
الهجمات الإسرائيلية في العمق الايراني.. تساؤلات عن احتواء القوة واطفاء مصادر النيران

مراصد
13/6/2025، 6:17:14 م
تطرح العمليات الإسرائيلية في صفحتها الجديدة داخل الأراضي الإيرانية تساؤلات حقيقية عن متغيرات أنماط التعبئة العسكرية في حروب سابقة، لتكشف عن نماذج تحاكي تطورات الذكاء الاصطناعي واسلحة الجيل السادس من جانب، والتمسك بالقدرات البشرية في العمل الاستخباري من جهة ثانية،
بما سبق وان عرفه تاريخ الحروب باحتواء قوة الهجوم الأول في صفحته الأولى، واطفاء مصادر النيران المعادي في الصفحة الثانية، لنشهد اليوم نموذج جديد من الحرب عن بعد توظف الذكاء الاصطناعي والقدرات الصاروخية والمسيرات في حرب محاولة نزع الانياب النووية الإيرانية. لعل ابرز هذه التساؤلات، هل تتجه هذه العمليات الى نموذج حرب بكامل المعنى العسكري والسياسي والاقتصادي لهذه الكلمة وما فيها من كلف لابد وان يتحملها المتحاربون؟؟، الإجابة الواقعية ان هذه العمليات اقرب الى نموذج " تقليم الاظافر" بالقوة بدلا من القتال المباشر، وفق هذا المنظور يمكن قراءة ان عملية "الأسد الصاعد" وما فيها من نبرة توارتية فاضحة، لن تكون بعنوان "قطع راس الاخطبوط" التي يتكرر ذكرها في تعليقات العسكر والساسة عن ذلك التنافس حد الخوف من تبادل الردع غير الواقعي بين القدرات التسليحية النووية الإسرائيلية، والنموذج الإيراني لامتلاك قدرات نووية وصاروخية جعلت البلاد تحت نير العقوبات الأمريكية، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك بأنه "عملية عسكرية مستهدفة لدحر التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل ذاته"، مضيفًا أن العملية ستستمر " لأيام عدة يستغرقه إزالة هذا التهديد"، فيما سارع أقرب حليف لإسرائيل إلى النأي بنفسه، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة "غير متورطة".
جاءت العملية الإسرائيلية في وقتٍ بدا فيه أن المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن البرنامج النووي الإيراني المُتقدم قد وصلت إلى طريق مسدود، وذلك بعد أن خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن طهران تُخالف التزاماتها بمنع الانتشار النووي، فكيف قد ترد القوات الإيرانية؟ ماذا يعني هذا لإسرائيل، والبرنامج النووي الإيراني، والعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، ومنطقة تشهد بالفعل اضطراباتٍ كبيرة؟
▪︎ الموقف الاسرائيلي
سارع معهد الامن القومي الإسرائيلي في جامعة تل ابيب لطرح وجهة نظره في هذه العمليات، ودعا "دان سبيوتوفيش" الخبير الامني في المركز الى الاستعداد لحملة شاملة، وقال في تعليقه، "يبدو أن إيران تُخطط لردٍّ قويٍّ على إسرائيل، ومن المتوقع أن تُعلن طهران الحرب. ويبقى الغموضُ الكبيرُ قائمًا بشأن ما إذا كانت إيران ستُهاجم القواعد الأمريكية في الخليج، على الرغم من محاولة واشنطن الواضحة النأي بنفسها عن العملية الإسرائيلية. وهذا يُشكّل معضلةً صعبةً للقيادة الإيرانية." مؤكدا "ما زلنا في بداية ما يُرجّح أن يكون حدثًا مختلفًا تمامًا عن المواجهات المباشرة السابقة بين إسرائيل وإيران. هذه المرة، يبدو أنها حملة شاملة، وستكون عواقبها بعيدة المدى وهامة على مستقبل إيران واستقرار المنطقة. هذه مجرد البداية". اما زميله " الداد شافيت، فتوقع ان تستخدم ادارة الرئيس ترامب هذه العملية "للدفع نحو تسريع عملية التفاوض، وهو عنصر أساسي في استراتيجية الخروج من هذه الحملة، في الساعات الأخيرة، أكد الرئيس على أمله في عودة إيران إلى طاولة المفاوضات. مشيرا الى ما اوضحه متحدثون باسم الإدارة الأمريكية أن جهودهم الرئيسية تُركز على الدفاع عن الأصول الأمريكية في المنطقة، لكنهم أكدوا أيضًا أنهم لن يترددوا في الدفاع عن إسرائيل. ويُقدر أن الولايات المتحدة ستحاول تجنب التورط المباشر في المواجهة، وخاصةً أي هجوم على إيران نفسها - وفي الوقت الحالي، معترفا ان مثل هذا السيناريو، "لا يُطرح علنًا، ومع ذلك، من المتوقع أن يُؤدي أي هجوم إيراني على أهداف أمريكية إلى رد أمريكي فوري ضد الأصول الإيرانية". مستدركا بالقول "من المتوقع أن تشتد المعضلة الأمريكية بشأن مدى تورطها في حال وقوع هجمات خطيرة على إسرائيل أو أيٍّ من حلفائها الإقليميين الآخرين - وخاصةً السعودية - أو إذا اتضح أن العملية الإسرائيلية لم تُلحق أضرارًا جسيمة بالمشروع النووي، في هذه الحالة، قد يزداد الضغط على واشنطن لإكمال المهمة بنفسها - باستخدام قدراتها العسكرية".
▪︎ تساؤلات شرق أوسطية
اعتمدت إسرائيل في هذه العملية على ما يعرف بمبدأ "بيغين" الذي دمر على أساسه مفاعل تموز العراقي، والذي يعتبر ان اي تواجد للصناعة النووية في الشرق الأوسط، تهديد وجودي لإسرائيل، لذلك تساءل جوناثان بانيكوف وهو مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، والنائب السابق لوزير الاستخبارات الوطنية الامريكية، عن اعتبار الضربات الاسرائيلية ربما تحدد مسار الشرق الاوسط وما حوله من ازمات وقضايا دولية وإقليمية ليس للأسابيع فحسب بل لسنوات مقبلة، ونقاش في تعليق نشره المجلس الاطلسي تحت عنوان " تقييم الخبراء" صباح يوم الضربات، انه لابد من قياس معايير الاداء الاسرائيلي في حجم العمليات العسكرية الإسرائيلية في إيران، حيث ينصبّ تركيز إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، بالإضافة إلى تقويض سيطرة إيران وقيادتها العسكرية، بهدف محاولة تخفيف حدة الرد الإيراني. متوقعا "يواصل الإسرائيليون ضرباتهم خلال الأيام المقبلة على الأقل، ومن المتوقع أن يستهدفوا البنية التحتية النووية الإيرانية الرئيسية لتأخير الجدول الزمني لإيران نحو امتلاك قنبلة نووية، حتى لو لم تتمكن إسرائيل بمفردها من إجهاض مساعي إيران نحو ذلك." مستدركا بالقول "لكن هل سيكون نطاق الهجمات كبيرًا ومتنوعًا لدرجة أن الهدف النهائي لإسرائيل ليس فقط شل البرنامج النووي الإيراني ولكن التحريض على تغيير النظام؟ ستساعد الأهداف التي تختارها إسرائيل في تحديد إجابة هذا السؤال". ورغم تصريح وزير الخارجية الامريكي في بيانه للتنصل من أي مسؤولية تتعلق بالهجوم الإسرائيلي، رد وزير الدفاع الإيراني بتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة قبل يومين فقط، وقد ساعد احتمال وقوع هذه الضربات في دفع عمليات إجلاء جماعية للموظفين الأمريكيين في وقت سابق من هذا الأسبوع.
▪︎ المصالح الامريكية
يقول الباحث الامريكي بانيكوف "لا يزال المتشددون في إيران يرون اختلافًا طفيفًا بين امريكا واسرائيل، ومن غير المرجح أن يُغير تصريح روبيو هذه الحسابات، سيرغب الإيرانيون في ضرب المصالح الأمريكية". ويرى انه "من المرجح أن يؤدي ذلك إلى انضمام الولايات المتحدة إلى إسرائيل في ضربات عسكرية هجومية ضد إيران، ومن المحتمل أن يكون الدعم الدفاعي الأمريكي لإسرائيل، والذي من شبه المؤكد أنه سيُقدم للمساعدة في تخفيف حدة الرد الإيراني، كافيًا لتفسير طهران على أنه تدخل أمريكي". منوها الى ان أي تخيل بان إيران لن تهاجم المصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها في الخليج، وأن تركز فقط على إسرائيل (بمساعدة وكلائها.. في العراق واليمن وما تبقى من قدرات حزب الله في لبنان)، وتشن هجمات غير متكافئة ضد مواقع إسرائيلية ، في مثل هذا السيناريو، من المرجح أن تتعرض إدارة ترامب لضغوط لمساعدة إسرائيل في تدمير بعض المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، مثل محطة فوردو لتخصيب الوقود شديدة التحصين، مرجحا "سينظر بعض المحافظين في مجال الأمن القومي في الولايات المتحدة إلى هذا على أنه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، بينما سيجادل أولئك ذوو الميول الانعزالية في إدارة ترامب وعلى اليسار لصالح النهج المعاكس".
▪︎ وكالة الطاقة الذرية
مشيرا الى حاجة إيران الاستجابة لمواقف دولية جديدة ظهرت في التقرير الاخير لوكالة الطاقة الذرية، بما يجعل إيران في نهاية المطاف تسعى جاهدةً للحصول على قنبلة نووية، وقال "من بين النقاط التي تم إغفالها أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية صوّتت لأول مرة منذ عشرين عامًا على أن إيران لم تمتثل لالتزاماتها بحظر الانتشار النووي".
ويعتقد الباحث بانيكوف، ربما تكون إسرائيل قد قيّمت أن إيران " تتسابق " نحو امتلاك قنبلة نووية، واعتبرت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوجه الدبلوماسي للعملة نفسها التي استخدمتها في ضرباتها العسكرية، مع ذلك، قد تقرر إيران أن الضربات الإسرائيلية تعني أن الوقت قد حان ليقرر النظام ما إذا كان سيحصل على قنبلة نووية، إن لم يكن قد فعل ذلك بالفعل، على حد قوله. واصفا موقف وتصريحات الرئيس ترامب بانها كانت واضحة للغاية، وفي الأيام القليلة الماضية فقط، أقرّ ترامب بأن المفاوضات مع إيران لم تكن تسير على مسار إيجابي، وأن ضربة إسرائيلية "ممكنة جدًا".
واضاف "إذا كان الرئيس الأمريكي على علم بالضربات وأبلغها بأنه لن يدعمها ولن يمنع إسرائيل من تنفيذها، فمن غير المرجح أن يُغير قراره بالموافقة على القرار الاسرائيلي بالضربة العملاقة طويلة الأمد بين البلدين".
▪︎ الموقف الايراني
في ضوء كل هذه الحقائق ، يبدو ان صفحات المعركة الحالية لن تكون وفق التصور التقليدي للحروب، بوجود ضربة اولى، تواصل اسرائيل تنفيذها داخل وخارج ايران، فيما تتلقى ردود غير فاعلة في اسكات مصادر النيران الاسرائيلية، يضاف الى ذلك تلك الابواب المفتوحة على جميع الاحتمالات، فليس ثمة خطط استراتيجية، امريكية او اسرائيلية بل وحتى عربية او من دول الاتحاد الاوربي للتعامل مع نتائج هذه المعركة، بعد ان اكتفت اغلب الدول بالتنديد والشجب والاستنكار، والدعوة لوقف العمليات الحربية والجلوس على طاولة المفاوضات التي كرر الرئيس ترامب دعوة ايران للعودة اليها. لكن الباحث الايراني محمد صدقيان، قال في تعليق تلفازي على قناة سكاي نيوز، ان ملف المفاوضات ربما تم طويه والمقبل من الاحداث بعيد عنه كليا. يؤكد ذلك تصريحات المرشد الايراني الاعلى السيد خامنئي التي شدد فيها بان على اسرائيل انتظار عقاب شديد، وتأكيدات رئيس الجمهورية الايرانية ان اسرائيل ستندم لعدوانها على الاراضي الايرانية، ناهيك عن المواقف والتصريحات على حسابات التواصل الاجتماعي التي تبشر بردود افعال ايرانية شديدة جدا، فيما ما زالت قدرات ايران بالرد، وقدرات اسرائيل بالهجوم تتباين في نوع السلاح الذي تستخدمه اسرائيل مثل طائرات اف 35 او مسيرات مثل براديتور الامريكية، بما يجعل ميزان الحرب اقرب الى حرب العصابات منه الى حرب مستعرة بين دولتين بالمفهوم العسكري لإدارة صفحات المعارك. لذلك يتوقع الكثير من الخبراء، ان هذه الصفحة اذا ما قدر لها ان تتطور، فان كلام الرئيس الامريكي ترامب الذي منح إيران خيارين فقط اما الغاء برامج التخصيب النووي او مواجهة الالة الحربية الاسرائيلية والعقوبات القصوى الامريكية، وهي اليوم تطبق بأفظع لغة حربية معروفة.