
المؤتمر الدولي الخامس للمياه... إطلاق مبادرة حكومية للحفاظ على نهري دجلة والفرات

مراصد
1/6/2025، 10:00:43 ص
يواجه العراق أدنى مستويات مخزون مياه في البلاد منذ 80 عاما، بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، فيما تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على هذين النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، التي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه.
لذلك حشد العراق خبراء دوليين لمناقشة معضلة المياه والجفاف المناخي في حوضي دجلة والفرات، وانطلقت في بغداد فعاليات "مؤتمر بغداد الخامس للمياه"، الذي نظمته وزارة الموارد المائية ، بمشاركة عدد من الدول العربية والأجنبية، وناقش ملفات الري الدقيق والتكنولوجيا الحديثة في استخدام المياه. وكشف وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب عبد الله، عن اتفاق عراقي - تركي يقضي بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية من المياه في نهر الفرات يومياً، مؤكداً سعي بلاده لتأمين حصصها المائية من تركيا وإيران لمواجهة أزمة الجفاف الخانقة. ودفعت موجة الجفاف الشديد في العراق الحكومة إلى مطالبة أنقرة بدعم جهودها لمعالجة أزمة المياه، وذلك خلال محادثات أجراها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في زيارته الأخيرة لتركيا. وكانت الحكومة العراقية قد اضطرت إلى اتخاذ قرار بمنع زراعة المحاصيل الصيفية بسبب محدودية الموارد المائية، وهو قرار وصف بالصعب، لكنه ضروري في ظل التحديات الحالية. كما قلّصت الحكومة مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، وصولاً إلى استبعاد بعض المحافظات من الخطة بالكامل، نتيجة موجة الجفاف غير المسبوقة التي فاقمها قطع إيران لروافد نهر دجلة.
︎ مبادرة حكومية
أوصى المؤتمر بعد جلسات عمل مشتركة ، تبني وزارة الموارد المائية، المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تحت عنوان حماية نهري دجلة والفرات، وشعارها، "مياهنا مستقبلنا"، فيما دعا الى تعزيز التعاون الاقليمي في إطار الادارة المتكاملة للموارد المائية المشتركة.
ونوقشت إفكار عن إنشاء مركز معلومات إقليمي لمشاركة وتبادل المعلومات والبيانات المناخية والهيدرولوجية، والنظر في أهمية تأسيس منصات تمويل وطنية ودولية متخصصة في دعم مشاريع المياه الذكية. كما دعت هذه التوصيات دمج شبكات المياه والصرف الصحي في الريف ضمن منظومة الاقتصاد الدائري، وضرورة اعتماد الذكاء الاصطناعي كأداة وطنية استراتيجية لإدارة الموارد المائية، تعمل على تشجيع توطين تقنيات الاستشعار الذكي من خلال دعم تصنيع أجهزة محلية منخفضة الكلفة وعالية المتانة. واكد المؤتمر على إعداد خرائط تفاعلية تُحدَّث دورياً لمناطق الهشاشة المائية، مقترحا إعادة تعريف الجفاف كظاهرة بنيوية مستدامة ترتبط بالنظم البيئية والمناخية والاقتصادية، فيما شجّع المؤتمر، على دعم الأبحاث التطبيقية في مجال الزراعة في البيئات الهشة، وأهمية دعم مشاريع المرأة الريفية لاسيما في مناطق الاهوار ومشاريع الشباب في مجال إدارة المياه. وطالب المؤتمر وضع استراتيجية شاملة للإصلاح المؤسسي والتشريعي في مختلف قطاعات المياه، وان ترسخ وزارة التربية ثقافة المياه في المناهج التربوية، فضلا عن اعداد دليل وطني لتوثيق التجارب.
︎ التزام وفاعلية
بدوره، قال وزير الموارد المائية عون ذياب، خلال الاعلان الرسمي عن ختام اعمال مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه ومؤتمر الري الدقيق، ان "أهمية هذين المؤتمرين لا تكمن فقط في التوصيات والمخرجات التي خلصنا إليها، بل في الالتزام والسعي نحو إيجاد حلول عملية وفاعلة". وأضاف، أن "التعاون المشترك هو السبيل الوحيد لضمان مستقبلٍ آمن ومشرق"، مبينا أن "الأفكار والتوصيات التي ناقشها المؤتمر، بدايةٌ لطريق طويل يتطلب جهداً متواصلاً وإرادة حقيقية، لتحويل هذه الرؤى إلى واقع ملموس". وأكد " التزام وزارة الموارد المائية وبدعم من الحكومة ورئيس الوزراء، بمتابعة نتائج هذا المؤتمر، وترجمة توصياته إلى مشاريع وسياسات عملية، والمضي ايضاً بتنفيذ المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء ونسعى لتحقيق ما تبنته من أهداف ومنطلقات ودعا جميع دول المنطقة والعالم إلى تعزيز التعاون البناء في إدارة الموارد المائية المشتركة.
︎ مياهنا.. مستقبلنا
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد أعلن عن المبادرة الاقليمية لحماية نهري دجلة والفرات، تحت شعار: "مياهنا... مستقبلنا".، وقال في كلمة بانطلاق اعمال مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه: "ان هذه المبادرة ستكون منصة لفهم الادوار والواجبات والمسؤوليات، ومعها المنفعة المشتركة والعوائد الواسعة ومجالات التعاون المتاحة". واكد السوداني، "ان الشراكة الحقيقية المسؤولة على المستويين الوطني والدولي في ادارة مورد الحياة الأهم، يمكن ان تفتح الطريق نحو الحلول المستدامة"، مبينا، "ان قضية المياه ليست مسألة خدمية تعاني من تلكؤ، ولا هي ملف مجرد في ساحة صنع القرار.. بل انها مضمار وطني تبرز فيه المخاطر والتحديات لتشمل جميع نواحي الحياة". واشار الى انه: "من الضروري ان تتحدد المسؤوليات في الجهود الوطنية للحفاظ على هذه الثروة الحساسة ذات الأثر العميق في كل شيء حولنا، ولقد خطونا خطوات مهمة في مجال الأتمتة في إدارة السدود والخزين المائي ومعالجات الصرف الصحي، ودأبنا على تقديم إطار الحل ضمن مبادئ القانون الدولي، والأعراف التي تجمع البلدان المتشاطئة على أحواض الأنهار، وضمن المصلحة المشتركة لترسيخ الأمن المائي".
من جانبه، أكد رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد: "ان ظاهرة التغيرات المناخية تواجه جميع الشعوب بما فيها العراق".، وقال في كلمته بالمؤتمر، القاها نيابة عنه، أحد مستشاريه: "ان العراق يواجه تحديات كبيرة بملف المياه، لاسيما بسبب الاعتماد على المياه من خارجه حدوده". وشدد على انه: "من المهم التوصل لتفاهم مع الجانب التركي، ضمن السياسة المائية للعراق، يضمن حصة البلاد وتأمين حاجات السكان".
︎ اهداف سياسية
يعاني العراق من استخدام ملف المياه كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، لذلك طالب خلال اعمال هذا المؤتمر بالتوصل إلى رؤية إقليمية مشتركة تعتمد على توزيع عادل للمياه العابرة للحدود، منوهاً في الوقت نفسه بوجود تقدم في المفاوضات وعمل اللجان المشتركة مع الجانبين التركي والإيراني، جاء ذلك على لسان جاسم الفلاحي، الوكيل الفني لوزارة البيئة في العراق. جاسم حذر في تصريحات صحفية على هامش اعمال المؤتمر، من أن الوضع المائي في العراق انتقل من مرحلة الشح إلى الندرة المائية، وأرجع هذا التراجع غير المسبوق لإيرادات البلاد المائية إلى سياسات دول المنبع، وتغيرات مناخية تمثلت في ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة أدت إلى معدلات مرتفعة في تبخر المياه قادت إلى تقلص رقعة الأرض الزراعية. من جانبه، قال حاتم حميد، مدير عام التخطيط في وزارة الموارد المائية ، إن حماية مياه نهري دجلة والفرات من التلوث وضمان توزيع عادل للحصص المائية هي مسؤولية مشتركة بين الدول المتشاركة في هاذين المجريين المائيين، ونوّه بأن مسؤولين في وزارتي الخارجية والموارد المائية يقومون بالتواصل مع دول المنبع، تركيا وإيران وسوريا، للوصول إلى تفاهمات تقود إلى وضع برامج لتحسين إدارة الموارد المائية في النهرين. في ذات السياق، قال مهدي القيسي، مستشار وزير الزراعة، إن قلة التدفقات المائية من دول الجوار إضافة إلى تراجع كميات الأمطار انعكس على الوضع الزراعي والبيئي والصحي والمجتمعي في العراق. وأضاف، خلال حديث صحفي، أن تراجع كميات المياه السطحية ومياه الأمطار يضغط على مخزونات المياه الجوفية، محذراً من أن الوضع المائي هذا العام حرج للقطاع الزراعي. وقال إنه لمعالجة هذا الوضع ولترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي تتجه الوزارة نحو تعزيز استخدام تقنيات الري الحديثة والزراعة الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. في منتصف اذار 2023، أعلنت وزارة الزراعة العراقية خروج نحو نصف الأراضي الزراعية في عموم البلاد من الإنتاج، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد بين سنوات 2020 و2023؛ بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات وشحّ الأمطار، وهو ما عطّل استغلال 27 مليون دونم زراعي.
︎ وعود دولية
وعلى هامش اعمال هذا المؤتمر، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني على أهمية التعاون مع منظمة الفاو لترجمة توصيات مؤتمرات بغداد للمياه، وذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء ان السوداني استقبل، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) شو دونيو. وأكد السوداني أهمية التعاون مع المنظمة لترجمة توصيات مؤتمرات بغداد للمياه، لمواجهة التغيرات المناخية التي أثرت على البيئة وتسببت بشحّ المياه وانتشار التصحر، مثمناً دور المدير العام والمسؤولين في المنظمة على جهودهم في المشاريع التي تقيمها وترعاها منظمة (فاو) في العراق، مشيرا إلى أنّ الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي تشكل مرجعاً للعمل المشترك مع المنظمة، في تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح، ودعم الفلاحين والمزارعين. من جانبه أكد دونيو استمرار التنسيق مع العراق والاستعداد لإطلاق مشروع يعزز قدرته على مواجهة التغيير المناخي، ممول من عدة جهات بينها العراق والمنظمة، وبميزانية إجمالية تقترب من 40 مليون دولار.
︎ مذكرات تفاهم
الى ذلك اعلنت وزارة الموارد المائية، عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع جهات فنية وعلمية محلية ودولية لتنفيذ مشاريع استراتيجية خلال مؤتمرها الدولي الخامس للمياه، وقال رئيس اللجنة العلمية والفنية للمؤتمر حاتم حميد حسين إن "المؤتمر شهد مشاركة واسعة من شخصيات سياسية محلية وعالمية، ومنظمات دولية، ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب وزارات عراقية وخبراء وأكاديميين في مجالي إدارة الموارد المائية وتغير المناخ"، مبيناً أن "المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه قطاع المياه وطرح الحلول التنفيذية لتجاوزها". وأوضح أنه "من المقرر أن تطلق الوزارة مبادرة "حماية نهري دجلة والفرات"، بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، كما يجري توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع جهات فنية وعلمية محلية ودولية لتنفيذ مشاريع استراتيجية"، لافتاً الى أن "المؤتمر سيتناول أيضاً قضايا الأهوار، ودور المرأة والشباب في إدارة الموارد المائية، إلى جانب عقد ورش عمل متخصصة بمشاركة المجلس الأعلى للشباب ومراكز بحثية محلية ودولية".