
الحظر البحري على العراق.. قيود دولية وسط مساعٍ حكومية لإستعادة السيادة البحرية

مراصد
4/6/2025، 3:12:30 م
أعلنت وزارة النقل العراقية عن "تقدم ملموس" في مفاوضات رفع الحظر البحري الذي فُرض عام 1991 عقب حرب الخليج الثانية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 665، وفيما تمثل عودة الأسطول البحري العراقي تحدياً معقداً، لكنها تشكل فرصة تاريخية لتنويع الاقتصاد واستعادة مكانة العراق البحرية التي تضرب جذورها في عمق التاريخ منذ أيام ميناء أوروك السومري قبل 5000 عام.
ورغم امتلاك العراق أسطولاً بحرياً يضم 25 سفينة بين عسكرية وتجارية، إلا أن القيود الدولية تحول دون رفع العلم العراقي على السفن التجارية، كما أن الشهادات البحرية العراقية غير معترف بها دولياً. المتحدث الرسمي لوزارة النقل، ميثم الصافي، أفاد بأن الهيئة العامة للنقل البحري أنهت 85% من متطلبات المنظمة البحرية الدولية (IMO)، بما في ذلك تحديث أنظمة السلامة البحرية وتدريب الكوادر.
▪︎ خسائر متراكمة
تشير بيانات وزارة النقل إلى أن الخسائر المتراكمة بسبب الحظر تجاوزت 12 مليار دولار منذ 1991، نتيجة الاعتماد الكامل على السفن الأجنبية بنسبة 100% وارتفاع تكاليف الشحن 40% مقارنة بالدول المجاورة، فضلا عن خسارة 15 ألف فرصة عمل مباشرة في القطاع البحري فقد تراجع الأسطول التجاري العراقي من 17 سفينة عام 1990 إلى 6 سفن فقط اليوم، أقدمها ناقلة "بغداد" التي تعود إلى عام 1976. وكان العراق يمتلك في نهاية ثمانينيات القرن الماضي 17 باخرة تجارية ذات سعات متنوعة تنقل البضائع من وإلى موانئه، حيث شكلت هذه البواخر ركيزةً قوية للاقتصاد العراقي ومصدراً للدخل القومي. أما اليوم، وبعد سنوات طويلة من الحظر والحروب وسوء الإدارة، لم يتبقَّ للعراق سوى ست سفن تجارية، ثلاث منها (البصرة، المثنى، والحدباء) تعمل في المياه الدولية وتنقل حمولات تصل إلى 14 ألف طن، بالإضافة إلى سفينتين صغيرتين للتزويد بالمياه والوقود، وباخرة (بغداد) التي تحمل حاويات بسعة عشرة آلاف طن.
▪︎ مساع حكومية
يأتي اعلان وزارة النقل العراقية عن إحرازها تقدماً ملموساً في ملف رفع الحظر الدولي المفروض على الأسطول البحري العراقي، بمثابة خطوة هامة نحو تعزيز مكانة العراق في قطاع النقل البحري الدولي وتمكينه من أداء دوره الإقليمي بفعالية أكبر.
وصرح ميثم الصافي، مدير المكتب الإعلامي للوزارة، في حديث صحفي، بأن الوزارة حققت تقدماً كبيراً في تلبية متطلبات المنظمة البحرية الدولية، ما سيسهم في رفع العلم العراقي على السفن العراقية، والاعتراف بالشهادات البحرية التي يصدرها العراق، وتنظيم حركة السفن وتسجيلها بشكل رسمي. كما أشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى إدراج العراق ضمن “القائمة البيضاء” للبلدان الملتزمة بالمعايير البحرية الدولية، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة لتطوير هذا القطاع الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، أوضح الصافي أن وزارة النقل تعمل على تفعيل اللوائح والقوانين المتعلقة بالهيئة البحرية العليا التابعة لها، وتعزيز دورها في مراقبة وتنظيم قطاع النقل البحري لضمان الالتزام الكامل بالمعايير الدولية، مما يعزز من مصداقية العراق أمام المجتمع البحري الدولي.
▪︎ ميناء الفاو الكبير
يُعتبر مشروع ميناء الفاو الكبير (طاقته 99 مليون طن سنوياً) حجر الزاوية في استعادة الدور البحري للعراق، حيث سيختصر زمن الشحن إلى أوروبا بنحو 10 أيام مقارنة بممر هرمز. فيما سيوفر 50 ألف فرصة عمل ويرفع الحصة العراقية من تجارة الخليج إلى 30%. لكن خبراء يشيرون إلى أن المشروع لن يحقق أهدافه من دون رفع الحظر البحري وتحديث الأسطول الوطني فضلا عن معالجة مشكلة العسكرة في الموانئ. بدوره، أوضح الباحث الاقتصادي أحمد عبد الله أن منع العراق من إدارة شؤون موانئه البحرية، خاصة المعوقات التي تواجه ميناء الفاو الكبير – أحد أكبر المشاريع البحرية الاستراتيجية في المنطقة – له انعكاسات سلبية تهدد الأمن الاقتصادي للعراق. وبيّن أن ميناء الفاو الكبير، الذي يُعتبر بوابة العراق البحرية، يمثل مستقبل النقل البحري للبلاد، وأن رفع الحظر عن الأسطول البحري سيمكن العراق من الاستفادة الكاملة من هذا المشروع عبر استيعاب حركة السفن الوطنية وتنشيط التجارة البحرية مباشرةً. وأشار إلى أن تطوير الأسطول وتحديث قدراته يتطلب استثمارات تقدر بنحو 500 مليون دولار، لتحقيق عائد اقتصادي كبير يصل إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً من خلال زيادة حجم الصادرات والواردات البحرية، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالنقل والخدمات اللوجستية. كما أكد أن رفع الحظر سيدعم تحقيق رؤية العراق الاقتصادية في جعل ميناء الفاو مركزاً إقليمياً للنقل البحري، وسيخلق آلاف فرص العمل، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة عبر تقليل الاعتماد على الأساطيل الأجنبية.
▪︎ قيود دولية
في هذا السياق، أكد عضو لجنة النقل والاتصالات في البرلمان العراقي، زهير الفتلاوي، أن الحظر المفروض على الأسطول البحري العراقي خلال العقود الماضية شكّل ضربةً قاسية لقطاع النقل البحري، وخلّف آثاراً سلبية عميقة على التجارة والاقتصاد الوطني، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم. وأضاف أن الاعتماد المفرط على الشركات الأجنبية في نقل البضائع أدى إلى استنزاف العملة الصعبة وزيادة التكاليف التي تتحملها الخزينة العامة، فضلاً عن فقدان آلاف فرص العمل التي كان يمكن أن يوفرها قطاع النقل البحري لو تم تأهيله واستثماره بالشكل المطلوب. ويعمل الأسطول البحري الحالي في مجالات محدودة تشمل نقل البضائع وتقديم خدمات الإمداد للسفن الوافدة، خاصة في ميناء أم قصر، وهو ما لا يغطي سوى جزء ضئيل من احتياجات البلاد الفعلية، مما يعكس الحاجة الملحّة إلى تطوير هذا القطاع الحيوي الذي ظل مهمشاً لسنوات طويلة. ووفقاً للفتلاوي، فإن عودة العراق إلى البحر ليست مجرد خطوة تقنية، بل هي استحقاق اقتصادي وسيادي يرتبط بمكانة العراق في الخارطة الإقليمية للنقل البحري. كما أن المرحلة المقبلة تتطلب استراتيجية واضحة لإحياء الأسطول البحري الوطني ورفع كفاءته، وتوسيع دوره في دعم الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد الأحادي على النفط.
▪︎ عسكرة الموانئ
يواجه العراق حظراً بحرياً دولياً بسبب عدم التزامه بالمعايير التي وضعتها المنظمة البحرية الدولية لتنظيم الحركة البحرية، والتي تشترط عدم عسكرة الموانئ. وقد أدى ذلك إلى فرض قيود صارمة على السفن العراقية في حينه، حيث تتعرض البواخر التي ترفع العلم الوطني للمصادرة الفورية عند دخولها المياه الدولية، مما أجبر العراق على تسجيل سفنه تحت العلم الأردني مقابل دفع مبالغ مالية، وهو ما يعكس ضعف السيادة البحرية العراقية، ويعود عدم امتثال العراق لهذه المعايير إلى مجموعة من العوامل، أبرزها عسكرة بعض الموانئ وعدم تطوير البنية التحتية البحرية وفقاً للمعايير الحديثة، بالإضافة إلى افتقار السفن العراقية للتحديثات التقنية المطلوبة. وقد جعلت هذه التحديات العراق خارج المنظومة البحرية العالمية، مما أثر على قدرته في تشغيل موانئه وسفنه التجارية بحرية.
▪︎ العلم العراقي
وأكدت رئيسة لجنة النقل والاتصالات النيابية، زهرة البجاري، أن العراق يدفع أموالاً لرفع علم الأردن على سفنه بسبب القيود الدولية، مشيرةً إلى أن العراق لم يلتزم بالضوابط والمعايير الدولية التي وضعتها المنظمة البحرية الدولية (IMO)، مما أدى إلى فرض قيود على نشاطه البحري. وأضافت أن المعايير الدولية تشترط عدم عسكرة الموانئ، إلا أن العراق لا يزال يواجه تحديات في هذا الجانب. وأشارت إلى أن شهادات البحارة العراقيين الصادرة عن الأكاديمية البحرية المصرية والأردنية لا تحظى بالاعتراف الدولي، مما يشكل عائقاً أمام انخراط الكوادر العراقية في القطاع البحري العالمي. كما يعاني العراق من تأخير في تعديل قانون النقل البحري، وهو تعديل ضروري لمعالجة قضية الحظر، فعلى الرغم من أن مجلس النواب أكمل القراءة الأولى والثانية لمشروع القانون، إلا أن خلافات بين وزارة النقل والموانئ وشركة النقل البحري حول الصلاحيات ومواد القانون أعاقت إقراره، وتوضح زهرة البجاري، رئيسة لجنة النقل البرلمانية، أن العراق لم يستكمل بعد تحديث التشريعات البحرية وفقاً لاتفاقية "سولاس" الدولية وفصل الإدارة المدنية للموانئ عن القوات الأمنية واهمية توحيد الجهات المشرفة على القطاع البحري (5 جهات متنافسة حالياً). وفي هذا الصدد، قال عضو لجنة النقل والاتصالات النيابية، كاروان علي يارويس، إن الحظر البحري على العراق مستمر، وإن تعديل قانون النقل البحري الضروري لمعالجة هذه القضية لا يزال يواجه تأخيرات بسبب الخلافات بين وزارة النقل والموانئ وشركة النقل البحري. وبالرغم من الجهود النيابية لحل هذه الأزمة، إلا أن الخلافات السياسية والإدارية تعرقل تعديل القانون، مما يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن. ويتطلب الحل إصلاحات جذرية وسريعة لضمان استعادة السيادة البحرية للعراق ورفع الحظر المفروض عليه.
▪︎ رؤية اقتصادية
يقترح الخبير اللوجستي علي حسين نموذجاً متكاملاً لإنعاش القطاع البحري يتضمن مرحلة قصيرة الأجل تقوم على تسجيل السفن تحت علم دول صديقة بضمانات عراقية وإصدار شهادات بحرية بالتعاون مع الأكاديمية العربية للنقل البحري، ومرحلة متوسطة يمكن ان يجري استثمار 800 مليون دولار لتحديث 12 سفينة بعد تأسيس شركة وطنية للنقل البحري برأسمال مشترك، اما مرحلة العمل طويلة الأجل فتعمل على تصنيع سفن في حوض الفاو البحري وتحويل العراق إلى مركز إقليمي لإصلاح السفن. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن رفع الحظر البحري سيمكن العراق من خفض تكاليف الاستيراد 25% سنوياً وزيادة الصادرات غير النفطية 18% اضافة الى جذب استثمارات بحرية بقيمة 3 مليارات دولار. كل ذلك يتطلب خارطة طريق مقترحة للإصلاح التشريعي من خلال إقرار قانون النقل البحري الجديد وعقد شراكات إقليمية مثل التعاون المطروح مع سلطنة عمان في مجال التدريب البحري، ناهيك عن تحويل الهيئة العامة للموانئ إلى هيئة مستقلة ومباشرة التحديث التقني في تركيب أنظمة تتبع AIS للسفن العراقية.