد عدد الأيام الحارة ومعها تتزايد المخاطر الصحية على الناس خاصة في المدن، حيث يعيش نصف سكان العالم.
▪︎ المدن المغلقة
ويعد ارتفاع درجة الحرارة في مناطق التجمعات السكانية الكبرى، أكبر مصدر للقلق، والسبب الرئيسي لذلك هو أن العديد من المدن مغلقة بإحكام بشكل كبير، فالساحات والممرات وغيرها من الأسطح مُبلطة "بالحجارة أو البلاط مثلاً" أو "خرسانية أو أسفلتية". وهناك عدد قليل جداً من الأشجار التي توفر الظل وتساعد على تبريد المدينة، وتخزن الأسطح الداكنة درجات الحرارة المرتفعة في النهار، فتتكون الجزر الحرارية وترتفع درجة حرارة المدينة، والأكثر من ذلك، هو أنه أثناء هطول الأمطار الغزيرة، تمنع الأسطح، التي ليس بها مسام، عملية تسرب المياه إلى جوف الأرض، والنتيجة هي زيادة الحمل على أنظمة الصرف الصحي فتتعرض للانهيار، وهذا بمثابة حلقة مفرغة. ويقول بيتر كاشولا شمال، مدير متحف العمارة الألماني في فرانكفورت لمحطة "DW": "المشاكل معروفة، والحلول مطروحة منذ فترة طويلة على الطاولة، ولكن هناك نقص في التنفيذ، نحن بطيئون جداً"، ويستشهد بمثال على ذلك بميدان "باول أرنسبرغ بلاتس" في حي أوستند في فرانكفورت الذي كان يخشى في السابق بسبب أجوائه شديدة الحرارة، وبعد إعادة تصميمه وإعادة تشكيله، تنتشر الآن أحواض بها أشجار صغيرة.
وتتحدث مدينة فرانكفورت عن "الحاجة الملحة للتكيف مع المناخ"، ولم يقتنع المهندس المعماري "شمال" حتى الآن بالمشروع، فهو يرى أن المشروع فاتر ويقول ساخراً ل"DW": "نعم، الأشجار الصغيرة ستلقي بظلالها المناسبة في غضون 30 عاماً".
▪︎ مدن اسفنجية
بعد أن أصبح التكيف مع المناخ، هو موضوع الساعة، تضطر البلديات والمواطنون على حد سواء في بعض الأحيان إلى إنفاق الكثير من الأموال على هذا الأمر، وما ينقصنا هو القرارات السريعة غير البيروقراطية كما هو الحال في باريس، التي عانت من ارتفاع عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة بشكل خاص، وكان رد فعل عمدة المدينة "آن هيدالغو"، هو إعطاء مدينتها تحولاً جذرياً في حركة المرور، فقد تم تهدئة حركة المرور في وسط المدينة، وتمت مضاعفة رسوم وقوف سيارات الدفع الرباعي ثلاث مرات، وفُكّت صفوف من مواقف السيارات في الشوارع وتم تحويلها إلى مساحات خضراء للتنفس.
وفي باريس كان الرأي العام في حالة غليان، لكن هيدالغو حظيت بالإشادة في جميع أنحاء أوروبا.
في الوقت نفسه تعطي مدن أخرى مثل كوبنهاغن وروتردام مثالاً يُحتذى به من خلال تحويل نفسها إلى "مدن إسفنجية" محمية من الأمطار، لا يتم توجيه مياه الأمطار وتصريفها بعيداً، بل يتم امتصاص المياه من قبل المساحات الخضراء والأراضي الرطبة مثل الإسفنج.
▪︎ اختبار تحمل
الألمانية إليزابيث إندريس، أستاذة تكنولوجيا البناء في جامعة براونشفايغ، تدعو في مقابلة مع " DW " إلى ما لا يقل عن "ثورة بناء" عالمية، وتقوم إندريس مع المهندسة المعمارية نيكولا بورغمان من ميونيخ، ومهندس المناظر الطبيعية غابرييل كيفر والمهندس المعماري دانيل سانتوتشي بتنسيق مشاركة ألمانيا في بينالي العمارة في البندقية. الجناح الألماني، أي شخص يدخله سيكون بمقدوره أن يشعر بنفسه كيف سيكون المناخ الحضري المستقبلي، حار وخانق وخطير، "اختبار تحمل" هو اسم المعرض الشامل، الذي يصاحبه فيلم قص ولزق والكثير من المعلومات والأعمال الفنية، بما في ذلك فيديو لكريستوف بريتش يدق فيه جرس كإنذار.
▪︎ البناء في زمن التغير المناخي
الى ذلك يبدو أن الرسالة قد وصلت بالفعل إلى العديد من الناس، ففي فرانكفورت على سبيل المثال تضافرت جهود نشطاء المناخ من مختلف الأعمار لتنظيم "زراعة المدينة"، فهم يزرعون الجزر المرورية وغيرها من المساحات الخضراء ويزرعون الفاكهة والخضروات باعتبارهم "أبطال الخضروات"، كما أعلنوا أنفسهم. كما تساهم اللافتات المعلقة على أشجار مدينة برلين في حماية المناخ، والتي كتب عليها "اسقني الماء". ولطالما كان البناء الصديق للمناخ أيضاً موضوعاً لمعارض المتاحف، فابتداءً من شهر يونيو حزيران المقبل، سيقدم متحف العمارة الألماني في فرانكفورت سلسلة كاملة من المشاريع الناجحة، عنوان المعرض هو "العمارة والطاقة: البناء في زمن التغير المناخي".
▪︎ سوف نعاني
هل يكفي بينالي العمارة لإحداث نهضة جديدة، تتساءل إندريس المنسقة من براونشفايغ: وتقول "سيأتي الزخم تلقائياً"، الأرقام والتوقعات تتحدث عن نفسها: "سوف نعاني". وحيثما يكون مستوى المعاناة مرتفعًا بما فيه الكفاية، سيتم اتخاذ الإجراءات بسرعة، وتضيف، "المدن التي استعدت جيداً ستخرج منها بشكل جيد، أما المدن الأخرى فلن تكون كذلك". من جهتها.. تقول المنسقة المشاركة نيكولا بورغمان، مديرة معرض ميونيخ للعمارة: "الأمل في أن تتغير الأمور موجود، ولكن يجب أن يكون بشكل أسرع بكثير، وإلا فإن المدن الأوروبية لن تكون صالحة للسكن في غضون بضعة عقود".
▪︎ ثلاثة مواقع واكثر من 750 مشاركاً
وسيقام المعرض في ثلاثة مواقع رئيسة، وتتضمن، 26 جناحا في" Giardini "، و 22 في "Arsenale" و 15 جناحاً منتشرة في جميع أنحاء وسط مدينة البندقية في إيطاليا. كما سيجمع معرض بينالي البندقية للعمارة في نسخته الحالية أكثر من 750 مشاركاً، ويشكلون فرقاً متعددة التخصصات ومتعددة الأجيال، ومن المتوقع أن يكون الأكبر في تاريخ البينالي. وسيبحث المشاركون في البينالي مجموعة من المواضيع المتنوعة من بينها، الذكاء الاصطناعي. ويجمع المعرض بين المهندسين المعماريين والمهندسين وعلماء الرياضيات والعلماء وعلماء المناخ وغيرهم من المتخصصين للجمع بين وجهات نظر متنوعة حول مسؤولية الهندسة المعمارية للتكيف مع عالم متغير، كما يتم تسليط الضوء على المفهوم التقليدي للتأليف المعماري.
▪︎ 65 جناح دولي
ويشتمل المعرض الدولي للعمارة – بينالي البندقية 2025 على 65 جناحاً دولياً وهي: "جناح ألبانيا، والأرجنتين، وأرمينيا، وأستراليا، والنمسا، وأذربيجان، والبحرين، وبلجيكا، والبرازيل، وبلغاريا، وكندا، وتشيلي، والصين، وكرواتيا، وقبرص، والدنمارك، ومصر، وإستونيا، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، ولوكسمبورغ، وبريطانيا العظمى، واليونانغرينادا، والكرسي الرسولي، والمجر، وأيسلند، وأيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وكوسوفو، والكويت، ولاتفيا، ولبنان، وسلوفينيا، وليتوانيا، والمكسيك، والجبل الأسود، والمغرب، وهولندا، ودول الشمال الأوروبي "السويد والنرويج وفنلندا"، ومقدونيا الشمالية، وعمان، وباكستان، وبيرو، والفلبين، وبولندا، والبرتغال، وقطر، ورومانيا، والمملكة العربية السعودية، وصربيا، وسنغافورة، وإسبانيا، وسويسرا، وتايلاند، وتوغو، وتركيا، وأوكرانيا، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، وأوروغواي، وجناح أوزبكستان".
▪︎ تكيف العمارة مع المستقبل
ويدور الموضوع الرئيس للمعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية 2025، حول التكيف مع تغير المناخ، وسيتعمق البينالي في السيناريوهات المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المناخية المتوقعة في البندقية خلال القرن المقبل والتحولات السكانية.
ومن بين الموضوعات التي تم تناولها، الفيضانات الاصطناعية، وتأثير ديناميكيات السكان على مدننا، والتداخلات بين التخطيط الحضري وعلم الجراثيم.
كما سيسلط البينالي الضوء على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للتخطيط الحضري، ويوضح كيف يمكن أن يساعد في اكتشاف النفايات التي يمكن إعادة استخدامها في جهود إعادة البناء، وتحويل المدينة إلى مكان للتعدين الحضري.
▪︎ المشاركة العربية
في إطار يدعم تسليط الضوء على الجهود البحثية والعملية لتوثيق العمارة النجدية بالرياض، تشارك المملكة العربية السعودية في بينالي البندقية للعمارة 2025 ممثلة في الجناح الوطني الذي يوثق حضوره في البينالي من خلال معرضه المعماري الذي يفتح أبوابه أمام الزوار بعنوان "مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط". ويعد الجناح الوطني السعودي بمثابة حلقة وصل فكرية وثقافية يفتح أبوابه ضمن فعاليات بينالي البندقية للعمارة، ويسلط بدوره الضوء على استكشاف العمارة بوصفها أداة فاعلة لاكتساب المعارف الجماعية، وترسيخ الممارسات المكانية الجديدة، في مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية المعاصرة. وتسجّل سلطنة عُمان مشاركتها الأولى في المعرض الدولي التاسع عشر من بينالي البندقية للعمارة عبر جناحها الوطني "أثر"، بإشراف القيّمة الفنية والمعمارية العُمانية ماجدة الهنائي، يستلهم الجناح تصميمه من السبلة، تلك المساحة التقليدية للحوار والتجمّع في عُمان، ليقدّم تصورًا معماريًا معاصرًا يستند إلى استمرارية الثقافة المحلية وذكاء الفضاءات المجتمعية. ويشكّل "أثر" مساحة للضيافة والتأمل والتجمع، يستند إلى منطق البنى المدنية غير الرسمية المنتشرة في عُمان ويُعيد تصورها بما يواكب متطلبات الحياة العامة المعاصرة.
وفي هذا السياق، صرّحت المهندسة ماجدة الهنائي قائلةً: يقدّم "أثر" إطاراً مكانياً نابعًا من الذكاء الثقافي للممارسات العُمانية، ويظهر كيف يمكن للعمارة أن تنشأ من أنظمة موروثة في البناء والصيانة والتكيّف، وتضيف "أثر" ليس رمزاً للتقاليد، بل نموذج عملي لإعادة تصوّر المساحات المدنية من خلال المعرفة المتجذّرة". وتُوّجت مملكة البحرين بجائزة "الأسد الذهبي" لأفضل مشاركة وطنية في النسخة التاسعة عشرة من المعرض الدولي للعمارة – بينالي البندقية 2025، وذلك عن جناحها المتميز "موجة حر". وتُعد هذه الجائزة أرفع تكريم يُمنح في بينالي البندقية للعمارة، وتُمنح لأفضل جناح وطني يُظهر تفوقًا في التصميم والرؤية المعمارية ويعكس انسجامًا مميزًا مع الموضوع العام للمعرض.