
لبنان وسوريا.. خرائط جديدة لضبط السلاح والحدود !!

مراصد
3/6/2025، 10:27:09 ص
شهدت العلاقات اللبنانية السورية خلال العقدين الماضيين تحولات جذرية، طغى عليها الغموض والتوتر والمصالح المتقاطعة والعامل الخارجي، وبقيت العلاقات الثنائية محكومة بملفات شائكة ومعقدة، من أبرزها ملف اللاجئين السوريين والتهريب عبر الحدود وسلاح حزب الله وسلاح المخيمات الفلسطينية.
وفتحت لحظة سقوط نظام الرئيس بشار الأسد بابا واسعا لإعادة صياغة مجمل العلاقة بين سوريا ولبنان ليس فقط من زاوية السلطة السياسية، بل أيضا من منظور العلاقة بين الشعبين، وشبكات النفوذ، والإرث الثقيل من التدخلات التي شكلت عقودا من السياسات العابرة للحدود.
▪︎ مواقف جديدة
أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن دمشق تتبنى سياسة الحياد تجاه الشؤون الداخلية اللبنانية، مشددًا على أنه لا توجد نية للتدخل في سياسة لبنان، وفي تصريحات صحفية أدلى بها مؤخرا"، قال الشرع: "هناك قلق كبير وصلنا من الأخوة اللبنانيين بشأن وصولنا إلى دمشق، وأن ذلك قد يساهم في تقوية طرف ضد آخر في لبنان. في الحقيقة، نحن لا نسعى لأي علاقة تسلطية مع الجار اللبناني بل علاقة احترام وتبادل". وأضاف: "لا نريد التدخل في الشأن الداخلي اللبناني، لدينا ما يكفي من العمل في بلدنا، وهدفنا الأساسي هو بناء علاقات جيدة مع لبنان، وسنقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وما يرضيهم يرضينا". وشهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً رفيع المستوى بين الرئيس السوري الشرع، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، الذي زارها على رأس وفد رفيع لبحث الملفات المشتركة، في أول تواصل رسمي بين البلدين، وأول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. وانتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، لزيارة سوريا. فيما قالت صحيفة النهار اللبنانية، ان إعادة بناء العلاقات السورية اللبنانية تتطلب اعترافًا صادقًا بالماضي والتزامًا بصياغة مستقبل أكثر توازنًا وصحة. إن سقوط نظام الأسد يتيح فرصة غير مسبوقة للبلدين لإعادة ضبط علاقتهما، ومعالجة عقود من الاحتلال والظلم وانعدام الثقة. لتحقيق ذلك، يحتاج الطرفان إلى خطوات جريئة تعكس الشفافية والمساءلة.
▪︎ حدود عالقة
يعود ملف ترسيم الحدود بين البلدين إلى عام 1943، حيث بقي الملف من دون تسوية نهائية، واعتمد البلدان على "خط الحدود الإدارية" الذي وضعه الانتداب الفرنسي بين ولايتي بيروت ودمشق، دون أن يُستكمل كترسيم حدود دولية معترف بها. ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان ودخول القوات السورية داخل الأراضي اللبنانية عام 1976، زادت تعقيدات هذا الملف، حيث تداخل الأمن بالسيادة، وأُهمل أي مسار رسمي لترسيم الحدود. ورغم محاولات متكررة من جانب الحكومات اللبنانية، خصوصا فيما يتعلّق بضبط الحدود البرية ومكافحة التهريب، فإن الملف ظل عالقا، مما أسهم في تفاقم الإشكالات الأمنية والاقتصادية، لا سيما مع ازدياد التوترات المرتبطة بالمعابر غير الشرعية وتدفق اللاجئين السوريين.
وإحدى أبرز المشاكل في ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان هي التداخل الجغرافي والديمغرافي، فهناك قرى وبلدات تقع على الحدود، بعضها يتبع لبنان إداريا لكن سكانها يحملون الجنسية السورية، والعكس صحيح.
▪︎ الترسيم البحري
لا يقل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا أهمية عن ترسيم الحدود البرية، بل يُعد من أبرز القضايا العالقة بين البلدين، ويتسم بتعقيدات قانونية وسياسية واقتصادية متشابكة. تعود جذور النزاع إلى عام 2011 حين أصدرت الحكومة اللبنانية المرسوم رقم 6433 الذي حدد بموجبه حدود لبنان البحرية، بما في ذلك الحدود الشمالية مع سوريا.. في أعقاب التغيرات السياسية في سوريا شهد الملف تحركات دبلوماسية جديدة، ففي آذار 2025 وقع وزيرا الدفاع اللبناني والسوري اتفاقا في جدة برعاية سعودية على إتفاق لتشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة لبحث ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني. ورغم التقدم النسبي، لا تزال هناك تحديات قانونية، أبرزها أن أي اتفاق لترسيم الحدود يجب أن يُقر من قبل برلماني البلدين، وهو أمر غير متاح حاليا في سوريا بسبب الوضع السياسي الراهن، كما أن غياب الاعتراف الرسمي من سوريا بلبنانية مزارع شبعا يعقد مسألة ترسيم الحدود البرية، ويبقيها ورقة ضغط سياسية.
▪︎ ملف اللاجئين
بعد سقوط نظام الأسد، بدأ النقاش اللبناني حول إمكانية العودة الطوعية للاجئين السوريين، وكان رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون قد أكد في خطاب القسم أمام مجلس النواب اللبناني عقب انتخابه التزامه بتسهيل عودة اللاجئين السوريين عبر التعاون مع الحكومة السورية مشيرا الى "لمعالجة هذه الأزمة بعيدا عن الطروحات العنصرية أو المقاربات السلبية"، والسعي إلى "وضع آلية واضحة قابلة للتنفيذ الفوري تعيدهم إلى وطنهم فضلا عن تأكيدها عن حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية". وبينما أعلنت الحكومة اللبنانية عن إعداد خطة قابلة للتنفيذ تهدف إلى إعادة 400 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، تم تشكيل لجنة وزارية برئاسة طارق متري نائب رئيس الحكومة لمتابعة تنفيذ هذه الخطة بالتنسيق مع السلطات السورية والمنظمات الدولية. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن حوالي 400 ألف لاجئ سوري قد عادوا إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد، نصفهم تقريبا عاد من لبنان..
▪︎ الفاعلون الجدد
منذ صعود قيادة جديدة في دمشق برئاسة أحمد الشرع، دخل الشق السياسي من العلاقات اللبنانية السورية فضاءات جديدة، اليوم، يعود السؤال بقوة: هل ستُرسم الحدود أخيراً؟ أم أن الترسيم سيكون مدخلاً إلى صراعات جديدة وتصفية حسابات قديمة؟ ونقلت صحيفة الاخبار اللبنانية عن مصادر دبلوماسية مطلعة، التأكيد على إن لقاءات غير رسمية بدأت بالفعل بين مسؤولين من السلطة السورية الجديدة وشخصيات لبنانية مؤثرة، بوساطات دولية صامتة، موضحة ان الملف الأبرز في هذه اللقاءات، إلى جانب قضايا اللاجئين والتنسيق الأمني، كان مسألة ترسيم الحدود رسمياً للمرة الأولى. غير أن ما يثير القلق هو الحديث عن خرائط جديدة أُعدت في مراكز دراسات غربية، وتحديداً ضمن دوائر أمنية قريبة من واشنطن وتل أبيب، تتضمن تعديلات جغرافية حساسة تمس مناطق مثل البقاع، عرسال، القصير، وحتى سفوح جبل الشيخ. ويبدو أن بعض هذه الخرائط تُطرح على أنها "تصحيحات تقنية"، لكنها في الواقع تحمل في طياتها تغييرات استراتيجية تهدد التوازن الديمغرافي والسياسي في البلدين. واضافت "تسعى السلطة السورية الجديدة، من جهتها، إلى استخدام ملف الترسيم كرمز لما تدعي أنه استعادة للسيادة و (القطيعة الرمزية) مع إرث النظام السابق من جهة، وربما لفرض أجندات تخدم مصالح أطراف إقليمية وغربية وما هو أبعد من ذلك مصلحة الكيان الصهيوني المحتل"، لكنها تستدرك بالقول، "أما في لبنان، فإن المشهد منقسم: هناك من يرى في الترسيم ضرورة سيادية طال انتظارها، فيما يحذّر آخرون من أن الخط قد يُرسم بطريقة تُقيّد حركة قوى المقاومة أو تُفرّغ مناطق من عمقها الديمغرافي والاستراتيجي".
▪︎ سلاح حزب الله
شكل سقوط النظام السوري خسارة إستراتيجية لحزب الله اللبناني، ورغم محاولات الحزب التأقلم مع الوضع الجديد، فإن دوره بات محاصرا بين أزمة الثقة مع النظام الجديد في دمشق، والضغوط الداخلية اللبنانية والدولية المطالبة بإعادة ضبط دوره وعلاقته بالدولة اللبنانية وخارجها سلاح حزب الله. بالتوازي، تشير مصادر مقربة من حزب الله إلى أن الحزب يجري إعادة قراءة لملف العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة، وأنه تواصل مع الدولة السورية منذ مدة برعاية وسطاء محليين وإقليميين للتفاهم على الملفات الخلافية، وتحديدا ملف الحدود والمعابر غير الشرعية.
▪︎ سلاح المخيمات
تبرز اهمية الملف الفلسطيني مع الأفق الجديد لمسار العلاقة بين سوريا ولبنان ، هذا الملف المتداخل والمتشعب يتطلب جهودا محلية وعربية وحتى دولية لتفكيك شفراته الامر الذي تمخض عن اتفاق بينهما ابرز بنوده البدء بسحب السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين منتصف حزيران المقبل بناء على اتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقال مصدر حكومي لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية إنه تمّ "الاتفاق على بدء خطة تنفيذية لسحب السلاح من المخيمات وتليها المخيمات الأخرى". وجاء هذا الاتفاق خلال الاجتماع الأول للجنة مشتركة لمتابعة أوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أعلن الطرفان عن تشكيلها.
وأورد بيان "اتفق المجتمعون على إطلاق مسار لتسليم السلاح وفق جدول زمني محدد، مصاحبا ذلك بخطوات عملية لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين". يأتي ذلك بعدما أكّد الرئيسان اللبناني والفلسطيني على التزامهما بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية، وأن الطرفين "يعلنان إيمانهما بأن زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية، قد انتهى". وبناء على اتفاق ضمني، تتولى الفصائل الفلسطينية مسؤولية الأمن داخل المخيمات التي يمتنع الجيش اللبناني عن دخولها. وتتواجد فيها حركة فتح إلى جانب حماس وفصائل أخرى. ويعدّ مخيم عين الحلوة، قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، أكبر المخيمات للاجئين الفلسطينيين، ويؤوي أشخاصا مطلوبين من السلطات اللبنانية. ويتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 493 ألف شخص، يعيشون في ظروف صعبة داخل مخيمات تُدار أمنيا من جانب الفصائل الفلسطينية، بموجب تفاهمات غير رسمية تعود إلى اتفاق القاهرة لعام 1969. ويقيم أكثر من نصف هؤلاء في 12 مخيما معترفا بها لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولا يدخل الجيش ولا القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات، لكن يفرض الجيش إجراءات مشددة حولها.