
بروكسل ولندن... تقارب دفاعي على خلفية تراجع الدعم الأمريكي

مراصد
27/5/2025، 10:14:06 ص
منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم يُدرج الدفاع في جدول أعمال التعاون بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وعوضًا عن ذلك، شكّل حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الأطر الثنائية الإطارَ الافتراضي - والمفضّل غالبًا - للتعاون الدفاعي عبر القناة، مما يعكس غياب الرغبة السياسية في اتباع نهج ثنائي يركز على الجانبين، ولكن ... تغير هذا الوضع في غضون أيام من عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.
فقد اتضح فجأةً جلياً للندن وبروكسل أن أمريكا لم تعد راغبة في أداء دورها التقليدي كمجهز للأمن الاوروبي. وتحرص بريطانيا والاتحاد الأوروبي الآن على تحديد النهج المؤسسي الأمثل والمجالات ذات الأولوية للتعاون الدفاعي. ويُعد اتفاق الدفاع والأمن بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، خطوة أولى مهمة في نهج أوسع ومتعدد الجوانب لتعزيز التعاون الدفاعي.
▪︎ قمة العودة
استضافت لندن، قمة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ناقش خلالها القادة مواضيع عدة شملت الدفاع، والتجارة، وحقوق صيد الأسماك، وأبرمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاقا غير مسبوق يحدد ملامح علاقات أوثق بينهما في مجالي الدفاع والتجارة ويفتح فصلا جديدا بعد خروج المملكة المتحدة المثير للجدل من بريكست قبل خمس سنوات. وفي افتتاح القمة، قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إن الاتفاق بين الطرفين "مُنصِف ويمثل بداية عصر جديد في علاقتنا"، مضيفاً: "نحن نتفق على شراكة استراتيجية جديدة تناسب متطلبات زمننا"، وأكد خلال مؤتمر صحفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاتفاق "جيد للطرفين". وأشار ستارمر إلى أن المملكة المتحدة ستجني "فوائد حقيقية وملموسة" في مجالات، مثل "الأمن، والهجرة غير النظامية، وأسعار الطاقة، والمنتجات الزراعية والغذائية، والتجارة"، بالإضافة إلى "خفض الفواتير، وتوفير فرص العمل، وحماية الحدود". من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، إن هذا اليوم يمثّل "طيّاً لصفحة وافتتاحاً لفصل جديد"، مؤكدة أهمية هذا الاتفاق، في ظل، "تصاعد التوترات الجيوسياسية".
واضافت "الرسالة التي نوجهها للعالم اليوم هي أنه في ظل عدم الاستقرار العالمي، وبينما تواجه قارتنا أكبر تهديد تواجهه منذ أجيال، فإننا في أوروبا متحدون ودخلت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، حقبة جديدة من التعاون المناخي، بتعهدهما بربط أسواق الكربون لتجنب الرسوم التجارية وإعادة ضبط العلاقات". وجاءت هذه التطورات بعد مفاوضات استمرت لأشهر، واتفق الجانبان على رفع القيود المفروضة على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، في مقابل تمديد بريطانيا حقوق الصيد للاتحاد الأوروبي في مياهها الإقليمية لمدة 12 عاماً إضافياً. ومن المفترض أن تؤدي شراكة الدفاع إلى إجراء محادثات منتظمة أكثر، مع احتمال مشاركة بريطانيا في بعثات عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن إمكانية استفادة لندن الكاملة من صندوق دفاعي بقيمة 167 مليار دولار اتفقت دول الاتحاد على إنشائه، لكن العديد من التفاصيل المتعلقة بالشراكة الدفاعية ستُترك لتُنجز لاحقاً. ومن شأن الاتفاق كذلك "أن يؤدي إلى تنفيذ الغالبية العظمى من عمليات نقل الحيوانات ومنتجاتها والنباتات ومنتجاتها بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى الشهادات أو إجراءات الرقابة المعمول بها حالياً". كما اتفق المفاوضون على صياغة عامة تؤجل التفاوض إلى وقت لاحق فيما يتعلق بمسألة تنقل الشباب، إذ تخشى لندن أن يُؤدي أي برنامج لتنقل الشباب إلى عودة حرية التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ورفض ستارمر العودة إلى حرية الحركة الكاملة، لكنه منفتح على برنامج تنقل يتيح لبعض الشباب البريطانيين والأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، التنقل من أجل الدراسة والعمل في المملكة المتحدة وبالعكس. وأشارت رئاسة الحكومة البريطانية (داونينغ ستريت)، في بيان إلى أن هذا الاتفاق سيضيف "ما يقرب من 12 مليار دولار إلى الاقتصاد البريطاني بحلول عام 2040".
▪︎ التنسيق الصحيح
حتى الآن، وإلى جانب إطار حلف الناتو، كان التعاون الدفاعي العابر للحدود يتم في معظمه من خلال ترتيبات ثنائية أو مصغرة مخصصة، مثل معاهدة لانكستر هاوس الفرنسية البريطانية لعام ٢٠١٠، واتفاقيات ترينيتي هاوس الألمانية البريطانية لعام ٢٠٢٤. وقد أثرت الاختلافات الأيديولوجية، ومؤخرًا ندوب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على هذا التفضيل للتحالفات المرنة على الأطر المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وتُظهر صيغٌ مثل القوة الاستكشافية المشتركة ومجموعة فايمار + أو مجموعة الدول الخمس الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، والمملكة المتحدة)، إلى جانب الجهود الفرنسية البريطانية لدعم أوكرانيا، هذا التوجه بشكل أكبر. يقول "كامبل جراند" في دراسة نشرت على موقع مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الاوربي، يمكن أن يُشكّل هذا التفضيل لـ"تحالفات الراغبين" وغيرها من أشكال التعاون غير الرسمية، نقاط انطلاق مفيدة. على سبيل المثال، لن تُعقد أي محادثات نووية بين الأوروبيين تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. ستظل الصيغ الثنائية ذات أهمية، كما تُظهر النتائج الأولية لاتفاقية "ترينيتي هاوس" والقمة الفرنسية البريطانية المهمة المُحتملة في يوليو 2025. يبدو إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يوفر فرصة جيدة لتحديد النغمة لعلاقة أقوى وأكثر رسمية، ولكنه سيتطلب جهودًا ثابتة وحسنة النية من كلا الجانبين، على سبيل المثال، ليس لدى المملكة المتحدة ترتيبات إدارية مع وكالة الدفاع الأوروبية، بينما لدى أمريكا والنرويج وسويسرا وأوكرانيا وصربيا جميعها ترتيبات مماثلة. تُعدّ هذه الترتيبات شروطًا رسميةً أساسيةً للتعاون الفعلي مع الوكالة. ولسد هذه الفجوة، ستحتاج لندن إلى التخلي عن نهجها القائم على الدفاع عن وصول أطراف ثالثة إلى مشاريع الاتحاد الأوروبي، والسعي بدلاً من ذلك إلى سبل للمشاركة بشكل أوثق بما يتماشى مع مصالحها الوطنية. من جانبه، يتعين على الاتحاد الأوروبي الاعتراف بأن المملكة المتحدة (مثل النرويج) جزءٌ مهمٌ من القاعدة الصناعية الدفاعية والتكنولوجية الأوروبية (EDTIB)، وبالتالي ينبغي أن تكون شريكًا متميزًا عن الأطراف الثالثة الأخرى حول العالم. لكن كاتب الدراسة يرى ان "هذا الوضع الراهن يشجع على بدء العمل على شروط وأحكام فصل جديد في العلاقة الدفاعية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ومع بدء هذا العمل، هناك ستة مبادئ توجيهية ينبغي على صانعي السياسات على جانبي القناة البريطانية مراعاتها"
وتحدد الدراسة مبادئ التعاون، في توفير الأمن لأوكرانيا في اتفاق الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي ومعظم دوله الأعضاء على ضرورة التوصل إلى تسوية لا تقوض سيادة أوكرانيا على المدى الطويل ولا تُعرّض الأمن الأوروبي للخطر من خلال تشجيع روسيا. ولا تزال مسألة الضمانات الأمنية مطروحة على الطاولة في ظل تحالف راغبين بقيادة فرنسية بريطانية. الامر الثاني في هذه المبادئ، معالجة العوائق التي تحول دون إقامة علاقة أوثق، حيث يتعين على لندن وبروكسل معالجة العوائق الهيكلية التي تعيق التعاون. من شأن توقيع اتفاقية إدارية مع وكالة الدفاع الأوروبية أن يُسهّل المشاركة البريطانية الكاملة في مشاريع التعاون الهيكلي الدائم، والعمل على اظهار التعاون الصناعي القوي متعدد القنوات، والذي يضم مجموعة واسعة من شركات الدفاع، بما في ذلك بعض الشركات الأوروبية، وتقدم صناعة الدفاع البريطانية الكثير لأوروبا، وستستفيد استفادةً هائلةً من تطوير شراكاتها الأوروبية في ظل التوسع السريع للسوق الأوروبية. يضاف الى ذلك، حسب هذه الدراسة، إعادة إطلاق ومراجعة اتفاقية إطار عمل خطاب النوايا لعام 2000،التي وقّعها وزراء دفاع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة في فارنبورو. جمعت المعاهدة أكبر ستة لاعبين في صناعة الدفاع الأوروبية، وهدفت إلى إنشاء الإطار السياسي والقانوني اللازم لتسهيل إعادة هيكلة الصناعة، بما يُعزز تنافسية ومتانة قطاع الدفاع الأوروبي (EDTIB) في سوق الدفاع العالمي، وذلك من خلال معالجة ستة مجالات: أمن التوريد، وإجراءات النقل والتصدير، وأمن المعلومات، والبحث، ومعالجة المعلومات التقنية، ومواءمة المتطلبات العسكرية. في بيئة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يُمكن تكييفها مع الدور الجديد لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، مثل وكالة الدفاع الأوروبية. ومع ذلك، فإن نطاقها وإطار عملها مُلائمان لمواجهة تحديات العصر. كما تزعم الدراسة تعزيز العلاقة بين الناتو والاتحاد الأوروبي ولكن بمنهجية منقحة بشكل جذري ، وتقول "قد يبدو هذا للوهلة الأولى مهمةً بيروقراطية، إلا أنه متشابكٌ بعمق في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. بصفتها مدافعًا قويًا عن التحالف عبر الأطلسي وحليفًا مؤثرًا داخل حلف الناتو، لطالما كانت المملكة المتحدة في طليعة المدافعين عن تفوق الناتو في مجال الدفاع. وقد تجلى هذا بوضوح منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث انتقدت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي لتطويره قدراتٍ ذاتية. في دفاعها الحماسي عن الناتو، غالبًا ما بدت المملكة المتحدة مُفسدةً للنقاش مع الاتحاد الأوروبي أكثر منها مُروجةً لعلاقة متوازنة".
▪︎ إعادة ضبط علاقات
من جانبها، تقول "الفايننشال تايمز" في تعليق لها على هذه الاتفاقية الجديدة بين بروكسل، مقر الاتحاد الاوربي ولندن، بانه "خطوة رمزية لطريق طويل “مؤكدة على أن الاتفاق الأخير لايشكل تنازلاً جوهرياً، كما أنه لا يُعد إنجازاً بالغ الأثر في مضمونه العام. لكنه، على غرار الاتفاقات التجارية التي أبرمتها المملكة المتحدة مؤخراً مع كل من الهند والولايات المتحدة، يمثل خطوة جديرة بالاهتمام.
وتكمن أهميته أساساً في رمزيته، إذ يُعد أول اتفاق شامل على مستوى المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي منذ خروجها من التكتل، ويعكس اعترافاً متبادلاً بأن تعزيز التعاون يخدم مصالح الطرفين.
وتضيف "بالنظر إلى نفوذ الجيش البريطاني وصناعاته الدفاعية، فإن جوهر الاتفاق يتمثل بحق في ميثاق أمني ودفاعي، من شأنه أن يُضفي طابعاً رسمياً على التعاون في مجالات التدريب العسكري والنقل، والأمن السيبراني والفضائي، وتعزيز صلابة البنية التحتية، ومواجهة التهديدات الهجينة".
مؤكدة على انه "بعد توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، سيمهد هذا الميثاق الطريق أمام انخراط المملكة المتحدة في (صندوق العمل الأمني لأوروبا) الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو، وهو مكسب مهم لكلا الطرفين".