
على طاولة الامم المتحدة.. مشروع حل الدولتين ... فرضيات وتوقعات

مراصد
31/5/2025، 9:33:05 ص
في حين تلاشى مشروع حل الدولتين إلى حد كبير من الخطاب العام الإسرائيلي، يواصل المجتمع الدولي ليس فقط الحفاظ على الفكرة حية، بل ويسعى جاهدًا أيضًا إلى تطبيقها، فقد شهدت باريس ونيويورك، في اليوم نفسه، اجتماعين متوازيين حول "المؤتمر الدولي الرفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين" (الاسم الرسمي للمؤتمر) المقرر أن تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك ما بين 17 و20 حزيران المقبل، برئاسة مشتركة سعودية - فرنسية.
︎ خلفيات المبادرة
يستند مشروع المبادرة إلى قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 2024، مؤكدةً التزامها بحل الدولتين، داعيةً إلى مؤتمر دولي رفيع المستوى، ومن المتوقع أن تُصدر القمة خطة عمل مفصلة تتضمن "خطوات لا رجعة فيها" نحو التنفيذ. وعقب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الاعتراف بدولة فلسطينية "ليس من المحرمات" وأن هذا الاعتراف يجب أن يتم "في الوقت المناسب"، يُطرح السؤال عما إذا كان سيستغل قمة حزيران لإعلان اعتراف فرنسا الرسمي، لتنضم بذلك إلى 147 دولة سبقتها، وحتى الآن، لا تدرس ألمانيا والمملكة المتحدة هذا الاعتراف.
وخلال اجتماع تحضيري للمؤتمر عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المؤتمر الدولي رفيع المستوى المعني بالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، المقرر عقده في نيويورك انما يمثل "فرصة حاسمة يجب أن نغتنمها لرسم مسار لا رجعة فيه نحو تطبيق حل الدولتين"، مشددا على ضرورة نجاحه. وأكد رئيس الجمعية العامة فيلمون يانغ "تقع على عاتقنا الآن مسؤولية جماعية للعمل بحزم وتنفيذ هذه القرارات بالفعل. إنها مسؤوليتنا الآن لدعم القانون الدولي، واحترام مبادئ مـيثاق الأمم المتحدة، يجب علينا استعادة الثقة في الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، وفي التزاماتنا تجاه شعبي فلسطين وإسرائيل".
︎ الموقف الفرنسي
الى ذلك أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن "أحدا لن يملي موقفه على فرنسا" بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يأتي ذلك ردا على نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر الذي هدد مؤخرا "بإجراءات أحادية الجانب" ضد الدول التي تقوم بذلك. فقد استضاف وزير الخارجية الفرنسي نظراءه من السعودية ومصر والأردن (الأمير فيصل بن فرحان وبدر عبد العاطي وأيمن الصفدي)، لجلسة عمل مخصصة للتحضير للمؤتمر المذكور، الأمر الذي يعكس اهتمام فرنسا بالعمل يداً بيد مع الشركاء العرب، وخصوصاً مع الجانب السعودي. وأفادت مصادر رسمية فرنسية، حسب مصادر سعودية، بأن باريس "تعوّل" على وزن السعودية على المستويات العربية والإسلامية والدولية بوصفها شريكاً في رئاسة المؤتمر ، وترى باريس أن الغرض المطلوب تحقيقه "إطلاق تيار لا يمكن الرجوع عنه" لقيام دولة فلسطين التي اعترف بها حتى الآن ما لا يقل عن خمسين دولة، لكن ليس بينها أي دولة غربية تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي. وجاء في حرفية الفقرة المعنية ما يلي: "نؤكد الدور المهم الذي سيلعبه مؤتمر (نيويورك) رفيع المستوى حول حل الدولتين، من أجل التوصل إلى توافق دولي حول هذا الهدف، نحن عازمون على الاعتراف بدولة فلسطينية كإسهام في تحقيق حل الدولتين، ونحن مستعدون للعمل مع الآخرين لتحقيق هذه الغاية".
وقال بارو إن فرنسا "عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين". والاعتراف، بحسب باريس، سيساعد السلطة الفلسطينية، وسيشكل وسيلة لمجابهة "من يلجأ إلى العنف والإرهاب"، ويقوم المحور المقابل على ان مبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو التطبيع مع إسرائيل. وقالت باريس: "نريد اعترافات متبادلة". ويتمثل المحور الاخر في إصلاح السلطة الفلسطينية؛ إن كان لجهة إحداث تغيير في هرمها أو في البنى الحكومية وإعادة الديمقراطية لعملها ومواجهة التيارات الفلسطينية الراديكالية، وتعتبر باريس أن إصلاح السلطة يعد خطوة مهمة؛ كونها مستهدفة، وأن السياسة الإسرائيلية تعمل على إضعافها. فيما شكلت الضمانات الأمنية لإسرائيل محور عمل اخر، عنوانه نزع سلاح "حماس"، وإبعادها عن حكم غزة، والنظر في "هندسة أمنية إقليمية" تكون إسرائيل طرفاً فيها.
︎ ضرورة إنهاء الصراع
من جانبها، شددت المملكة العربية السعودية على الحاجة الملحة لعمل حاسم ولا رجعة فيه لإنهاء الصراع وتحقيق حل الدولتين، وأكدت رئيسة الفريق التفاوضي للمملكة العربية السعودية في وزارة الخارجية المستشارة "منال بنت حسن رضوان" على ضرورة أن يسفر المؤتمر عن نتائج ملموسة بدلا من مجرد الإيماءات الرمزية. وقالت "يبدأ السلام الإقليمي بالاعتراف بدولة فلسطين - ليس كبادرة رمزية، بل كضرورة استراتيجية". وأضافت المسؤولة السعودية أن المؤتمر القادم يجب أن يكون "بداية النهاية للصراع - الأمر لا يتعلق بالكلمات، بل بالفعل، إنه يتعلق بضمان ترجمة مبادئنا الجماعية إلى حقائق دائمة". كما سلطت الضوء على الدور التاريخي للمملكة في تعزيز السلام، بدءا من مبادرة السلام العربية وصولا إلى إطلاق "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين". وحثت جميع المشاركين على تقديم التزامات عملية وقابلة للقياس، ترتكز على مبادئ الإلحاح والجوهر والشمولية والاستقلالية، وأن تكون متجذرة في حقوق وتطلعات كلا الشعبين للعيش بسلام وأمان. واختتمت حديثها بالقول "لنكن واضحين: الحرب لن تجلب السلام أبدا ... فقط خطة عمل لا رجعة فيها، محددة زمنيا، متجذرة في القانون الدولي وتهدف إلى تطبيق حل الدولتين هي التي يمكن أن تحقق ذلك".
︎ رفض إسرائيلي
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو هاجم الرئيس ماكرون بقوله "دولة فلسطين في قلب إسرائيل ستكون خطرًا وجوديًا" وأصر على أن "النصر الكامل على حماس" هو الشرط الوحيد لإنهاء الحرب من خلال خطة السيطرة على غزة المتضمنة إدارة عسكرية إسرائيلية طويلة الأمد، وإنشاء "مناطق إنسانية مغلقة وتشجيع الهجرة "الطوعية". وعلى الرغم من المكاسب التي حققها نتنياهو من سياسة التوافق الأمريكي الإسرائيلي؛ فإن الصراع المكتوم بينه وبين ترامب كان واضحا أيضاً في عدة ملفات؛ منها عدم رضا إسرائيل عن احتواء ما سُمي بـ"صفقة القرن" التي قدمها ترامب عام 2020، على نص يقر بضرورة إقامة دولة فلسطينية في نهاية مرحلة انتقالية محدودة. فيما استحوذت زيارة الرئيس الامريكي الأخيرة للمنطقة التي استثنى منها اسرائيل على اهتمام خاص في الصحف والمواقع الاخبارية الاسرائيلية وتحت عنوان "لا يحصينا"، كان عنوان مقالة الون بن دافيد في صحيفة "معاريف" التي قال فيها " ترامب يعيد رسم شرق أوسط بدوننا وأعلن بان لديه حلفاء أغلى منا. لكن لا يزال بإمكانه أن ينقذ إسرائيل من نفسها وان يجبر نتنياهو على ان يقوم بالأمر الصائب". وتحت عنوان "لا نظام جديد"، كتب عاموس هرئيل في "هآرتس" قائلا:" من صفقات السلاح مع دول الخليج ومرورا باحتضان الرئيس السوري احمد الشرع وانتهاء بالاتفاق المقترح في غزة، زيارة ترامب تشير الى انعطافه في الشرق الأوسط، وإسرائيل بقيت حتى الآن في الهامش".
︎ الموقف الأمريكي
فيما واجهت دعوة الرئيس ترامب الى سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل واسعة عبر العالم، واعربت دول عدة بوجهات مختلفة عن رفضها أي تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم، وطالبت بالعمل على تجسيد حل الدولتين ومنح الفلسطينيين فرصة العيش في دولتهم. تحول خطاب الرئيس ترامب من دعم غير مشروط لإسرائيل إلى "انتقاد الوضع الإنساني في غزة". وصرح بأن "الكثير من الناس يتضورون جوعًا"، لكنه لم يفرض ضغوطًا فعلية على إسرائيل، وتعد مبادراته مثيرة للجدل مثل دعم فكرة "التهجير الطوعي" لسكان غزة او التلميح إلى "إعادة احتلال جزئي" للقطاع. وفق هذا المنظور، يبقى ترامب "حليفًا لإسرائيل"، لكنه يريد تجنب كارثة إنسانية تهدد مصالح أمريكا، فيما ما يزال نتنياهو يعتمد على الدعم الأمريكي المطلق، لكنه قد يخسر الغطاء السياسي إذا استمرت العزلة الدولية، ضده في مؤتمر حزيران المقبل.
︎ السيناريوهات المحتملة
اولا: سيناريو النجاح (حل سياسي متوازن) من خلال تنسيق وتوافق عربي - أوروبي على خطة زمنية للاعتراف بدولة فلسطين واستثمار كل الامكانات المتاحة لضغط أمريكي على إسرائيل في قبول "وقف إطلاق النار الدائم"، وهذا يعني بداية مفاوضات اقليمية في الشرق الاوسط تحت اشراف اممي يعزز شرعية الدولة الفلسطينية المقبلة وينتهي بالتطبيع العربي مع اسرائيل.
ثانيا: سيناريو الفشل (استمرار الجمود): وفق ما شهده تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فالمتوقع ان ترفض اسرائيل تقديم اية تنازلات في سياق الانقسام الاوربي والتأييد الامريكي، وهذا قد يعني تصعيدا عسكريا أكبر في غزة والضفة الغربية وتبقى موجة الاعتراف من دول اوربية بدولة فلسطين من دون ضمانات عملية تفرض على اسرائيل شروط القبول بالاتفاق على منصة الامم المتحدة
ثالثا: سيناريو الانهيار (تصعيد إقليمي): يتمثل في استمرار الحرب وانتشار المجاعة في غزة، بما يؤكد فشل مبادرة فرنسا والسعودية في تقديم اية ضمانات جديدة، يتيح المجال ربما لعودة تدخل إيران وحزب الله. في الملف الفلسطيني، هكذا يمكن فتح حرب بعدة جبهات لا سيما مع بوادر فشل المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران وينتهي بانهيار أي امل بحل سياسي قريب لتطبيق المبادرة العربية باعتماد حل الدولتين.