
منعا لولاية ثالثة... المعارضة التركية تشهر البطاقة الحمراء بوجه اردوغان

مراصد
9/6/2025، 11:02:43 ص
تشهد تركيا جدلاً سياسياً محتدماً مع تزايد التكهنات حول إمكانية ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية جديدة، رغم القيود الدستورية التي تقف في طريقه، وبينما تشتد المواجهة بين الحكومة والمعارضة، تتشابك التحديات السياسية والاقتصادية في مشهد استقطابي حاد، يضع مستقبل البلاد أمام اختبار جديد، بين مشروع يسعى للاستمرار، وآخر يطمح إلى التغيير.
وتيرة النقاشات تتسارع داخل حزب العدالة والتنمية وشركائه في تحالف الشعب، حول السبل الدستورية التي قد تتيح للرئيس أردوغان الترشح لولاية جديدة، رغم القيود التي تحول دون ذلك في ظل الوضع الحالي، حيث ينص الدستور التركي على إمكانية ترشح الرئيس الذي فاز بولايتين، شريطة أن تُجرى انتخابات مبكرة خلال الفترة الثانية من ولايته.
▪︎ مساعٍ.. رئاسية
تواجه مساعي الرئيس التركي اردوغان لترشيح نفسه لولاية رئاسية ثالثة فرصا وتحديات، يبحث حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا فتح الباب أمام ترشّحه للرئاسة مجدداً، من دون اللجوء إلى تعديل الدستور، الذي يحدّد فترة الرئاسة بولايتين فحسب. ودعا إردوغان، إلى وضع دستور جديد للبلاد، وحضّ المعارضة على المشاركة في إقراره، قائلاً: "دعونا نتكاتف، نريد الدستور الجديد ليس لأنفسنا، بل لبلدنا. ليس لدي أي مصلحة في إعادة انتخابي أو الترشح لمنصب آخر". كما استبعد مسألة التوجه إلى الانتخابات المبكرة. وحسب ما نقلت وسائل إعلام قريبة من الحكومة عن مصادر في حزب "العدالة والتنمية"، يرى مسؤولو الحزب أن إصدار قرار انتخابي من البرلمان هو الخيار الأنسب للترشح لولاية ثالثة بموجب الدستور الحالي، بدلاً من الدفع باتجاه تعديل الدستور. ويؤكد مسؤولو الحزب أن تصريحات إردوغان لا تعني أنه لن يترشح للرئاسة، وأن الجدول الزمني للترشيح سيبدأ في 2027. وكشفت مصادر بالحزب عن خطة لتجديد الانتخابات، وليس إجراء انتخابات مبكرة، عبر مطالبة 360 نائباً من أصل 600 نائب بتجديد الانتخابات، بالاعتماد على تأييد حزبي "الحركة القومية" شريك حزب "العدالة والتنمية" في "تحالف الشعب"، وحزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" المؤيد للأكراد، لإصدار دعوة من البرلمان لتجديد الانتخابات قبل موعدها الطبيعي في حزيران 2028.
وكشفت صحيفة Türkiye التركية أن ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية ثالثة يتطلب إجراءات معقدة، أبرزها الحصول على موافقة البرلمان لإجراء انتخابات مبكرة أو عبر تعديل الدستور. لكن الصحيفة التركية أوضحت أن نقاشات المعارضة حول تعديل الدستور لإتاحة الترشح لفترة ثالثة أثارت ردود فعل داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، ونقلت عن مسؤولين في الحزب على تصريح أردوغان السابق تأكيدهم بأن "هدفنا من الدستور الجديد ليس تمهيد الطريق لأنفسنا"، مشيرين إلى أنهم إن أرادوا ترشيحه لولاية ثالثة، فسيعتمدون على قرار برلماني بإجراء انتخابات مبكرة بدلا من تعديل الدستور. وينص الدستور التركي الحالي في المادة (101) على أن "الرئيس ينتخب لفترتين رئاسيتين كحد أقصى"، مما يعني أن أمام أردوغان خيارين فقط للترشح مرة أخرى: إما أن يصدر البرلمان قرارا بإجراء انتخابات مبكرة، أو أن يتم تعديل النص الدستوري. ويرى حزب العدالة والتنمية أن الخيار الأول أكثر منطقية من اللجوء إلى تعديل الدستور. يذكر أن وزير العدل التركي السابق، يلماز تونج، كان قد أشار إلى إمكانية ترشح أردوغان لولاية ثالثة إذا قرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة. لكن هذا القرار يتطلب موافقة 360 نائبا، بينما يمتلك تحالف الحزب الحاكم (العدالة والتنمية والحركة القومية) 315 مقعدا، في حين يحتل حزب الشعب الجمهوري المعارض 127 مقعدا فقط.
▪︎ ترشح محتمل
أكدت تصريحات نائب رئيس حزب العدالة والتنمية مصطفى أليطاش، وجود توجه داخل الحزب لتقديم موعد الانتخابات إلى تشرين الأول أو تشرين الثاني 2027، مشيرا إلى أن هذا الإجراء - الذي يستوجب موافقة ثلاثة أخماس (60%) البرلمان بمجموع 360 نائبا - لا يُعتبر انتخابات مبكرة بالمعنى المتعارف عليه، مشيرا إلى أن اللجوء إلى تعديل الدستور لا يزال على الطاولة. وحركت التطورات الأخيرة حول احتمالية ترشح أردوغان، الساحة السياسية، حيث تناول كاتب صحيفة "صباح" التركية، أوكان موديريس أوغلو، الأمر في مقاله الأخير، مشيرا إلى التطورات وصيغتين قائلا : "في رأيي، ستجلب الظروف أهمية تجربة الرئيس أردوغان إلى الواجهة".
وأضاف: "السؤال حول ما إن كان أردوغان سيترشح مرة أخرى للرئاسة يتربع في أذهان الجميع حتى وإن كان توقيته مبكر، وأوضح أن هناك ثلاثة مواقف أعادت إبراز قضية ترشح أردوغان :
أولا: الشرارة الأولى للفنان إبراهيم تاتلسس في المؤتمر الإقليمي لحزب العدالة والتنمية شانلي أورفة في 11 كانون الثاني الماضي، بسؤال أردوغان من خشبة المسرح ما إن كان سيترشح أم لا والتزام أردوغان الصمت لبعض الوقت من ثم إجابته عن السؤال مع إصرار تاتلسس بقوله أنا موجود طالما إنك موجود. هذه الإجابة مرنة ولكنها ذات مغزى تجلب معها سلسلة من التفسيرات.
ثانيا: تعامل حزب الشعب الجمهوري بريبة مع الإصرار على "تركيا بدون هدف" والجهد المبذول لهذا الغرض والتساؤل حول ما إن كانت هناك رغبة لفتح المجال أمام ترشح أردوغان من جديد، ورغبة الحزب بربط الخطوة التاريخية للقضاء على المنظمة الإرهابية بالانتخابات الرئاسية حتى ولم يكن لها ارتباط مباشر بالأمر.
ثالثا: إجراء جميع الدراسات المتعلقة بالمؤتمر الكبير لحزب العدالة والتنمية المقرر عقده في 23 فبراير القادم وما سيعقبه بافتراض أن الرئيس أردوغان سيكون الفاعل السياسي الرئيسي للبلاد"، وأردف: "دعونا نسأل السؤال الأولي مرة أخرى ونعطي الإجابة من وجهة نظرنا: هل سيترشح الرئيس أردوغان للرئاسة مرة أخرى ؟. إجابتي عن هذا السؤال هي لابد له من ذلك، لكن كيف؟" وأضاف: "رأينا في شانلي أورفا أنه هناك حشد جاد يريد أن يكون الرئيس أردوغان رئيسا لولاية أخرى. إن عكس جزء كبير من الشعب هذا المطلب بجدية عندما يحين الوقت، فلا يمكن للأغلبية العددية في البرلمان أن تتجاهل الأغلبية السياسية للشعب.. نعلم أنه لكي يترشح أردوغان من جديد إما سيتم إجراء تعديل استثنائي على الدستور أو يتقرر تجديد الانتخابات بتوقيع 360 نائبا". واختتم بالقول "في رأيي أن الظروف ستبرز أهمية تجربة الرئيس أردوغان إلى الواجهة، إذ سيتم التشكيك في الفهم السياسي بعمق عند إدراك دور الرئيس أردوغان الأساسي لتركيا والمنطقة والسلام العالمي. ومع هذا، لن يكون تمهيد الطريق لترشيح الرئيس أردوغان ضمانا مطلقا. ففي نهاية المطاف، هذه عملية انتخابية".
▪︎ تحديات
الى ذلك ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية، أنّ تصعيد الرئيس إردوغان، حملته ضد أبرز منافسيه السياسيين، جاء على حساب استقرار السوق التركية، مؤكدةً أنّ هذا ثمنٌ يرغب في دفعه لتمهيد الطريق لولاية ثالثة، وقالت الوكالة إنّ حكومة إردوغان سعت لإبعاد التحقيق مع أكرم إمام أوغلو عن الرئيس نفسه، قائلةً إنّ "المدعين العامين الأتراك لا يتصرفون تحت الضغط السياسي". وأشارت "بلومبرغ" إلى أنّ اعتقال إمام أوغلو، يأتي في وقتٍ يكون فيه خطر رد الفعل الدولي منخفضاً، ولاسيما مع تركيز أوروبا، بصورة كبيرة، على الأزمة في أوكرانيا. من ناحيتها، قالت الخبيرة الاقتصادية في "بلومبرغ إيكونوميكس"، سيلفا بهار بازيكي، إنّ لدى "الحكومة التركية شعوراً بثقة متجددة في علاقتها بالاتحاد الأوروبي، نظراً إلى حاجة التكتّل إلى تعزيز دفاعاته"، مضيفةً أنّه "من غير المرجّح أن يُدلي ترامب بدلوه في أيٍّ من الأمرين". ولفتت "بلومبرغ" إلى أنّ إردوغان يتمتّع بسيطرة كبيرة على جميع مفاصل الدولة تقريباً. ومع ترويج مساعديه له للترشح مجدداً، يرى البعض أنّ حملته العدوانية ضد منتقديه، وأبرزهم إمام أوغلو، محاولة لتقويض أيّ تهديدٍ قد يواجهه في طريقه نحو الانتخابات الرئاسية. ومع الإعلان أنّ الانتخابات الرئاسية التركية لن تجري قبل عام 2028، إلا أنّ الصراع السياسي بدأ بالفعل، مع وجود تعقيدات قانونية تحيط بالترشّح لولاية ثالثة لإردوغان، الذي كان صرّح سابقاً بأنّه لن يسعى لولايةٍ أخرى..
▪︎ صعوبات اقتصادية
حققت تركيا تقدماً ملحوظاً في مجال الاقتصاد، منذ منتصف عام 2023، بحيث استعادت ثقة مستثمري الأسواق الناشئة، الذين تضرروا في السابق من سياسات إردوغان غير التقليدية، والتي شملت خفض أسعار الفائدة بصورة كبيرة، لتحفيز الائتمان وزيادة النشاط الاقتصادي، على حساب استقرار الأسعار. وعلى الرغم من هذا التقدّم، فإن البرنامج الاقتصادي، الذي يقوده وزير المالية، محمد شيمشك، يواجه صعوباتٍ كبيرة في التعامل مع تطورات الساحة السياسية الداخلية، على الرغم من عقد عشرات الاجتماعات مع المستثمرين في العام الماضي. ومع ذلك، لا يوجد قلق فوري بشأن تغيّر توجهات إردوغان الاقتصادية، حتى مع تضرر المستثمرين سابقاً من تلك السياسات. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الضغوط السوقية شهد تراجَعَا، الأمر الذي يخفف حدّة القلق الاقتصادي في الوقت الراهن، وفق الوكالة. وقالت الوكالة إنّ الأسئلة تبقى مفتوحة بشأن كيفية تأثير الصراعات السياسية الداخلية في استمرار السياسات الاقتصادية غير التقليدية، والتي تبنتها تركيا خلال الأعوام الأخيرة.
▪︎ إشهار البطاقة الحمراء
وعما أعلنه مسؤولون في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم عن إمكانية إجراء الانتخابات في النصف الثاني من عام 2027، قال أوزال رئيس بلدية إسطنبول إن "الشعب جائع وليست لديه القدرة على التحمل حتى 2027. من يضمن لك البقاء في مقعدك حتى ذلك اليوم؟ فليستيقظوا من هذا الحلم، إذا امتلكوا الشجاعة والثقة بالنفس، يمكننا أن نقرر إجراء انتخابات هذا الأسبوع، نحن نتحداهم". كان أوزال قد أطلق حملةً لإشهار "البطاقة الحمراء" في وجه إردوغان وحكومته، احتجاجاً على تدهور الوضع الاقتصادي ومستوى معيشة الشعب، كوسيلة للضغط من أجل إجراء الانتخابات، ورفع البطاقة الحمراء للمرة الأولى في مؤتمر لحزبه في مدينة مرسين، ، وفجّر ذلك جدلاً واسعاً في الشارع التركي.
وسخر نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية"، عمر تشيليك، من حملة رفع "البطاقة الحمراء"، ووصفها بأنها "نكتة سياسية"، قائلاً إن رئيس حزب "الشعب الجمهوري" يُسجّل هدفاً "في مرماه". لكن أوزال أكد أن هذه الحملة ستؤتي ثمارها، وستكون "البطاقة الحمراء في يد المتقاعدين والشباب العاجزين عن إيجاد فرصة عمل أو الزواج، ومختلف الفئات التي تعاني من عدم قدرة الحكومة على حل المشكلات الاقتصادية."