
جراء تغير المناخ... تراجع كتلة الأنهر الجليدية وتدني مخزونها المائي

مراصد
11/6/2025، 10:58:19 ص
سجلت المناطق الجليدية العالمية خسارة لافتة في كتلتها عام 2024 للعام الثالث على التوالي، هذا التحذير جاء في أول احتفال دولي باليوم العالمي للأنهار الجليدية.
وبينت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بيان لها أن خمسة من الأعوام الستة الماضية شهدت تراجعا قياسيا في الأنهار الجليدية، وكانت سنة 2024 هي الثالثة على التوالي التي شهدت فيها كل المناطق الجليدية البالغ عددها 19 منطقة، خسارة قياسية في كتلتها الجليدية، واستنادا إلى بيانات من الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية في سويسرا أن "الخسارة في كتلة الأنهار الجليدية بلغت 450 مليار طن في سنة 2024"،ويوجد أكثر من 275 ألف نهر جليدي في مختلف أنحاء العالم تغطي نحو 700 ألف كيلومتر مربع، ولا يشمل ذلك الصفائح الجليدية القارية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، لكن هذه التكوينات الجليدية تنحسر بسرعة بسبب تغير المناخ.
ونبه خبراء المناخ الأمميون إلى أن الأنهار الجليدية تواجه خطرا وجوديا، فإذا استمرت في الذوبان بالوتيرة الحالية، فلن تتمكن من الصمود خلال القرن الحادي والعشرين، مما يهدد حياة مئات الملايين من البشر الذين يعتمدون على هذه الأنهار كمصدر رئيسي للمياه. جاء هذا التحذير بمناسبة اليوم العالمي للأنهار الجليدية، الذي احتُفل به للمرة الأولى هذا العام. وقالت سيليستى ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية "لقد شهدنا بين عامي 2022 و 2024 أكبر خسارة على الإطلاق في كتلة الأنهار الجليدية على مدى ثلاث سنوات.
▪︎ الأنهار الجليدية
يعرف النهر الجليدي بكونه تراكما كبيرا من الجليد والثلج، ينشأ على اليابسة ويتدفق ببطء بفعل ثقله، في العام الماضي، شهدت الأنهار الجليدية في الدول الاسكندنافية وأرخبيل سفالبارد النرويجي وشمال آسيا أكبر خسارة سنوية في الكتلة الإجمالية للجليد على الإطلاق. يحدد علماء الجليد حالة النهر الجليدي عن طريق قياس كمية الثلج التي تسقط عليه وكمية الذوبان التي تحدث سنويا. ونبهت الخبيرة سولاجنا ميشرا إلى الخطر المحدق بسبل عيش أكثر من 120 مليون مزارع بسبب فقدان الأنهار الجليدية في سلسلة جبال هندو كوش التي يبلغ طولها 500 ميل، والواقعة في جبال الهمالايا الغربية وتمتد من أفغانستان إلى باكستان، وقد أطلق على سلسلة جبال هندو كوش لقب "القطب الثالث" بسبب موارد المياه الهائلة التي تختزنها. وبحسب مايكل زيمب مدير الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية، فإن "هذه الخسارة تعادل كتلة جليدية ضخمة بحجم ألمانيا وسمكها 25 مترا. ورأت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الكثير من الأنهار الجليدية في غرب كندا والولايات المتحدة والدول الإسكندنافية وأوروبا الوسطى والقوقاز ونيوزيلندا والمناطق الاستوائية لن تصمد ، في حال استمرار المعدل الحالي للذوبان. ونبهت إلى أن استنزاف ما يسمى "أبراج المياه" في العالم "يُهدِّد إمدادات المياه لمئات الملايين من البشر. ووفقا لهذه المنظمة من المتوقع أن يتسارع ذوبان الجليد بشكل كبير، من القطب الشمالي إلى جبال الألب، ومن أميركا الجنوبية إلى هضبة التبت، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بفعل تغير المناخ الناجم عن حرق الوقود الأحفوري، ومن المرجّح أيضا أن يؤدي هذا إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، مع ارتفاع منسوب مياه البحار، وتناقص هذه المصادر المائية الرئيسية.
▪︎ يوم المياه العالمي
يتزامن صدور تقرير منظمة الأرصاد الجوية مع قمة اليونسكو في باريس بمناسبة اليوم العالمي الأول للأنهار الجليدية، والذي دعا إلى اتخاذ إجراءات عالمية لحماية الأنهار الجليدية حول العالم. وفي 22 آذار من كل عام، تحتفي الأمم المتحدة بيوم المياه العالمي، وقد حُدّد هذا اليوم لكي يكون وسيلة لجذب الانتباه إلى أهمية المياه العذبة، والدعوة إلى إدارة موارد المياه العذبة بطريقة مستدامة، واحتفالا بهذه المناسبة - التي تعد من أبرز فعاليات السنة الدولية للحفاظ على الأنهار الجليدية لعام 2025 - اجتمع قادة العالم وصناع السياسات والعلماء وممثلو المجتمع المدني في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لتسليط الضوء على أهمية الأنهار الجليدية وتعزيز المراقبة العالمية لعمليات التجميد والذوبان التي تؤثر عليها. فقد أدى تسارع الذوبان إلى جعل الأنهار الجليدية الجبلية واحدة من أكبر العوامل المساهمة في ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يجعل الملايين عرضة لخطر الفيضانات الجارفة، فضلًا عن تدمير المجاري المائية التي يعتمد مليارات البشر عليها للزراعة، والحصول على الطاقة الكهرومائية. قبيل هذا الإعلان الرسمي من اليونسكو عن زيادة وتيرة تلاشي الأنهار الجليدية حول العالم، خلصت دراسة علمية إلى أن الأنهار الجليدية في جبال الهمالايا تذوب بسرعة غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، وهو ما يهدد إمدادات المياه لما يقرب من ملياري شخص.
وذكرت الدراسة، التي أجراها المركز الدولي للتنمية الجبلية المتكاملة (ICIMOD)، ونُشرت نتائجها في حزيران 2023، أنه بين عامي 2011 و2020، ذابت الأنهار الجليدية بوتيرة أسرع بـ65% مقارنة بالوتيرة المسجلة في العقد السابق. ولفت التقرير إلى أن الأنهار الجليدية في سلسلة جبال "هندو كوش"، والهمالايا تشكّل مصدرا مهما للمياه لنحو 240 مليون شخص في المناطق الجبلية، بالإضافة إلى 1.65 مليار شخص آخرين في المناطق المحيطة. واستنادا إلى مسارات الانبعاثات الحالية، قد تفقد الأنهار الجليدية ما يصل إلى 80% من كتلتها الحالية بحلول نهاية القرن الحالي، وفق تقديرات مركز "ICIMOD"، وهو منظمة حكومية دولية مقرها في نيبال وتضم أيضا أفغانستان وبنغلاديش وبوتان والصين والهند وبورما وباكستان.
▪︎ غذاء وطاقة
تُغذي الأنهار الجليدية في جبال الهمالايا 10 من أهم أحواض الأنهار في العالم، بما في ذلك نهر الغانغ، والسند، والنهر الأصفر، وميكونغ، وإيراوادي. وتوفر كذلك الغذاء والطاقة والدخل لمليارات البشر بشكل مباشر، أو غير مباشر. جاءت تحذيرات اليونسكو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وهما وكالتا الأمم المتحدة اللتان تتوليان مهمة إدارة الاحتفال بيوم المياه العالمي الذي يركز هذا العام على اهمية "الحفاظ على الأنهار الجليدية" ، فيما تشير منظمة اليونسكو إلى أن الأنهار الجليدية التي تؤدي دور خزانات المياه العذبة للكوكب، في تسرِّب المياه الذائبة التي تدعم إمدادات مياه الشرب والزراعة والصناعة والنظم الإيكولوجية السليمة. وتقدِّم فوائد أساسية مثل تنظيم المناخ والحماية من الكوارث الطبيعية. كما يلعب الحفاظ على الأنهار الجليدية دورا حيويا في رفاه الأفراد والمجتمعات حول العالم، وهو ما يحتم على البشرية حماية هذه الخزانات المتجمدة التي لا تزال تحتفظ بنحو 70% من المياه العذبة للأرض، وذلك من خلال إدارة هذه الأنهار الجليدية بطريقة مستدامة وتنفيذ الممارسات الخاصة بالرصد. وتعزيز التعاون العلمي الدولي. وفي المقابل يطرح ذوبان الأنهار الجليدية بسرعة حالة من عدم اليقين بشأن تدفقات المياه، مع ما يترتب على ذلك من آثار بالغة على الناس والكوكب الذي يعتمد وسكانه في الاستمرار على وجود المياه، إذ يعتمد ما يقرب من ملياري شخص في الشرب والزراعة وإنتاج الطاقة على مياه الأنهار الجليدية وذوبان الثلوج والجريان السطحي للمياه من الجبال، في المقابل يساهم الذوبان المتزايد للأنهار الجليدية بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم، حيث يرتفع مستوى سطح البحر اليوم بحوالي 20 سم عما كان عليه في عام 1900.
▪︎ الاحترار المناخي
ترى الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة أن الحل الوحيد الممكن للمحافظة على الأنهار الجليدية، هو مكافحة ظاهرة الاحترار المناخي من خلال الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتنفيذ إستراتيجيات محلية للتكيف مع الأنهار الجليدية الآخذة في الذوبان. وبيّنت دراسة حديثة أن الأنهار الجليدية أكثر عرضة للتغير المناخي مما كان يُعتقد سابقا، منبّهةً إلى أن ثلاثة أرباع كتلتها قد تختفي في القرون المقبلة إذا لم يتغير شيء، وهو ذوبان ستكون له عواقب وخيمة، كون لهذه الأنهار الجليدية العملاقة أهمية كبيرة في تنظيم المناخ، وتؤدي دورا محوريا في توفير المياه العذبة لمليارات البشر.
غير أن ذوبانها الذي يُغذّيه ارتفاع درجات الحرارة العالمية الناجم عن الأنشطة البشرية، يُعرّض هذه الموارد للخطر، ويُفاقم ارتفاع مستوى سطح البحر، مُهدّدا بذلك عددا كبيرا من السكان، حيث تُقدّم الدراسة التي أجراها نحو عشرين عالما دوليا ونُشرت نتائجها في مجلة "ساينس" المرموقة، الرؤية الأكثر تفصيلا حتى الآن للمخاطر المُرتبطة بذلك، بيّن هذا التحليل الذي أُجري باستخدام ثمانية نماذج مناخية أن ذوبان الأنهار الجليدية العالمية سيكون أكبر بكثير من المتوقع على المدى الطويل، لا سيما إذا بقي العالم على مساره الحالي في الاحترار المناخي، مع خسارة تُقدّر بنحو 76% من كميات الجليد الحالية.
غير أن هذه التوقعات القاتمة للغاية تترافق مع "رسالة أمل"، على ما أكّد أحد المشاركين في إعداد الدراسة، عالم الجليد هاري زيكولاري من جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا، لوكالة فرانس برس.
▪︎ فقدان متزايد
بحسب المجتمع العلمي، ارتفعت درجة حرارة العالم بما لا يقل عن 1,2 درجة مئوية، وقد يصل الارتفاع إلى 2,7 درجة مئوية بحلول عام 2100 في ظل سياسات المناخ الحالية، ينعكس هذا الارتفاع في درجات الحرارة بشكل غير متناسب على الارتفاعات العالية، إذ إن الزيادة في معدل درجة حرارة الهواء فوق الأنهار الجليدية أكبر بنسبة 80% من الزيادة الإجمالية، وفق الدراسة. وفقدت الأنهار الجليدية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم ما يقرب من 5% من حجمها منذ بداية القرن، مع تفاوتات إقليمية كبيرة: من تراجع بنسبة 2% في أنتركتيكا إلى انحسار 40% في جبال الألب. فيما حذرت دراسة علمية حديثة من ذوبان ثلاثة أرباع الأنهار الجليدية عالميًا في ظل استمرار الاحترار المناخي، مؤكدة أن فقدانها سيكون له تأثيرات كارثية طويلة الأمد ، وبناء على نتائج الرصد المُجمّعة من كل أنحاء العالم، قدّرت الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية أن الأنهار الجليدية - باستثناء الصفائح الجليدية القارية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية - فقدت أكثر من 9 آلاف مليار طن من كتلتها منذ بدء التسجيل في عام 1975.