
تأرجح أسواق الطاقة... مطالبات بتدابير مالية ونقدية لمواجهة تراجع إسعار النفط

مراصد
27/5/2025، 10:12:57 ص
دعا خبراء مهتمون في شؤون الطاقة والإقتصاد الجهات التنفيذية الى إعتماد تدابير مالية ونقدية وقائية لمواجهة تراجع أسعار النفط عن حاجز 70 دولار للبرميل في أسواق الطاقة الدولية، وأكدوا ان هذا التراجع يرتبط بمتغيرات دولية وإقليمية وقرارات تحالف الأوبك بلس، وسط عدة سيناريوهات متوقعة ما بين الأسوأ في هبوط أسعار النفط الى 40 دولار للبرميل ، مقابل السيناريو الأفضل في البقاء عند سقف 60 دولار للبرميل وربما انتعاش الأسواق النفطية بعد احتواء جائحة الرسوم الكمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخلخلت أسواق التوريد الدولية، مشيرين الى صعود سعر خام برنت ليتداول قرب 61 دولاراً للبرميل بعد ان أعادت الأسواق الصينية فتح أبوابها وتصريح الرئيس ترامب عن إمكانية التفاهم بين واشنطن وبكين في موضوع الرسوم الكمركية والتبادل التجاري بين البلدين.
وكان سعر خام برنت قد تراجع بنحو 10% خلال الأيام الماضية. وعن افضل الاليات المتبعة في التعامل مع تقلبات أسعار سوق النفط، أوضحت مصادر مطلعة ل "مراصد"، "هناك جوانب فنية وإدارية في إجراءات البيع في السوق الدولي للطاقة، وما زال النفط العراقي عند حافات السعر الأعلى بحدود 60 دولار للبرميل وربما اعلى، فيما اعتمد سقف 70 دولار للبرميل في تخصيص قانون الموازنة العامة 2025 على الرغم من تجاوز أسعار النفط حاجز 80 دولار للبرميل في الشهرين الماضيين" وأضافت، "يؤدي ذلك الى ظهور عجز إضافي بقيمة هذا الهبوط، مقابل الوصول المتاح لفارق السعر في مبيعات الأشهر الماضية. وتابعت، "كذلك يتطلب تعظيم الموارد غير النفطية او البحث عن بدائل مالية أخرى لتمويل الموازنة وهي حالة سبق وان عرفت في الإدارة المالية والنقدية خلال مراحل من تقلبات أسعار النفط لاسيما في جائحة كورنا ". واستدركت بالقول "وقائع الغد المنظور ما زالت تحت سيطرة الإدارة المالية والنقدية، وتحتاج الى مراقبة دقيقة لأسواق الطاقة والتقارب مع اتجاه الحفاظ على مصالح المنتج والمستهلك في اجتماعات أوبك بلس الشهرية بما يضمن مصالح العراق في توفير افضل الموارد المالية من ريع نفطه".
▪︎ التزام عراقي
وكان وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، قد اشار في تصريح صحفي بأن انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية أثّر بشكل كبير على موارد الدولة، مؤكدا "أن أسعار النفط قبل نحو شهرين تجاوزت 80 دولاراً للبرميل، لكنها انخفضت حالياً إلى نحو 60 دولاراً، مما يعني تراجعاً ملحوظاً في الإيرادات الحكومية". وجدّد عبد الغني التزام العراق بوحدة وقرارات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مشيراً إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط انعكس سلباً على الإيرادات العامة اللازمة لتغطية متطلبات الموازنة الاتحادية للعام الحالي، في ظل الإخفاق المستمر في التوصل إلى اتفاق مع شركات النفط العاملة في إقليم كردستان لاستئناف تصدير الخام، رغم استمرار المفاوضات لأكثر من عامين.
مشيرا الى ان "وزارة النفط لم تتسلّم حتى الآن أية كميات من النفط الخام من الحقول النفطية في إقليم كردستان، ما يعني خسارة نحو 300 ألف برميل يومياً، وهي كمية محسوبة على حصة العراق وفق الاتفاقات المبرمة داخل منظمة أوبك"، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وتابع: "لدينا خطة طموحة للوصول إلى إنتاج 6 ملايين برميل يومياً خلال عامين، وتمتلك الوزارة حالياً القدرة على إنتاج 5 ملايين برميل يومياً خارج الإقليم، لكننا ملتزمون بحصص الإنتاج التي تحددها منظمة أوبك، والتي تبلغ حالياً 4 ملايين برميل يومياً". في هذا السياق، تراجعت أسعار النفط بأكثر من دولارين للبرميل في مستهل التعاملات الآسيوية، مع اتجاه تحالف "أوبك+" لتسريع وتيرة زيادة الإنتاج بعد ان أعلنت ثماني دول في تحالف "أوبك+”، زيادة كبيرة في إنتاج النفطف في حزيران المقبل، على رغم خطر تراجع الأسعار المنخفضة أصلاً. وفي بيان صحافي صادر عن منظمة "أوبك"، اشار الى إنه "في ضوء أسس السوق الإيجابية الحالية، كما يتضح من انخفاض المخزونات النفطية، وبناء على ما اتفق عليه في اجتماع 5 كانون الثاني 2024 بشأن الاستعادة التدريجية والمرنة لتعديلات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً اعتباراً من 1 نيسان 2025، قررت الدول المشاركة تنفيذ تعديل في الإنتاج قدره 411 ألف برميل يومياً في شهر حزيران 2025 مقارنة بمستوى الإنتاج المطلوب في أيار 2025، وهو ما يعادل ثلاث زيادات شهرية". وتضم قائمة الدول الثماني كلاً من السعودية وروسيا والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عمان.
وبحسب البيان، يمكن إيقاف هذه الزيادات التدرجية أو عكسها بحسب تطورات أوضاع السوق، وتوفر هذه المرونة للدول إمكانية الاستمرار في دعم استقرار السوق النفطية، وأشارت الدول الأعضاء إلى أن هذا الإجراء سيتيح الفرصة للدول المشاركة لتسريع عملية التعويض عن الفترات السابقة. وأكدت الدول الثماني مجدداً التزامها الجماعي الكامل بالامتثال لإعلان التعاون، بما في ذلك التعديلات التطوعية الإضافية في الإنتاج التي تقرر أن تتم مراقبتها من قبل اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة "JMMC" خلال اجتماعها الـ53 المنعقد في الثالث من نيسان 2024، كما جددت الدول تأكيدها على نيتها في التعويض الكامل عن أية كميات تم إنتاجها بما يزيد على المقرر منذ كانون الثاني 2024. وبعد إعلان الزيادة، ذكرت وكالة "تاس" الروسية الرسمية للأنباء، أن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك حث دول "أوبك بلس"، على المساهمة بشكل متكافئ في توازن العرض والطلب في سوق النفط. ونقلت الوكالة عن نوفاك قوله إن دول "أوبك بلس" يمكنها أن تنتج كميات أكبر بكثير من النفط، لكنها تكبح الإنتاج. وحث دول "أوبك بلس" على الالتزام بقيود إنتاج النفط وخطة التعويض.
▪︎ اراء عراقية
في رده على سؤال "مراصد" يقول الخبير النفطي العراقي فلاح العامري، ان انخفاض اسعار النفط الى مستويات غير مقبولة لدولها فان تلك الدول سوف تضطر الى دفع منظمة اوبك وتحالف اوبك بلس الى تخفيض الانتاج لدعم الاسعار. ويوضح العامري "ربما يؤدي ذلك الى انخفاض اسعار النفط مؤقتا، وكلما انخفض سعر النفط العراقي بعيدا عن 70 دولار للبرميل المثبت في الموازنة فانه يوثر على العراق، علما ان سعر النفط العراقي لغاية نهاية نيسان لازال فوق 70 دولار"، واضاف "لكن إذا استمر انخفاض الاسعار واصبحت ضمن نطاق 60-69 دولار للبرميل في الاشهر المتبقية من السنة فهذا سيؤدي إلى انخفاض اسعار النفط وتنخفض الإيرادات المتوقعة ضمن الموازنة السنوية". ويتفق معه كوفاند شيرواني، استاذ اقتصاد النفط، اذ يعتبر هذا القرار الاخير لشهر واحد فقط وسيكون هناك اجتماع مقبل في شهر ايار وستبقى دول هذا التحالف تراقب اسواق الطاقة واذا استلزم الامر يمكن ان توقف العمل بهذا القرار وربما تعكسها اذا كان ذلك ضروريا لمواجهة أي تقلب في اسعار النفط، واضاف شيرواني في حديثه ل" مراصد" ان الانسجام بين دول الاوبك بلس لم يعد كما كان في السابق ونسبة الالتزام بالقرارات لحصص الانتاج ليس 100% وبعض الدول لم تلتزم مثل العراق وكازاخستان لأسباب تتعلق بها ، العراق اشار الى انه يعمل على تعويض هذا الفارق خلال الاشهر المقبلة، فيما لم يصدر أي شيء عن كازاخستان حتى الان.
لكن يبدو ان القرار الاخير بتأثير من السعودية وروسيا كنوع من الرد على هاتين الدولتان بسبب تجاوزهما لحصصهما الانتاجية، ولكن بالتأكيد عندما يطلق الانتاج بهذا الشكل يؤدي حتما الى انخفاض الاسعار بشكل مريع، فضلا عن اهمية تحدي إمدادات النفط الصخري الأميركي الاعلى في كلفة الانتاج بما يحقق لدول اوبك بلس قدرات في اسواق الطاقة للتعامل بأسعار أفضل. وعبر شيرواني عن امانيه ان يبقى هذا التحالف أكثر تماسكا في المرحل المقبلة كما كان منذ ان تم تشكيله في 2016 وفاعلية قراراته في الحفاظ على اسواق الطاقة ومصالح الدول المنتجة وعدم خلق أي ارباك في تدفقات الطاقة الى الدول الصناعية الكبرى وبقاء عجلة الاقتصاد الدولي تدور بشكل منتظم.
▪︎ قنبلة في سوق النفط
وتعليقاً على بيان اوبك بلس، قال المحلل من شركة "ريستاد إنرجي" جورج ليون إلى وكالة "فرانس برس" إن " أوبك بلس" ألقى قنبلة للتو في سوق النفط". وأضاف "بعد الإشارة التي قدمها نيسان الماضي، يُرسل القرار المُتخذ رسالة واضحة وهي أن المجموعة تغير إستراتيجيتها وتسعى إلى استعادة حصتها في السوق بعد أعوام من التخفيض".، ووفق وجهة نظر المحلّل، يهدف هذا التغيير في الإستراتيجية أيضاً إلى إقامة "علاقات جيدة مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب". وعمدت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بقيادة السعودية، إلى تشكيل تحالف "أوبك+" عام 2016 مع دول أخرى من بينها روسيا، للتعامل مع التحديات التي تواجهها السوق. من جانبه، قال مستشار الطاقة لدى " Hawk Energy"خالد العوضي إن قرار "أوبك بلس" بزيادة الإمدادات تمثل خطوة مفاجئة، وللمرة الثالثة تعلن الزيادة، متوقعا زيادات للإنتاج من "أوبك بلس" 3 مرات أخرى.
وأضاف في مقابلة مع "قناة العربية " أن إجمالي ما تم الإعلان عنه من قبل "أوبك بلس" يشمل زيادة على 3 مراحل تعادل نحو مليون برميل يوميا، لتعويض ما تم تخفيضه قبل عام بنحو 2.25 مليون برميل يوميا وحتى يتم الوصول إلى هذا المستوى مجددا بنهاية العام أو ربما في شهر ايلول 2025 ستحدث زيادات جديدة. وذكر أن الشركات العالمية المنافسة لـ"أوبك" مثل إكسون موبيل و بي بي غيرت من سياساتها، حيث أعلنت خلال مؤتمري كوب 28 وكوب 29، عن خطط في الطاقة الخضراء والابتعاد عن الوقود الأحفوري، ولكن بعد نتائج أرباح عامي 23 و 24 غيرت من خططها لأنها تكبدت خسائر كبيرة بسبب الطاقة الخضراء وارتأت العودة إلى الوقود الأحفوري، الذي كانوا ينسحبون منه.
ويربط كبار محللي سوق الطاقة بين انخفاض اسعار النفط الخام الأمريكي القياسي (CL.1) بنسبة 18.6% في نيسان الماضي، مسجلةً بذلك أكبر خسارة شهرية لها منذ تشرين الثاني 2021، لذلك يؤكد مايكل لينش، رئيس شركة الأبحاث الاستراتيجية للطاقة والاقتصاد ان "يتأرجح السوق بين احتمال ركود اقتصادي ناجم عن الرسوم الجمركية، وتقلب التوقعات بشأن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، والمحادثات الأوكرانية، والتي قد تؤدي أي منهما إلى زيادة الإمدادات، بالإضافة إلى التحركات الواضحة من أوبك+ لتقليص الحصص في سوق ضعيفة". وأضاف هانسن "زيادة الإنتاج، التي شجعت عليها السعودية تهدف إلى تحدي إمدادات النفط الصخري الأميركي بقدر ما تهدف إلى معاقبة الأعضاء الذين استفادوا من ارتفاع الأسعار بينما كانوا يتباهون بحدود إنتاجهم".